إذا أخذت الزوجة المعقود عليها مهرها ، وكانت قطعة من الارض ، فجعلتها وقفاً في سبيل الله – وكان هذا قبل الدخول- ، فإذا طُلقت كيف يكون الوضع ؟
كان مهرها قطعة أرض فأوقفتها في سبيل الله ، ثم طُلقت قبل الدخول ، فكيف يأخذ زوجها نصف المهر؟
السؤال: 200128
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
إذا أخذت المرأة مهرها قبل الدخول فمن حقها التصرف فيه ؛ لأنها تملكه بمجرد عقد النكاح .
قال ابن قدامة المقدسي : ” الْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ” .
انتهى من ” المغني ” (10/121) .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” (39/172) : ” الأْصْل أَنَّ الزَّوْجَةَ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلاً ؛ لأِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَقْدٌ يَمْلِكُ الزَّوْجُ بِهِ الْعِوَضَ ؛ فَتَمْلِكُ الزَّوْجَةُ بِهِ الْمُعَوَّضَ كَامِلاً كَالْبَيْعِ ؛ وَلَكِنْ هَذَا الْمِلْكُ عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مَا دَامَ لَمْ يُوجَدْ مَا يُؤَكِّدُ الْمَهْرَ وَيُقَرِّرُهُ ” انتهى .
ثانياً :
الوقف عقد لازم لا يجوز الرجوع فيه ولا فسخه .
جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (44/ 119) : ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ مَتَى صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ مُسْتَكْمِلاً شَرَائِطَهُ أَصْبَحَ لاَزِمًا ، وَانْقَطَعَ حَقُّ الْوَاقِفِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِأَيِّ تَصَرُّفٍ يُخِل بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْوَقْفِ .
فَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ ، وَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ) ؛ وَلأِنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الصِّيغَةِ مِنَ الْوَاقِفِ كَالْعِتْقِ ” انتهى .
وينظر جواب السؤال : (13720) .
ثالثاً :
إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول والخلوة ، رجع عليها بنصف ما أعطاها إياه بإجماع العلماء ؛ لقوله تعالى: ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/237 .
فإذا تصرفت به ، ببيع أو وقف أو هبة أو نحو ذلك مما يزيل الملك ، رجع عليها بنصف قيمته يوم العقد ؛ لتعذر الرجوع إلى أصله .
قال النووي رحمه الله : ” إذا زال ملكها عنه ببيع أو هبة مقبوضة أو إعتاق ، فليس للزوج نقض تصرفها لطلاقه قبل الدخول ، بل زوال ملكها كالهلاك ، ويرجع الزوج إلى نصف بدله وهو المثل إن كان مثلياً وإلا فالقيمة ” انتهى من ” روضة الطالبين “(7/310).
وجاء في ” كشاف القناع ” (5/141) : ” فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَصَرَّفَتْ فِي الصَّدَاقِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ رَهْنٍ : مَنَعَ ذَلِكَ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَنْقُل الْمِلْكَ أَوْ يَمْنَعُ الْمَالِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ ، فَمُنِعَ الرُّجُوعُ .
وَيَثْبُتُ حَقُّهُ – أَيْ الزَّوْجُ – حَيْثُ امْتَنَعَ رُجُوعُهُ فِي الْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الصَّدَاقُ مِثْلِيًّا ، فَيَأْخُذُ نِصْفَ قِيمَةِ الْمُقَوِّمِ أَوْ نِصْفَ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ ” انتهى.
وبناء على ما سبق:
يتم تقييم الأرض من أهل الخبرة ، ثم يكون للزوج نصف قيمتها يوم العقد.
لكن ينبغي للزوج إن كان موسراً والمرأة معسرة أن يعفو عن حقه ؛ لما في ذلك من الإحسان للمرأة ورفع الحرج عنها ، وله الأجر والمثوبة بتنازله عن حقه .
قال تعالى: ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) سورة البقرة/237 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله : ” ثم رغب في العفو ، وأن من عفا ، كان أقرب لتقواه ، لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر ، ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف ، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة ، لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين :
إما عدل وإنصاف واجب ، وهو: أخذ الواجب ، وإعطاء الواجب .
وإما فضل وإحسان ، وهو : إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق والغض مما في النفس.
فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة ، ولو في بعض الأوقات ، وخصوصاً لمن بينك وبينه معاملة ، أو مخالطة ، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم ، ولهذا قال: ( إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ” انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان” (1/105).
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة