تنزيل
0 / 0

يسأل : لماذا خصّ الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بدرجة الوسيلة ؟

السؤال: 197879

لقد رزقني الله توبة أسأل الله بأن يثبتني عليها .
لماذا اختار الله أن يمنح درجة الوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أنه من الممكن أن يأتي رجل صالح من بعده ويجمع حسنات أكثر منه ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نسأل الله أن يتقبل منك توبتك ، ويثبتك على صراطه المستقيم .
قول السائل : لماذا اختار الله رسوله صلى الله عليه وسلم لدرجة الوسيلة مع أنه من
الممكن أن يأتي رجل صالح من بعده ويجمع حسنات أكثر منه ؟
فنقول :
أولا :
1 – ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو سبحانه لا يُسأل عما يفعل ، يمن على من يشاء
من عباده بما يشاء من فضله ، ولا يقال : لم منّ على فلان ولم يمن على فلان ؟
قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ
مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/ 53 .
وقال تعالى : ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى
مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )
الأنعام/ 124 .
2 – روى الإمام أحمد (3589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : ( إِنَّ
اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ
فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ
مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ
وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ ) حسنه الألباني في ” الضعيفة ”
(2/17) .
وروى البيهقي في “دلائل النبوة” (47) ” عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنهم قالوا له : أخبرنا عن نفسك ، فذكر الحديث ، قال : ( واسترضعت في بني سعد بن
بكر ، فبينا أنا مع أخ لي في بهم لنا ، أتاني رجلان عليهما ثياب بياض ، معهما طست
من ذهب مملوءة ثلجا ، فأضجعاني ، فشقا بطني ، ثم استخرجا قلبي ، فشقاه ، فأخرجا منه
علقة سوداء ، فألقياها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج ، حتى إذا أنقيا ثم رداه
كما كان ، ثم قال أحدهما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بعشرة ، فوزنتهم ، ثم
قال : زنه بمائة من أمته ، فوزنني بمائة ، فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ،
فوزنني بألف ، فوزنتهم . فقال : دعه عنك ، فلو وزنته بأمته لوزنهم )وصححه الألباني
في “الصحيحة” (1545) .
فنقول للجواب عن هذا السؤال : خصه الله تعالى بمنته وفضله ؛ لأنه سبحانه يمن على من
يشاء بما يشاء ولا يسأل عما يفعل ؛ ولأنه عز وجل نظر في قلوب عباده فوجد قلب رسوله
صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فخصه بأعظم فضل وأكرم منزلة .
فمن كان قلبه أطهر القلوب وخيرها وأكملها على الإطلاق فهو أولى الخلق بأفضل منزلة
وأعلى رتبة ، وهذا من تمام عدل الله تعالى وتمام فضله ؛ فهو سبحانه أعلم بمن يستحق
فضله ، ومن هو أهل لحمل نعمه ، وشكرها ؛ وبهذا رد الله تعالى على المشركين الذين
طعنوا في حكمة الله ، ورغبوا عن شرعه ، بحججهم الواهية ؛ قال الله تعالى : (
وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ )
الأنعام/35 ، وقال تعالى : ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ
حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ
وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ) الأنعام/124.
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” وفي هذا اعتراض منهم على الله ، وعجب بأنفسهم ، وتكبر على الحق الذي أنزله على
أيدي رسله ، وتحجر على فضل الله وإحسانه .
فرد الله عليهم اعتراضهم الفاسد ، وأخبر أنهم لا يصلحون للخير ، ولا فيهم ما يوجب
أن يكونوا من عباد الله الصالحين ، فضلا أن يكونوا من النبيين والمرسلين ، فقال:
اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فيمن علمه يصلح لها ، ويقوم
بأعبائها ، وهو متصف بكل خلق جميل ، ومتبرئ من كل خلق دنيء ، أعطاه الله ما تقتضيه
حكمته أصلا وتبعا، ومن لم يكن كذلك ، لم يضع أفضل مواهبه ، عند من لا يستأهله ، ولا
يزكو عنده .
وفي هذه الآية ، دليل على كمال حكمة الله تعالى ، لأنه وإن كان تعالى رحيما واسع
الجود، كثير الإحسان ، فإنه حكيم لا يضع جوده إلا عند أهله ” انتهى من “تفسير
السعدي” (271) .
ثانيا :
قول السائل :
مع أنه من الممكن أن يأتي رجل صالح من بعده ويجمع حسنات أكثر منه !
قول باطل مردود ؛ إذ لا يمكن أن يأتي أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر
حسنات منه ، ولو عاش إلى يوم القيامة ، فطوى الليل بالقيام والنهار بالصيام ، لا
يمكن أن يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لسبب بسيط لو تأملت ، وهو أنه ما من
أحد مسلم يعمل من الصالحات إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأجر والفضل
ما لهذا العامل ؛ لأنه الذي تسبب في هداه بفضل الله ، ولولا أن منّ الله على هذا
العامل برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين لكان من الضالين
المخذولين ، ولما تيسر له فعل مثل ذرة من خير يثيبه الله عليها ؛ لأن شرط قبول
العمل أن يكون خالصا لله وأن يكون العامل فيه متابعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
، فلا يثاب أحد على عمل عمله إلا ما كان وفق هدي رسول الله وسنته صلى الله عليه
وسلم .
وقد روى مسلم (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ
مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ) .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم دعا العالمين كافة إلى كل خير ونهاهم عن كل شر ؛
فروى الطبراني في “المعجم الكبير” (1647) عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُين لكم
) وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .
وروى مسلم (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أنه قال : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا
مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ،
أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
” يكتب له صلى الله عليه وسلم أجر كل ما عملته الأمة ، فكل ما عملنا من خير وعمل
صالح من فرائض ونوافل ، فإنه يكتب أجره للرسول عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه هو الذي
علمنا فهذا داخل في قوله : (أو علم ينتفع به) ” انتهى “شرح رياض الصالحين” (2/ 258)
.

فلرسول الله صلى الله عليه
وسلم مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة ، سواء في فعل الخير أو ترك الشر ، فمَن
مِن العالمين يدركه ؟!

فعليك أن تجدد توبتك وتحسنها
فيما يستقبل ، ومن إحسانها أن تنشغل بما ينفعك ، وتبحث عما يقربك إلى الله ، ويدلك
على طاعته ، ويلزمك طريق الهداية ، لا أن تفتح على نفسك أبواب الوساوس والشبهات ،
التي هي طريق البطالة ، ولا فائدة منها تعود عليك ، لا في دينك ، ولا دنياك .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (2036)
.

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android