0 / 0
33,66725/12/2013

أصابه الشك في الإسلام بسبب اطلاعه على بعض الأحاديث التي ظاهرها متعارض

السؤال: 201396

أنا مسلم جزائري والحمد لله ، ولكن منذ مدة من الزمن بدأت أقرأ بعض الأمور حول الإسلام التي لم أكن أسمع بها من قبل ، وللأسف أصبحت تراودني الكثير من الشكوك والوساوس ، فبدأت أبحث عن أجوبة للكثير من التساؤلات التي التقيت بها ، والتي أصبحت أبحث عنها بنفسي في مختلف مواقع الإنترنت المعادية للإسلام ، وذلك لأنني أعتقد أنه لا بد من أن كل هاته الشبهات المثارة حول الإسلام ما هي إلا افتراءات ، وأن لكل منها رد وجواب ،حيث إني أرى أن علماء الإسلام دائما ما يبينون التناقضات والافتراءات الموجودة في الديانات الأخرى الباطلة كالنصرانية واليهودية وغيرهما ، بهدف تبيين أنه ليس هناك دين صحيح غير الإسلام . فكيف يكون فيه تناقضات هو الآخر ، ولديه أعداء يجمعون الشبهات حوله بالآلاف ، بنفس الطريقة التي يقوم بها المسلمون حول الديانات الأخرى الباطلة ، فأصبحت تراودني وساوس وشكوك في كل لحظة بأن كل الديانات الموجودة على الأرض مليئة بالتناقضات ، وإحدى التناقضات المذكورة في عنوان الرسالة هي كالتالي :
جاء في ” صحيح البخاري ” في كتاب ” المغازي “، باب حج أبي بكر بالناس في سنة تسع : حدثني عبد الله بن رجاء ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء رضي الله عنه قال : آخر سورة نزلت كـــامــــلــــة براءة ، وآخر سورة نزلت خاتمة سورة النساء ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) .
وجاء في صحيح مسلم عن البراءِ ( أنَّ آخرَ سورةٍ أُنزلت تـــــــامــــةً سورةُ التوبةِ . وأنَّ آخرَ آيةٍ أُنزلت آيةُ الكلالةِ . وفي روايةٍ : بمثلِه . غيرَ أنَّهُ قال : آخرُ سورةٍ أُنزلت كـــــــامــــلــــةً )
أولا نفهم من الحديثين – الموجودين في أصح كتب المسلمين بعد القرآن الكريم – أن سورة التوبة – وهي سورة براءة – أنزلت تــــامـــة وكـــامــــلـــة ، وأنزلت في أواخـــــر زمن الوحي . ثم نذهب إلى قول الله عز وجل ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) وهي الآية رقم113 من سورة التوبة التي ثبت في الصحيحين كما سبق أن رأينا أنها مدنية ، أنزلت في أواخر زمن الوحي ، وأنها نزلت كـــــــــــــــــامـــــــــــــلــــــــــة .
بعد ذلك نجد في الصحيحين أيضا خبرا آخرا يبين بوضوح أن هناك آية من سورة براءة نزلت عند موت أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات :
” صحيح البخاري “، كتاب ” تفسير القرآن ” ، سورة براءة ، باب قوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) حدثنا ‏: ‏إسحاق بن إبراهيم ،‏ ‏حدثنا :‏ ‏عبد الرزاق ،‏ ‏أخبرنا :‏ ‏معمر ،‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ،‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏، ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال :‏ ( ‏لما حضرت ‏ ‏أبا طالب ‏ ‏الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ‏وعنده ‏أبو جهل ،‏ ‏وعبد الله بن أبي أمية ‏ .‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ‏أي عم ! قل : لا إله إلا الله ، أحاج لك بها عند الله ) ، فقال ‏أبو جهل ‏‏وعبد الله بن أبي أمية :‏ ‏يا ‏ ‏أبا طالب ‏! ‏أترغب عن ملة ‏عبد المطلب !‏ ‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ‏( لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ) ، فنزلت :‏ ( ‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي ‏قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) .
فهذا الحديث الصحيح يبين بصراحة تامة أن الآية/113 من سورة التوبة نزلت قبل الهجرة ، حيث إننا نعلم من الصحيح أن أبا طالب مات في نفس العام الذي توفيت فيه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، ولا داعي لذكر الروايات التي تؤكد ذلك . وأيضا هناك أحاديث صحيحة أخرى تبين أن آيات عديدة من سورة التوبة نزلت في أزمنة متباعدة عن بعضها البعض ، فبعض الآيات نزلت في غزوة تبوك… وآية نزلت عند موت المنافق عبد الله بن أبي ، وهي الآية/84 ، وآية أخرى نزلت يوم الجمعة عندما كان هناك ثلاثة رجال يتحاورون عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم في أمور اختلفوا فيها ، وهي الآية/19 . وغيرها من الروايات التي توحي بأن آيات سورة التوبة لم تنزل مع بعضها البعض وعلى الرغم من ذلك نجد في الصحيحين اللفظتين ” تامة ” و ” كاملة ” مما يبين بوضوح في لغة العرب أن السورة نزلت كاملة في أواخر الوحي .
هذا هو الإشكال الذي لم أجد له جوابا شافيا للأسف لحد الآن ، وللأسف الشديد هناك غيره من التناقضات والإشكالات الموجودة بكثرة ، والتي لا يسعني ذكرها كلها .
فأرجو من الله أن يوفقكم أن تساعدوني في محنتي فإن هاته الشكوك كادت أن تقتلني وترمي بي في ظلمات لا نور فيها .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

