تنزيل
0 / 0

قول أنس رضي الله عنه عن إماء عمر: ” كُنَّ يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ”؟

السؤال: 198645

أنا أحاور الشيعة منذ فترة ، والحمد لله أرد على كل شبهاتهم ، ولكنني لم أجد جوابا لهذه الشبهة فأرجو أن تشرحوا لي معناها إذا كانت صحيحة ، والرد عليهم .

وهذه هي الشبهة :

ثم روى من طريق حماد بن سلمة قالت : حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس عن جده أنس بن مالك قال : " كن إماء عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن ، تضطرب ثديهن ". قلت: وإسناده جيد رجاله كلهم ثقات غير شيخ البيهقي أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي وهو صدوق كما قال الخطيب ( 10 / 303 ) . وقال البيهقي عقبه: " والآثار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك صحيحة " .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
قال البيهقي رحمه الله في سننه (3222) :
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحِرَفِيُّ بِبَغْدَادَ أنبأ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : " كُنَّ إِمَاءُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْرِبُ ثُدِيّهُنَّ " .
وهذا إسناد حسن ، قال الألباني رحمه الله :
" إسناده جيد رجاله كلهم ثقات غير شيخ البيهقى أبى القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحربى وهو صدوق كما قال الخطيب " انتهى من "إرواء الغليل" (6/ 204) .
وقد رواه يحيى بن سلام في تفسيره (1/ 441) : حَدَّثَنِي حَمَّادٌ وَنَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كُنَّ جَوَارِي عُمَرَ يَخْدُمْنَنَا كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ، تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ بَادِيَةً خِدَامُهُنَّ " .
فثبت بذلك الأثر ، إلا أن المحفوظ رواية البيهقي بلفظ ( تضرب ثديهن ) أما لفظ ( تضطرب ) فهو في رواية ابن سلام المتقدمة ، وفي إسنادها نصر بن طريف وهو متهم بالكذب ، قال يحيى : من المعروفين بوضع الحديث ، وقال الفلاس : وممن أجمع عليه من أهل الكذب أنه لا يروي عنهم قوم منهم أبو جزي القصاب نصر بن طريف .
انظر "لسان الميزان" (6/153) .
وحاصل ذلك :
أن الأثر صحيح ، لكن بلفظ ( كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْرِبُ ثُدِيّهُنَّ ) يعني أن شعورهن تضرب صدورهن من سرعة الحركة والدأب في الخدمة .
أما بلفظ : ( تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ ) فغير صحيح ، وعلى فرض صحته فمردّ معناه إلى الأول ، وهو أنهن كن كبيرات في السن لسن شابات كواعب ، ومن كثرة العمل في الخدمة يحصل لهن ذلك .

ثانيا :
جاء الشرع بالتفريق بين الحرائر والإماء ، فالحرة تحتجب الحجاب الكامل ، والأمة تبرز ، ويجوز لها كشف رأسها ويديها ووجهها ؛ لكثرة الحاجة في استخدامهن ، وكان فرض الحجاب عليهن مما يشق مشقة بالغة ، مع عدم تشوف النفوس إليهن .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَقَوْلُهُ: ( ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) أَيْ إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ عُرِفْنَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، لَسْنَ بِإِمَاءٍ وَلَا عَوَاهِرَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ ، فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ فَاسِقٌ بِأَذًى وَلَا رِيبَةٍ ".
انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 425-426) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالْحِجَابُ مُخْتَصٌّ بِالْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ ، كَمَا كَانَتْ سُنَّةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ : أَنَّ الْحُرَّةَ تَحْتَجِبُ ، وَالْأَمَةُ تَبْرُزُ ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَى أَمَةً مُخْتَمِرَةً ضَرَبَهَا وَقَالَ : " أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ أَيْ لَكَاع ؟ " فَيَظْهَرُ مِنْ الْأَمَةِ : رَأْسُهَا ، وَيَدَاهَا ، وَوَجْهُهَا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15 /372) .
ولذلك قال البيهقي عقب رواية هذا الأثر : " وَالْآثَارُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحَةٌ ، وَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَأْسَهَا وَرَقَبَتَهَا وَمَا يَظْهَرُ مِنْهَا فِي حَالِ الْمِهْنَةِ : لَيْسَ بِعَوْرَةٍ " انتهى .

