تنزيل
0 / 0

على علاقة محرمة مع بنت زوجته ، فهل فسد نكاحه من زوجته ؟

السؤال: 199332

ما حكم من له علاقة غير مشروعة مع بنت زوجته ، قد قبلها ومارسوا الجنس الفموي معاً ، ولكنه لم يصل إلى تغييب الحشفة في الفرج ، هل نكاحه مع زوجته لا يزال صحيحاً ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

بداية وقبل السؤال عن الحكم الشرعي فإن المسلم يجب أن يتساءل دائماً عن التوبة
وأسبابها ، فيجتهد في التفتيش عن مكفرات الذنوب ، ويسأل الله العفو والرحمة
والغفران ، فعاقبة الذنب وخيمة في الدنيا والآخرة ، والله عز وجل إن رأى من المسلم
صدق الندم على ما فات ، والعزم على ترك المعصية في المستقبل ، وصدقاً في الاستغفار
والإنابة إليه سبحانه ، فإنه عز وجل غفار الذنوب ، كما قال جل وعلا : ( وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 . أما
من أصر واستكبر ، ومضى بذنبه كأن شيئاً لم يكن ، فقد حمل وزرا يوم القيامة ، قال
الله عز وجل : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/14.

فالواجب على هذا الرجل والفتاة المسارعة إلى استدراك ما فرط منهما من تلك الذنوب
والفواحش العظيمة ، وطلب العفو من الله عز وجل ، ولا يتم ذلك إلا باتخاذ الأسباب
الكفيلة بمنع وقوع الفاحشة مرة أخرى ، وذلك بتغيير المسكن ، واجتناب الاختلاط بابنة
الزوجة ، بل والتباعد عنها تماما ، كي لا تدفع رؤيتها إلى تكرار الإثم من جديد ،
وهي مسؤولية مشتركة يتحملها الطرفان ، وتتحملها أمها – التي هي زوجته – أيضا ؛ فإن
لم يقدرا الأمر حق قدره ، ولم يلتزما بالانفصال التام ، فإن الشيطان سيسول لهما
الوقوع فيما هو أعظم وأفحش .

أما الحكم الشرعي فهو أيضا حكم خطير ، فقد قال فقهاء الحنفية الكرام بأن المباشرة
بشهوة : تنقل حرمة المصاهرة ، ولو من غير جماع ، فمن قبَّل فتاةً بشهوة حرمت عليه
أمها وابنتها ، وحرمت على أبنائه .

روى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (3/479-480) بأسانيده أن عمر رضي الله عنه جرد
جاريته ، فسأله إياها بعض بنيه ، فقال : إنها لا تحل لك .

وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أنه جرد جارية له ، ثم سأله إياها بعض ولده
، فقال : إنها لا تحل لك .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أيما رجل جرد جاريته ، فنظر منها إلى ذلك الأمر ،
فإنها لا تحل لابنه .

قال السرخسي رحمه الله :

” نستدل بآثار الصحابة رضي الله عنهم – فذكر شيئا مما سبق – ولأن المس والتقبيل سبب
يتوصل به إلى الوطء ، فإنه من دواعيه ومقدماته ، فيقام مقامه في إثبات الحرمة ، كما
أن النكاح الذي هو سبب الوطء شرعا يقام مقامه في إثبات الحرمة إلا فيما استثناه
الشرع ، وهي الربيبة ، وهذا لأن الحرمة تنبني على الاحتياط ، فيقام السبب الداعي
فيه مقام الوطء احتياطا ، وإن لم يثبت به سائر الأحكام ، كما تقام شبهة البعضية
بسبب الرضاع مقام حقيقة البعضية في إثبات الحرمة دون سائر الأحكام “. انتهى من ”
المبسوط ” (4/206).

ويقول ابن الهمام رحمه الله :

” من مسته امرأة بشهوة : حرمت عليه أمها وابنتها…[ لأن ] المس والنظر سبب داع إلى
الوطء ، فيقام مقامه في موضع الاحتياط “. انتهى من ” فتح القدير ” (3/2210).

بل أفتى فقهاء الحنفية بفسخ الزواج القائم فعلا ، بسبب اللمس بشهوة في مثل هذه
الحالات ، كما يقول ابن نجيم رحمه الله : ” المعتدة عن رجعي : إذا طاوعت ابن زوجها
، أو قبلها بشهوة : فلا نفقة لها ؛ لأن الفرقة لم تقع بالطلاق ، وإنما وقعت بسببٍ
وُجد منها ، وهو معصيتها “. انتهى من ” البحر الرائق ” (4/218) .