بداية لا بد من تقدير صراحتك في السؤال ، وإفضائك بما في نفسك من أمر تجده محل شبهة وشك ، وهكذا ينبغي على العاقل الحر ، البحث الدائم عن ما يشفي نفسه وقلبه من العلم والمعرفة ، ليحقق الطمأنينة التي يسعى إليها .
ونحن هنا نجيبك بجواب واحد ، وفكرة مباشرة ، من غير إطالة ولا تفصيل ، ونجزم يقينا أن هذه الفكرة تغيب عنك . ونضرب لك مثالا يوضح الأمر فنقول :
أرأيت الأزمة السورية المؤخرة – التي نسأل الله تعالى أن يعجل بالفرج فيها لصالح المسلمين المظلومين – هي أزمة حقيقية ، وكارثة كاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، يشهد بذلك عشرات الآلاف من الشهداء والجرح والأسرى والمعتقلين ، وملايين المشردين اللاجئين ، والأخبار الواردة من هناك ، والمنقولة عبر جميع وسائل الاتصال المعاصرة ، والصور المشاهدة ، أصبحت معها الأزمة عين يقين بالنسبة للعالم كله ، ليس ثمة أدنى شك في وجودها على الأرض السورية .
ولكن الأخبار التي ترد من هناك يعتريها في كثير من الأحيان قدر من الاختلاف والاضطراب ، فترى مثلا مراسلا يخبر عن عدد شهداء يوم معين من أيام المعارك فيقول إنه بلغ الخمسين ، ومراسل آخر يزيد إلى السبعين ، وثالث ينقص إلى الثلاثين ، أيضا ترى وسيلة إعلامية تخبر أن النصر في معركة معينة كان حليف الثوار ، ووسيلة أخرى تخبر عن نصر لكتائب النظام ، وثالث يحاول التوازن فيعبر بأن المعركة ما زالت طور الكر والفر ، وهكذا مرت الأزمة بعاصفة من الأخبار غير الدقيقة ، والروايات التي يختلط فيها الحق والباطل . وهذا لا شك فيه أيضا .
ولكن ، هل اختلاف الأخبار عن الأزمة السورية يعني أن نشك في وقوع الأزمة أصلا ، فيدخل في قلوبنا الشك والشبهة في هذا الأمر ، وتنبعث في قلوبنا الخواطر بأنه لا يوجد في سورية محنة أصلا ، ولا حرب ، ولا عناء !!
ألا ترى معنا أن من يدعي الشك في كل ما يحدث هناك ، فيقول : إنه لم يقتل أحد ، ولم يعتقل أحد ، وإن تلك البلاد تعيش في حياة رغد وسعادة ، وكل ما ينقل في وسائل الإعلام كذب وتزوير !
فهل من الممكن أن يقبل منطق العقل ، مثل ذلك التفكير ؟!
هل يقبل المنطق السليم ، أن يجعل من أخطاء الناقلين ، ذريعة لإنكار الحدث أصلا ؛ وهو من العظم والخطر بمكان لا يخفى على ذي عينين ؟!
إن واجب العاقل التفتيش في سبل حل الاضطراب في الأخبار ، والتمييز بين من أخطأ مِن الرواة ، ومَن أصاب .
وهذا مَثَل جميع الشبهات التي تتحدث عنها في سؤالك ، سواء صرحت بها هنا ، أم تركتها اختصارا ، كلها ترجع إلى المثال الذي ذكرناه .
لنفرض أن الروايات الواردة في الصحيحين أو في غيرهما ، وقع بينها كثير من الاختلاف والاضطراب ؛ فلماذا تجعل ذلك سبيلا للتشكك في أصل الدين ، وأدلة اليقين ، بل يتطور الأمر عند بعضهم إلى الشك في الله سبحانه وتعالى ، وفي إرساله الرسل ، وإنزاله الكتب ، وما أتي إلا بسبب زلة عقلية يسيرة ، ولكنها تؤثر تأثيرا بالغا في انحراف التفكير ، وملء القلب بالسواد والظلام .
الأمر يسير جدا ، روايات وأخبار كثيرة وقع بينها الاختلاف ، وامتلأت بها كتب الآثار والتاريخ ، فكان ماذا ؟!! هل تريد حدثا أعظم في التاريخ من حدث ( الإسلام ) بجميع تفاصيله وقضاياه العقائدية والتشريعية والتاريخية ، وما أدى إليه مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم من تغيير وجه البشرية ، وانتشار الإسلام ليصبح ثاني أكبر ديانة انتشارا ، ودولة الإسلام بسطت نفوذها لقرون متطاولة على معظم دول الأرض الحية في التاريخ ، كل هذا الحدث العظيم بجميع جزئياته يحتاج إلى عملية نقل حضاري وتاريخي هائلة ، تنقل أدنى خبر ينقل لنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء ، وأعظم خبر ينقل لنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى عن رب العزة جل وعلا الوحي ، كل هذا تريد أن تلغيه لاختلاف وقع بين الرواة في بعض القضايا !
