0 / 0
116,75701/11/2013

لا يقع الطلاق بالوعد به ولا بشرط إرادة الزوجة ولا بالإشارة من ناطق

السؤال: 201090

أنا قلقة جداً ، بعد أن حدثت بعض المشاكل في حياتي الزوجية ، وأريد منكم التوجيه . فقد تزوجت منذ شهرين ، وفي أحد الأيام انتابني شعور جعلني أظن أن زواجي لم يكن حلالاً ( وهذه قصة أخرى طويلة ) ، فصرخت وبكيت وطلبت من زوجي أن يتركني ، فتأثر زوجي من ذلك كثيراً وبدأ بالبكاء ، فقلت له : إن كنت تريد أن تساعدني وتحافظ عليّ فاتركني ، فهزّ رأسه بالموافقة ، ثم أعطاني تلفونه لأتصل بالقاضي ، فاتصلت وتحدثت إليه ، ثم بعد ذلك ذهبنا إلى بيت أبي ، فوبختني أميّ لتصرفي ، فقلت له : يجب أن تطلقني ، فقال : إنه لن يطلقني إلا أن يوافق أبي ، فقلت له : عليك أن تطلقني حتى لو لم يوافق ، فقال : إنه لن يطلقني ، فاستمريت في ترديد كلمة : طلقني ، طلقني ، طلقني ، فقالت لي أمّي : إن بكل كلمة طلاق طلبتها منه يقع الطلاق ، فلعله كان يهز رأسه بالموافقة تعقيباً على كلام والدتي ، لكني لا أتذكر تحديداً .

ثم خرجت أمي من الغرفة ، فأمسك بيدي وقال : لا بأس ، إن كنتِ تريدين الفراق ، سأفعل ذلك غداً ، لكن على الأقل كوني امرأة صالحة اليوم فقط ، قال تلك العبارات وهو مستاء جداً ، ثم عندما همّ بالمغادرة قام وخرج فلم أرافقه ، فاتصل بي وقال : إن كنت تريدين الطلاق فاخرجي إلى هنا ، فخرجت ، ورأيته مستاءً وحزيناً جداً ، لدرجة أنه لم يقو على فتح عينيه ، ثم ذهبنا إلى مكتب القاضي ، وهناك لم يذكر أي شيء عن موضوع الطلاق ، لكنه قال لي – عندما كنّا جالسين بعد أن طلبت منه الطلاق مجدداً – : جهزي ورقة الطلاق ، ثم اتصلي بي .

ثم بعد ذلك ذهب هو إلى بيته ، وذهبت أنا إلى بيت أبي ، وفي منتصف الطريق ، اتصل بي غاضباً ، وقال : بعد كل الصبر الذي رأيته مني ، إن كنت تريدين الطلاق فلا بأس ، وقال أشياء أخرى ، ثم قال : اخرجي لمقابلتي وسأطلقك ، ثم قال : أنت طالق طلقة واحدة ، ثم قال : سأطلقك مشافهة وعلى الورق ، قال كل هذا وهو غاضب جدًا ، ثم طلب بعد ذلك أن أناوله الهاتف ليتكلم مع أخي ، فتكلم معه بشكل عادي ، وقال لي أخي – فيما بعد -: إنه لم يكن غاضباً ، ولم يبد عليه شيء من الغضب ، لكني أعرف زوجي جيداً ، فهو يخفي غضبه عندما يتكلم مع الآخرين ، لكني متيقنة أنه كان متعباً تلك اللحظة ، ومع هذا لا أجزم إن كان قد نوى الطلاق فعلاً أم لا ، لكنه في اليوم التالي قال لي : إنه كان غاضباً فحسب ، ولم يكن ينوي الطلاق .

وأريد التنويه هنا إلى أنني لم أكن حائضاً ذلك اليوم ، بل إنه كان قد نام معي قبل أن يقول ما قال ، لكنه لم يولج إيلاجاً كاملاً .

وسؤالي .