ثالثا :
ما سبق بيانه من عورة الأمة ، إنما يكون عند أمن الفتنة ، وسلامة الطوية ، أما إذا خيفت الفتنة ، أو كثر أهل الريب والفساد ، وخشي من تعرضهم للإماء بالأذى والسوء : فإنه يجب على الأمة الحجاب كذلك ، ويجب غض البصر عنها ومنها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا كَانَ يُخَافُ بِهَا الْفِتْنَةُ : كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُرْخِيَ مِنْ جِلْبَابِهَا وَتَحْتَجِبَ ، وَوَجَبَ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا وَمِنْهَا .
وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى عَامَّةِ الْإِمَاءِ ، وَلَا تَرْكُ احْتِجَابِهِنَّ وَإِبْدَاءُ زِينَتِهِنَّ ؛ وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَأْمُرْهُنَّ بِمَا أَمَرَ الْحَرَائِرَ ، وَالسُّنَّةُ فَرَّقَتْ بِالْفِعْلِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْحَرَائِرِ ، وَلَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْحَرَائِرِ بِلَفْظِ عَامٍّ ؛ بَلْ كَانَتْ عَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُمْ الْحَرَائِرُ دُونَ الْإِمَاءِ ، وَاسْتَثْنَى الْقُرْآنُ مِنْ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ : الْقَوَاعِدَ ؛ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِنَّ احْتِجَابًا ، وَاسْتَثْنَى بَعْضَ الرِّجَالِ : وَهُمْ غَيْرُ أُولِي الْإِرْبَةِ ؛ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ إبْدَاءِ الزِّينَةِ الْخَفِيَّةِ لَهُمْ ، لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ؛ فَأَنْ يُسْتَثْنَى بَعْضُ الْإِمَاءِ : أَوْلَى وَأَحْرَى ؛ وَهُنَّ مَنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ وَالْفِتْنَةُ حَاصِلَةً بِتَرْكِ احْتِجَابِهَا ، وَإِبْدَاءِ زِينَتِهَا .
فَإِذَا كَانَ فِي ظُهُورِ الْأَمَةِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا فِتْنَةٌ : وَجَبَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ .
وَهَكَذَا الرَّجُلُ مَعَ الرِّجَالِ ، وَالْمَرْأَةُ مَعَ النِّسَاءِ : لَوْ كَانَ فِي الْمَرْأَةِ فِتْنَةٌ لِلنِّسَاءِ ، وَفِي الرَّجُلِ فِتْنَةٌ لِلرِّجَالِ : لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْغَضِّ لِلنَّاظِرِ مِنْ بَصَرِهِ مُتَوَجِّهًا ، كَمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الْأَمْرُ بِحِفْظِ فَرْجِهِ .
فَالْإِمَاءُ وَالصِّبْيَانُ إذَا كُنَّ حِسَانًا تُخشى الْفِتْنَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ : كَانَ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ " انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (15 /373-377) .
وقال أيضا :
" وَقَدْ كَانَتْ الْإِمَاءُ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ مُنْكْشِفَاتٍ الرُّءُوسَ وَيَخْدِمْنَ الرِّجَالَ مَعَ سَلَامَةِ الْقُلُوبِ فَلَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِمَاءَ التُّرْكِيَّاتِ الْحِسَانَ يَمْشِينَ بَيْنَ النَّاسِ ، فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ ، كَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْإِمَاءُ يَمْشِينَ : كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَسَادِ ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 418) .
وينظر : "إعلام الموقعين" لابن القيم رحمه الله (2/ 46-47) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (8489) .

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android