أليس من المنطقي أن تتعرض عملية النقل الحضاري الهائلة هذه لقدر من الاضطراب والاختلاف بالنقص والزيادة !! ولو قرأت تاريخ الحضارات كلها كالفرعونية والبابلية والرومانية وغيرها ، لعلمت كم هو الاختلاف الوارد في تفاصيل ذلك التاريخ ، ولكن أحدا على الإطلاق لم يقل إنني أشك في وجود أصل تلك الحضارات ، وما عرفت عنه من عظم ونفوذ . فلماذا نشك في أصل الدين ؟!! ولماذا تقبل عقولنا هذه المزالق في التفكير بسرعة وعجلة ، وكأننا لا نملك شيئا من أسباب التدقيق والتحرير !!
هب أن تلك الروايات الواردة في سؤالك كلها خطأ ، أو مشكوك في صحتها ، وحقها أن تذهب إلى كتب الأباطيل والأكاذيب ، فأي شيء في ذلك يدعو إلى التشكك في أصل الدين وفصله ؟! وهل قامت صحة الدين على مثل هذه الروايات ، حتى يدل سقوطها على هدم الدين ؟!
ونقول لك هنا أيضا – لنحقق لقلبك الطمأنينة الأكبر – هل التناقض وقع فيه النبي صلى الله عليه وسلم هنا ، أم وقع بين الصحابة الذين نقلوا هذه الروايات ؟!
أعد قراءة الروايات في السؤال فستجد أنه لا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فيها . فلو قلنا لك – بكل يسر وسهولة – إن البراء بن عازب رضي الله عنه الذي قال : ( إن سورة التوبة نزلت كاملة ) أخطأ في قوله ذلك ، واجتهد فوهم في اجتهاده ، وأن الصواب مع الصحابة الآخرين الذين نقلوا تفرق نزول كثير من آيات سورة التوبة في كثير من المواضع ؛ فأي مشكلة بقيت أمامنا بعد ذلك ؟ وأي أصل من أصول الدين قد هدمنا بهذا الجواب ؟ وماذا بقي من المشكلة بعد ذلك ؟
هذا مع أنه قد قال بعض العلماء إن كلمة ( كاملة )، أو ( تامة ) تطلق في اللغة العربية ويراد بها المعظم والأكثر . كما يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله : ” المراد بعضها أو معظمها ، وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية ، وأوضح من ذلك أن أول براءة نزل عقب فتح مكة ، في سنة تسع عام حج أبي بكر . وقد نزل ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وهي في المائدة في حجة الوداع سنة عشر . فالظاهر أن المراد معظمها ، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك ، وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” فتح الباري ” (8/316) .

والخلاصة :
أننا نخلص لك النصيحة هنا لوجه الله تعالى ، أن تعتني بمعالي العلوم ومقاصدها الكلية ، وتؤجل القراءات التفصيلية في الأمور التاريخية التي لا تبني ولا تهدم ، حتى تحقق العلم النافع وتطلع على كتب الإسلام وأركانه العظام ، وتوسع مداركك بالتثقف في العلوم الأخرى والكتب المفيدة في اللغة والتاريخ والحضارة والفكر والسياسة ، لترى المنهجية العلمية التي يفكر من خلالها المختصون ، وتبتعد عن لغة التشكيك والاضطراب التي تبنيها ثقافة الإنترنت العامة. ولتعلم أن المستوى العلمي والثقافي للفرد لا يحدد من خلال اطلاعه على صفحات المنتديات ومواقع الشبهات ، ولكن من خلال قراءته للعلماء والمفكرين والمثقفين المشهورين ، وقبل ذلك كله بأعماله وأخلاقه ورسالته في مجتمعه ، لتكون رسالة بناء ودعوة وفضيلة ، وليست رسالة شكوك ووساوس يظنها شبهات في نفسه ، لجهله وقصور اطلاعه .
نسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android