فهل ما زلت زوجة له ؟ أم إن الطلاق قد وقع ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يؤلمنا أن نقرأ من زوجة مسلمة هذا الاستهتار في العلاقة الزوجية ، والطيش في طلب الطلاق والإصرار على هدم الأسرة ، والله عز وجل قد أكرمك بزوج وأسرة كريمة في حين أن غيرك من النساء والفتيات محروم من ذلك ، فلماذا تصرين على مقابلة النعمة بالنكران ، والإحسان بالإساءة !! ولماذا تسعين إلى غضب الله عز وجل ، وأنت تعلمين أن طلب الطلاق بهذه الطريقة ومن غير سبب هو من المعاصي الكبار ، التي تفسد المجتمعات ، وتقوض بنيان الأسر ، وتكون سببا في التعاسة والشقاء سنين طويلة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) رواه الترمذي (1187) وصححه الألباني . كما سبق بيانه في موقعنا في الأرقام الآتية: (125191) ، (176201) .
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد وصف عقد الزواج بأنه ميثاق غليظ ، كما في قوله عز وجل : ( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء/25 ، أي عهد بينهما كبير وعظيم ، فذلك يقتضي من كلا الزوجين صيانة التزامهما بمقتضاه إلى أقصى درجة ، ولا يخفى حينئذ ماذا سيكون حكم من ينقض هذا الميثاق الغليظ ، ويستهتر به إلى الحد الذي يجعل الزوجة تصر على طلب الطلاق بطريقة لا مسوغ لها أصلا ، سوى استثارة الزوج الذي يكتم غضبه ، ويتجرع آلام الصبر ومرارة تحمل كلام زوجته ، ويفجعه ما ستؤول إليه أمور بيته بعد الطلاق !!
لذلك كله ، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحا ، تعاهدينه فيها عز وجل على طي صفحة الماضي إلى غير رجعة ، والبدء بحياة جديدة مع زوجك ، ملؤها المحبة والسعادة والسلام ، تعتذرين له فيها عن كل ما بدر منك ، وتطلبين منه العفو الصفح ، ثم تجتنبين أول ما تجتنبين الصراخ والصخب والغضب ، فتلك آفات البيوت ، وحبائل الشيطان إلى بلوغ غايته في التفريق بين الزوجين .
ثانيا :
أما الحكم الشرعي ، فقد ذكرت في سؤالك مجموعة من الألفاظ التي تستحق توضيح حكمها ، وإزالة الاشتباه فيها ، فمن ذلك :
اتفق جمهور الفقهاء على أن الإنسان الناطق لا يقع منه الطلاق بالإشارة ، أو بحركة الرأس واليد ونحو ذلك ، بل لا بد من النطق الصريح أو الكنائي مع النية ، فقولك في السؤال : ” إن كنت تريد أن تساعدني وتحافظ عليّ فاتركني ، فهزّ رأسه بالموافقة “. وقولك أيضا : ” استمريت في ترديد كلمة : طلقني ، طلقني ، طلقني . فقالت لي أمّي أن بكل كلمة طلاق طلبتها منه يقع الطلاق ، فلعله كان يهز رأسه بالموافقة تعقيباً على كلام والدتي… لكني لا أتذكر تحديداً “. كل ذلك لا يقع به الطلاق في مذهب جمهور الفقهاء ، من الحنفية والشافعية والحنابلة .
جاء في ” الفتاوى الهندية ” (1/357):
” لو قالت لزوجها : طلقني . فأشار بثلاث أصابع ، وأراد بذلك ثلاث تطليقات ، لا يقع ، ما لم يقل بلسانه ” انتهى .
وقال الإمام الرملي رحمه الله :
” إشارة ناطق بطلاق : لغو ؛ وإن نواه وأفهم بها كل أحد ” .
انتهى من ” نهاية المحتاج ” (6/435) .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :
” لو أشار ناطق بالطلاق ، وإن نوى ، كأن قالت له : طلقني ، فأشار بيده : أن اذهبي : لغا ، وإن أفهم بها كل أحد ؛ لأن عدوله عن العبارة إلى الإشارة : يُفْهِم أنه غير قاصد للطلاق ، وإن قصده بها ؛ فهي لا تقصد للإفهام إلا نادرا ، ولا هي موضوعة له ” .
انتهى من ” أسنى المطالب ” (3/277) .
ويقول ابن قدامة رحمه الله :
” القادر [يعني على النطق] لا يصح طلاقه بالإشارة ، كما لا يصح نكاحه بها ” .
انتهى من ” المغني ” (7/485) .
وهذا كله إذا افترضنا أنه قد أشار فعلا برأسه ، بما قد يفهم منه الموافقة على الطلاق ؛ فأما إذا كان الأمر مجرد احتمال : فالأمر فيه أظهر ، وأبعد عن وقوع الطلاق بمجرد التوهم والاحتمال .
ثالثا :
أما الوعد بالطلاق في قابل الأيام فلا يعد طلاقا بنفسه ، بل لا بد من الجزم بالطلاق في الحين ، فقول الزوج : ” لا بأس ، إن كنتِ تريدين الفراق ، سأفعل ذلك غداً “، ليس طلاقا ، بل هو وعد به من الغد ، وإخلاف الوعد هنا مستحب ، بل قد يكون واجبا في بعض الأحيان . ومثله كذلك قول الزوج : ” جهزي ورقة الطلاق ، ثم اتصلي بي “، وقوله : ” اخرجي لمقابلتي وسأطلقك “. كلها ليس فيها طلاق جازم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” قال لها : اذهبي إلى أهلكِ وستأتيكِ ورقتكِ ، ولم تأتها ورقتها . فهذا ليس بطلاق ، يردها عليه الآن بدون أي شيء ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” (40/ 6، بترقيم الشاملة آليا). وانظر جواب السؤال رقم : (145144) .