وقال الزيلعي ، رحمه الله :

“وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ)
: … وَقَالَ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – ( مَنْ مَسَّ امْرَأَةً
بِشَهْوَةٍ ) حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا . وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ
وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ
وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ” .
انتهى من “تبيين الحقائق” (2/106) .

ولا ننكر أن جمعًا من أهل العلم قد قرروا عدم انتشار تحريم المصاهرة : إلا بالجماع
في زواج شرعي صحيح ، فمنهم من قال : إن المباشرة ونحوها لا تنشر الحرمة أصلاً ،
ومنهم من قال : إنه الحرمة لا تنتشر ، ولا بالجماع ، إلا في نكاح صحيح .

يقول الشيخ الدردير المالكي رحمه الله :

” يجوز لمن زنى بامرأة أن يتزوج بفروعها وأصولها ، ولأبيه وابنه أن يتزوجها “.
انتهى من ” الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ” (2/251).

ويقول ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله :

” ليست مباشرة ، كمفاخذة بشهوة : كوطء ، في الأظهر ؛ لأنها لا توجب عدة ، فكذا لا
توجب حرمة “. انتهى من ” تحفة المحتاج ” (7/303).

ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :

” لا يثبت تحريم المصاهرة بمباشرتها ، ولا بنظره إلى فرجها ، أو بنظره إلى غيره ،
ولا بخلوة ولو لشهوة ؛ لقوله تعالى ( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم )
يريد بالدخول الوطء . وكذا لو فعلت هي ذلك ، أي ما ذكر من المباشرة والنظر إلى
الفرج وغيره ، والخلوة لشهوة برجل : لم تحرم بنتها عليه ؛ لأنه لم يدخل بأمها “.
انتهى من ” كشاف القناع ” (5/71)
.

وقد سبق بيان ذلك ، والراجح
فيه . انظر

131569
.

لكن أحدًا لا يقول ، ولا يقبله عاقل : أن يبقى الزوج على حاله تلك ، معرضا نفسه
للوقوع في المعصية والفاحشة ، دون أن يسد أبوابها .

أيسُرُّ هذا الزوج أن يُحشر مع الزناة والزواني ، ويلقى عذابهم الذي أخبر عنه النبي
صلى الله عليه وسلم بقوله : ( فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ .
قَالَ : فَاطَّلَعْنَا فِيهِ ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا
هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ
اللَّهَبُ ضَوْضَوْا ) ثم أخبر أنهم ( الزناة والزواني ). كما في ” صحيح البخاري ”
(7047).

ولا شك أنه لو لم ينفسخ نكاحك من زوجتك ، فإن بقاء الوضع الحالي ، واستمرار عيشك مع
ابنتها في مكان واحد , وإمكان الخلوة بها : هو من أعظم الفساد ، وأوسع أبواب الوقوع
في الفاحشة ، وغضب الرب جل جلاله .

وانتهاك حرمات الله ، وتعدي حدوده : هو أعظم من مجرد انفساخ النكاح .

ولو سأل سائل : هل تحرم الزوجة على زوجها ، إذا قتل ابنتها ؟

لقيل له : لا !!

لكن انفساخ النكاح ، أو حرمته ابتداء شيء ، وشناعة الجرم شيء آخر !!

فانظر : أين أنت يا عبد الله ؟ وأين دينك ، وكيف غررت به، وجعلته عرضة لشهواتك
ونزواتك ؟!

فإذا كنت ستبقى على نكاحك لهذه المرأة ، فلا يحل لك أن تبقى على تلك الفاحشة ، وهذا
معلوم ؛ لكن أيضا : لا يحل لك أن تبقى على أبواب الفتنة مفتوحة أمامك ، بل الواجب
عليك التباعد عن الفتنة وأسبابها ، بكل ما تملك ، وأن تسد كل طريق يدعوك للافتتان
بهذه الفتاة ، والعودة إلى ما كنتما تعملان .

فالواجب عليك أن تحتاط لنفسك ، وتستبرئ لدينك ، ليس فقط بالتوبة من تلك القاذورات ،
بل بسد أبوابها التي قد تعيدك إليها مرة أخرى ؛ وقد قال عمر ، رضي الله عنه  : ( ..
فَدَعُوا الرِّبَا ، وَالرِّيبَةَ ) رواه ابن ماجة (2276)، وصححه الألباني .

نسأل الله تعالى أن يعصم بيوت المسلمين عن الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android