0 / 0

إذا زنت المرأة ، ثم أجبرت على الزواج من رجل عفيف ، فهل يصح ذلك الزواج ؟

السؤال: 199600

ذكر الله تعالى في القرآن أن الزاني لا ينكح إلا زانية ، وسمعت كذلك حديثاً مفاده أن رجلاً زانياً أقيم عليه الحد فمُنع من الزواج بامرأة بكر إلا أن تكون مثله ، أي وقع عليها حد الزنا سابقاً . فإذا كان الأمر هكذا ، فما الحكم في امرأة زانية أُجبرت على الزواج برجل غير زان ؟ ولم تستطع تجنب هذا الزواج لأسباب ما، فماذا تعمل الآن ؟ إنها تشعر بالخوف من ممارسة الجماع مع زوجها ؛ لأن الزواج على اعتبار الأدلة المذكورة في الأعلى غير صحيح ..! أرجو توضيح الحكم الشرعي لهذه الحالة ، فهذه المرأة قد عدمت مساعدة الآخرين ، وأصبح وضع العائلتين ( عائلة الزوج والزوجة ) على المحك .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
ليس المقصود من قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً … الآية ) النور/3 ، أن الزاني ليس له أن يتزوج إلا زانية ، وكذلك المرأة الزانية ليس لها أن تتزوج إلا زانيا ، بل المقصود من الآية : حرمة نكاح الزاني أو الزانية من العفيف ، ما لم يتوبا .

قال ابن كثير رحمه الله : " ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها ، وإلا فلا ، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة صحيحة ؛ لقوله تعالى : ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) " انتهى من " تفسير ابن كثير " (6/9) .

 

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " ومعنى الآية : أن من اتصف بالزنا ، من رجل أو امرأة ، ولم يتب من ذلك ، أن المقدم على نكاحه ، مع تحريم الله لذلك ، لا يخلو :
إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فذاك لا يكون إلا مشركا .
وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه ، فإن هذا النكاح زنا ، والناكح زان مسافح ، فلو كان مؤمنا بالله حقا ، لم يقدم على ذلك .
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب ، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب " .
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/561) .

فالرجل العفيف لا يجوز له أن يتزوج امرأة زانية ، وكذلك المرأة العفيفة لا يجوز لها الزواج من رجل زانٍ ، إلا إذا حصلت التوبة ممن اتصف بالزنا منهما ، وكذلك الزاني والزانية ليس لهما أن يتزوجا إلا إذا تابا .

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (122639) ، وجواب السؤال رقم : (14381) .

ثانياً :
من تاب من الزنا ارتفع عنه وصف الزنا ، فلم يشمله النهي الوارد في حرمة نكاح الزاني ، وجاز له في هذه الحال أن يتزوج من امرأة عفيفة – أي : لم يسبق لها الوقوع في فاحشة الزنا – كما يجوز له أن يتزوج ممن قد زنت سابقاً ، لكنها تابت .
وكذلك الحال بالنسبة للمرأة الزانية : ليس لها أن تتزوج بمسلم عفيف حتى تتوب ، فإن تابت : صح نكاحها منه .

وأما ما ذكرتيه من أن الزاني المحدود ليس له الزواج ، إلا بامرأة مثله قد وقعت في الزنا وأقيم عليها الحد ، فهذا قول منقول عن بعض السلف ، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود (2052) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ ، إِلَّا مِثْلَهُ ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .

قال القرطبي رحمه الله : " ذكره الزجاج وغيره عن الحسن ، وذلك أنه قال : المراد : الزاني المحدود والزانية المحدودة ، قال : وهذا حكم من الله ، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة ، وقال إبراهيم النخعي نحوه .
وفي مصنف أبى داود عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله ) ، وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ، ففرق علي رضى الله عنه بينهما .
قال ابن العربي : وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا ، وهل يصح أن يوقف نكاح من حد من الرجال ، على نكاح من حد من النساء ، فبأي أثر يكون ذلك ، وعلى أي أصل يقاس من الشريعة ! " انتهى من " تفسير القرطبي " (12/168-169) .

والصحيح أن يقال : إن وصف ( المجلود ) في الحديث خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا ، وثبت عليه ، وذلك لا يكون إلا فيمن نفذ عليه الحد ، فيكون معنى الحديث : أن المرأة العفيفة لا يحل لها الزواج ممن ظهر منه الزنا ، وكذلك الرجل لا يحل له الزواج ممن ظهر منها الزنا ، فيكون معنى الحديث موافقاً لمعنى الآية : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ) ومؤكدا له .

قال الشوكاني رحمه الله : " قوله : ( الزاني المجلود ) هذا الوصف خرج مخرج الغالب ، باعتبار من ظهر منه الزنا ، وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا ، وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ، ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب ؛ لأن في آخرها : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) انتهى من " نيل الأوطار " (6/201) .

وبناءً على ما سبق ، فمتى ندمت المرأة على ما وقعت فيه من الزنا ، وتابت منه قبل أن يعقد عليها ذلك الرجل ، فالعقد صحيح ، ويلزمها أن تستر على نفسها ، فلا تخبر أحدا عما حصل منها سابقاً .
وأما لو وقع عقد النكاح قبل حصول التوبة من الزنا ، فالقول المفتى به في الموقع أنه لا يصح النكاح ، ويلزم إعادته ، وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (85335) .

فإذا أمكن أن يعاد عقد النكاح – في حال وقع العقد قبل التوبة – ، ولو بأي مبرر مقبول : فهذا هو المطلوب والأحوط ؛ خروجاً من خلاف أهل العلم رحمهم الله ، واحتياطاً لعقد النكاح .

فإن لم يمكن ذلك إلا بالتصريح بحدوث الزنا ، وكان في ذلك التصريح مفاسد ، من وقوع الطلاق على المرأة إذا علم زوجها بأمرها السابق ، أو على الأقل حدوث الشك والريبة من الزوج إن رضي ببقاء زوجته معه ، أو هتك سترها بين الناس ، أو تعييرها به ، ونحو ذلك من المفاسد : فلا حرج عليها ، إن شاء الله ، في الاستمرار في ذلك العقد ، ولا شك أن هذا قول معتبر ، له وجهه ، بل هو قول جمهور العلماء ، خاصة في حق من دخل في ذلك العقد ، وهو يعتقد صحته .
بل صرح بضع الحنابلة أنفسهم ، بتصحيح النكاح في الصورة المذكورة :

قال المرداوي رحمه الله : " وقال بعض الأصحاب : لا يحرم تزوجها قبل التوبة إن نكحها غير الزاني . ذكره أبو يعلى الصغير " انتهى من " الإنصاف " (8/133) .

والحاصل من ذلك :
أنه إذا لم يمكن تجديد عقد النكاح بين الأسرتين ، إلا بمفسدة أعظم ، أو فضيحة وهتك ستر للمرأة : فلا بأس عليها في المضي في هذا النكاح ، وتمكين زوجها من نفسها ، وممارسة حياتها بصورة طبيعية .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (131467) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android