0 / 0

حكم من قال تساهلا : ” إني أتفكر في مخلوقات الله ” حال نظره للنساء الأجنبيات

السؤال: 200842

لي صديق كان يتبادل الحديث مع صديق آخر عن طريق أحد ” المجموعات ” (الجروبات) في برامج التواصل في الأجهزة الذكية ، وذكر استطرادا قصة ذهابهم إلى أحد الأماكن أثناء سفرهم خارج المملكة العربية السعودية ، وما في ذلك المكان من نساء في كامل زينتهن ، ووقوفه متفرجا عليهن .
فأنكرتُ عليه ذلك ، كوننا في مكان عام ” جروب ” ، وأنه يجب ألا يجاهر بما فعله ؛ لأن نظره محرم ، فقال : بتساهل وعدم مبالاة : إني كنت أتفكر في مخلوقات الله . أو فيما معناه .
استفزني كثيرا كلامه الأخير ، وأحببت أن أسأل عن ما قاله ، وما إذا كانت هذه الكلمة فعلا خطيرة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

النظر إلى النساء من آفات العين المهلكة ، وهي من أخطر العادات السيئة ، تكمن خطورتها في سهولتها وانتشارها ، الأمر الذي يؤدي إلى اعتيادها ، وتجاوزها رقابة الوازع الشرعي ، فتتراكم آثارها مع تعاقب الأزمان ، وتؤدي بصاحبها إلى المهالك الخطيرة ، مثل استحلال المعصية ، وتشرب القلب لها ومحبتها ، فلا ينكر ما حرمه الله ، ولا يفر من غضب الله ، ولا تعود للقلب حياته ، وتنطفئ أنوار الاستقامة فيه ، حتى يلتبس عليه الحق بالباطل . ومن استوت عنده معصية النظر ، بطاعة العفة وغض البصر : حري به أن يستوي لديه الهداية والضلال ، ولو بعد حين .
وما نرى صديقك الذي تسأل عن حاله إلا قد ابتلي بزنا العين الذي ينفذ إلى القلب بسمومه ورجسه ، فينتقل الحال به إلى طلب تلك المعصية ، بدلا من الاستغفار لها والتوبة منها ، ثم يبدأ يجاهر بعيبه وفساده ، إلى أن يتشبع قلبه ما أشربه ، فيستنكر نصيحة صديقه له ، ويفتش عن تأويلات فاسدة لما يرتكبه ، فيقول مثل تلك العبارات ، قاصدا أو مازحا أو متؤولا ، كلها في السوء سواء ، ويتضاعف بها الإثم واستحقاق العذاب عند الله عز وجل .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وكذلك مقدمات الفاحشة عند التلذذ بالنظر إلى المرأة الأجنبية ، هو حرام باتفاق المسلمين ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( العينان تزنيان وزناهما النظر ) [مسند أحمد (7/28)] فإذا كان المستحل لما حرم الله كافرا ، فكيف بمن يجعله قربة وطريقا إلى الله تعالى . قال الله تعالى : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/28…فكيف بمن يستحل إتيان الفاحشة الكبرى أو ما دونها ويجعل ذلك عبادة وطريقا ، وإن كان طائفة من المتفلسفة ومن وافقهم من ضلال المتنسكة : جعلوا عشق الصور الجميلة من جملة الطريق التي تزكّى بها النفوس ، فليس هذا من دين المسلمين ولا اليهود ولا النصارى ، وإنما هو دين أهل الشرك الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (11/ 543) .
ويقول أيضا رحمه الله :
” إن الرجل لو جعل النظر إلى امرأته في الصلاة أو الصيام أو الاعتكاف من جملة العبادة : كان مبتدعا ، بل كان هذا كفرا ، فكيف إذا جعل النظر إلى المرأة الأجنبية أو الأمرد في الصلاة من جملة العبادات ، كما يفعله بعضهم ، وقد أوقد شمعة على وجه الأمرد ، فيستجليه في صلاته ، ويعد ذلك من عباداته ، هذا من أعظم تبديل الدين ومتابعة الشياطين .
وهذا إذا كان العمل عبادة في نفسه كالصلاة والصيام ، فكيف إذا كان العمل بدعة عظيمة ، وهو سماع المكاء والتصدية ، وضم إليه مشاهدة الصور الجميلة ، وجعل سماع هذه الأصوات ورؤية هذه الصور من العبادات ، فهذا من جنس دين المشركين ” .
انتهى من ” الاستقامة ” (1/317) .
ويقول ابن القيم رحمه الله :
” وإنما تستَّرَت هذه الطائفة لهواها وشهواتها ، وأوهمت أنها تنظر عبرة واستدلالا ، حتى آل ببعضهم الأمر إلى أن ظنوا أن نظرهم عبادة ؛ لأنهم ينظرون إلى مظاهر الجمال الإلهي ، ويزعمون أن الله – سبحانه وتعالى عن قول إخوان النصارى – يظهر في تلك الصورة الجميلة ، ويجعلون هذا طريقا إلى الله ، كما وقع فيه طوائف كثيرة ممن يدعي المعرفة والسلوك …. وحكى لي شيخنا أن رجلا من هؤلاء مر به شاب جميل ، فجعل يتبعه بصره ، فأنكر عليه جليس له ، وقال : لا يصلح هذا لمثلك ، فقال : إني أرى فيه صفات معبودي ، وهو مظهر من مظاهر جماله ، فقال : لقد فعلت به وصنعت ، فقال شيخنا : فلعن الله أمة معبودها موطوؤها ” .
انتهى من ” روضة المحبين ” (ص122-123) .

فالخلاصة : أن صديقك قد لا يكون أراد ما يقصده هؤلاء الضلال الذين حكى عنهم شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله ، ولكنه أطلق ما يشبه أقوالهم ، فالواجب عليه التوبة مما تلفظ به ، وقبل ذلك التوبة من معصية النظر ، والحذر الحذر من الشيطان وشركه ، فلا يجعل على نفسه سبيلا بالنظر المحرم ، فتتوارد إلى قلبه الشبهات والشهوات فيقع فيما هو أعظم وأفحش .

يقول ابن القيم رحمه الله – في معرض ذكر آفات المعصية وآثارها على العباد -:
” ومنها : ظلمة يجدها في قلبه حقيقة ، يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم ، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور ، والمعصية ظلمة ، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته ، حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر ، كأعمى أخرج في ظلمة الليل يمشي وحده . وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه ، وتصير سوادا في الوجه حتى يراه كل أحد ، قال عبد الله بن عباس : إن للحسنة ضياء في الوجه ، ونورا في القلب ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سوادا في الوجه ، وظلمة في القبر والقلب ، ووهنا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق ” انتهى من ” الجواب الكافي ” (ص/54) .
وقد سبق في موقعنا العديد من المباحث المهمة في فوائد غض البصر والوسائل المعينة عليه ، يمكن مراجعتها في الفتوى رقم : (20229) ، (85622) ، (114196) ، (138582) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android