0 / 0

تسأل : لماذا يمدح الله نفسه ؟!!

السؤال: 201651

أنا ـ معاذ الله ـ لا أسأل عن ما هو مكتوب في القرآن ، ولكن لمعرفتي الشخصية ، وأنا أرغب في أن أعرف .
لماذا مدح الله نفسه في القرآن وفي الصلاة ؟
فالله ليس في حاجة للمدح والثناء من البشر ، فمن نحن ! كما هو في الصلاة حين نقول ” سمع الله لمن حمده ” ؛ فلماذا هذا الثناء ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى البخاري (4634) ، ومسلم (2760) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ ) .
والله تعالى غني عن العالمين وعن مدحهم وعن عملهم ، وهم مهما أساءوا أو أحسنوا لا يبلغون ضر الله : فيضروه ، ولا يبلغون نفعه : فينفعوه ، فهو غني عنهم سبحانه وتعالى ، وهم الفقراء إليه ، كما قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/ 15.
ولكن الله تعالى يحب من عباده أن يطيعوه ، وأن يحسنوا الثناء عليه ، ويشكروه ولا يكفروه ، وذلك لحكم كثيرة ومعان جليلة ، نذكر بعضها :
– أحب الله المدح والثناء الحسن فمدح نفسه وأمر عباده بمدحه والثناء عليه لأنه أهل ذلك ، فأحب من عباده أن يصفوه بما هو أهله ، فإنه حري بهم إن فعلوا ذلك ألا يسيئوا الثناء عليه بما هو بريء منه سبحانه .
– ولأن في مدحه والثناء الحسن عليه بما هو أهله : قياما للحق وعملا به ، وبذلك يقوم القسطاس في السماوات والأرض ، بخلاف ما لو كفروه ولم يشكروه فإنه حري بهم ألا يقيموا العدل بينهم .
– أن في مدحه والثناء عليه مصلحة للعباد في معاشهم ومعادهم ، قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث المتقدم :
” حَقِيقَةُ هَذَا مَصْلَحَةٍ لِلْعِبَادِ ، لِأَنَّهُمْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُثِيبُهُمْ فَيَنْتَفِعُونَ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ، لَا يَنْفَعُهُ مَدْحُهُمْ ، وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُمْ ذَلِكَ ” .
انتهى من “شرح النووي على مسلم” (17/ 77) .
وقال المباركفوري رحمه الله في “تحفة الأحوذي” (9/ 357):
” أحب المدح لِيُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِعَ الْمُكَلَّفُ ، لَا لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِالْمَدْحِ ؛ وَنَحْنُ نُحِبُّ الْمَدْحَ لِنَنْتَفِعَ وَيَرْتَفِعَ قَدْرُنَا فِي قَوْمِنَا ؛ فَظَهَرَ مِنْ غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ : إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْمَدْحَ ، فَكَيْفَ لَا نُحِبُّهُ نَحْنُ ؟ ” انتهى بمعناه .
– ولأن في مدحه التعريف بحق قدره ، ولولا ما أمرنا به من ذلك ، وعرفنا عليه : لما أدركنا ما يليق بعظمته وجلاله ، من المدح والثناء الحسن ، ولما تعرفنا على ربنا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، فإن معرفة ذلك هي أساس مدحه والثناء عليه ، وهو أساس معرفة العبد بربه .
– أن مدحه سبحانه ينفي عن العبد صفات الكبر والتعالي والفخر ، فإن الذي لا ينسب الفضل لله ، فيحمده عليه : ينسبه لنفسه فيطغى ، ويتعالى على الخلق ، كما فعل قارون لما ذكّروه بالله وبنعمته عليه : ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) القصص/ 78 ، فكان ذلك سببا لتعاليه على الناس وفخره بنفسه ، فخسف الله به وبداره الأرض ثم قال تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) القصص/ 83 .
– مدح الله جل جلاله ، والتعرف عليه بصفات كماله وجلاله وكماله : يفتح للعباد باب القيام حق عبوديته ، فإنهم لا يقدرون على ذلك ولا يتعرفون عليه إلا بعد معرفة موجبات حمده ، بمعرفة أسمائه وصفاته المقتضية مدحه وحمده والثناء عليه .
– أن بمدحه والثناء عليه سبحانه بما هو أهله ، فتحا لباب معرفة الإنسان بقدره ، من الضعف والقلة والذلة والمسكنة ، فينزل منازل العبودية ، قال ابن القيم رحمه الله:
” الفقر فقران : فقر اضطراري ، وهو فقر عام لا خروج لبرّ ولا فاجر عنه ، وهذا لا يقتضى مدحاً ولا ذماً ولا ثواباً ولا عقاباً ، بل هو بمنزلة كون المخلوق مخلوقاً ومصنوعاً.
والفقر الثاني فقر اختياري ، هو نتيجة علمين شريفين :
أَحدهما : معرفة العبد بربه ، والثاني : معرفته بنفسه .
فمتى حصلت له هاتان المعرفتان ، أَنتجتا له فقراً هو عين غناه وعنوان فلاحه وسعادته ” انتهى من “طريق الهجرتين” (ص 9)

على أننا نقول :
إن السؤال لا يحسن وروده من أصله ، لأنه يرفع المحنة ويدفع التكليف ، فلا مورد له شرعا ولا عقلا ، وإذا صح أن يقال : لماذا يمدح الله نفسه ويأمر خلقه بذلك ، مع أنه غني عنهم ، لصح أن يقال : لماذا يأمرهم بالصلاة والصيام والحج والذكر وتلاوة القرآن ؟ أليس غنيا عنهم ؟! وكما أنه سبحانه ليس بحاجة إلى مدح الناس ، فإنه أيضا ليس بحاجة إلى صلاتهم ولا إلى صيامهم ولا إلى غير ذلك من طاعاتهم .
فينبغي على العبد أن يصرف همته إلى الانشغال بطاعة الله ، وعبادته على أصل التسليم واليقين والرضا ، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي المشهور :
( يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ) رواه مسلم (2577) .
تراجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (181435) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android