رابعا :
وكذلك : لا يقع الطلاق المعلق على الإرادة ، حتى يتم تعليق الطلاق على تلك الإرادة بلفظ يدل على الشرط والجزاء ؛ فيقول لها : “إن خرجت فأنت طالق” ، أو :” إن كنت تريدين الطلاق فأنت طالق ” : فإنه يقع في هذه الحالة ، وبينهما فرق ظاهر .
قال الإمام النووي رحمه الله ـ في الصورة الثانية ـ :
” لو قال : إذا رضيتِ ، أو أحببتِ ، أو أردتِ : الطلاق ، فأنت طالق ؛ فقالت : رضيتُ ، أو أحببتُ ، أو أردتُ : طلقت ” انتهى من ” روضة الطالبين وعمدة المفتين ” (8/ 161) .
وأما اللفظ المذكور في السؤال : ” إن كنت تريدين الطلاق : فاخرجي إلى هنا” ، فلا يظهر فيه تعليق الطلاق على الخروج ؛ بل الظاهر منه أنه مماطلة بالطلاق ، أو أنه طلب الخروج لإثبات إرادة الزوجة الطلاق ، أو أنه وعد بالطلاق إذا خرجت ؛ فلا يلزمه الطلاق بمجرد خروجها إلا إذا طلقها فعلا ؛ كما بيناه في الحالة السابقة .
وكذلك قول الزوج : ” بعد كل الصبر الذي رأيته مني ، إن كنت تريدين الطلاق فلا بأس ” كل ذلك لا يقع به الطلاق بمجرده ؛ فالشرط في هذه الجملة ” إن كنت تريدين الطلاق “، وجوابه قوله ” فلا بأس “، يعني أنه لا بأس عليك في إرادتك الطلاق ، أما قرار الزوج بالطلاق فلم يصدر بعد .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” [لو قال لها] أنت بالخيار ، إن شئت أن تبقي عند أولادك على ما يحصل مني فأنت صاحبة البيت ، وإلا إذا شئت الطلاق أطلقك ، لو قال هذا فليس فيه شيء ؛ لأن هذا هو الواقع ” .
انتهى من ” اللقاء الشهري ” (2/ 17، بترقيم الشاملة آليا).
وغاية ما يقال في هاتين الجملتين ـ هذه والتي سبقتها : ” إن كنت تريدين الطلاق : فاخرجي إلى هنا” ـ : أنهما من كنايات الطلاق ؛ فلا يقع بهما الطلاق ، إلا إذا كان الزوج قد نوى إيقاعه بهذا اللفظ ، فعلا .
وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في الفتوى رقم : (118094) .
خامسا :
وأما قول الزوج ” أنت طالق طلقة واحدة … ثم قال : سأطلقك مشافهة وعلى الورق . قال كل هذا وهو غاضب جدا “. فهذا لفظ طلاق صريح ، لا يحتاج إلى نية خاصة ، بل يكفي النطق به ، وقصد معناه ، ليكون الطلاق واقعا .
أما الغضب : ففيه تفصيل لدى الفقهاء ، وله درجات معروفة ؛ ومتى كان زوجك مدركا لكلامه ، قاصدا لقوله ، مالكا أمره ، لم يفقد القدرة على فهم الكلام ، أو التحكم في قوله وعدم قوله : وقع طلاقه ، ولو كان غاضبا .
وأما الغضب الذي يمنع وقوع الطلاق : فهو الذي يحجب صاحبه عن إدراك الكلام الذي يقوله ، أو التحكم فيه ؛ بحيث يخرج الكلام منه ، رغما عنه ، ولا يقدر على التحكم فيه ، من شدة الغضب .
ويحتاج زوجك إلى أن يراجع أحد المفتين المختصين عندكم ، لكي يتمكن من تقدير درجة الغضب الذي أصابه ، وبناء عليه يمكنه بيان الفتوى الشرعية بخصوص حالته .
وللاستفادة من التفصيل يمكن مراجعة : (22034) ، (45174) ، (160830) ، (110797) ، (169808) .
وما ذكرته من وقوع الجماع : فإذا كان قد أولج مقدار الحشفة في الفرج ، فقد حصل الجماع الذي يمنع من وقوع الطلاق ؛ لأنه لا يجوز للزوج أن يطلق في طهر جامع فيه ، بل لا بد أن ينتظر حتى تحيض وتطهر فيطلق قبل أن يجامع ، فإذا خالف وطلق سمي ” طلاقا بدعيا “، وقد ذكرنا في موقعنا أن المعتمد لدينا عدم الاعتداد بهذا الطلاق في هذه الحالة . ينظر : (106328) ، (175516) ، (158115) .
وفي جميع الأحوال ، إذا كنت قد راجعتم أحد المفتين المعتمدين ، أو المحكمة الشرعية في بلادكم ، فالواجب عليكم الأخذ بما صدر عن المحكمة في شأن طلاقكم ، ولا تلتفتوا لاختلاف آراء الفقهاء والمفتين .
وننصحكما بأن تذهبا ـ أنت وزوجك ـ إلى بعض أهل العلم ، أو طلاب العلم الثقات ، من أهل السنة في بلدكم ، ممن يعرف لغتكم ، وتعرضا عليه القضية كما جرت ، وهو ينظر في الحال بنفسه ، وبما يسمعه منكما مباشرة ، ويكون أقدر على النظر في المسألة ، وتقدير الحكم الشرعي .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android