0 / 0

رجل فقير يريد أن يعتق رقبة ، هل تعينه زوجته على ذلك ؟

السؤال: 203138

زوجي ليس لديه مال ، راتبه قليل ، ويريد أن يتبرع لعتق رقبة ، وأعطيته من مالي ، أنا لست موظفة ، لكنه ماله كنت أجمعه ، وغضبت أمي كثيرا ؛ لأني أعطيته المال ، تقول : أنتم ليس لديكم المال ، لماذا يتبرع ، وأنت ليس لديك ملابس ، ملابسك قديمة ، وتقول قولي لزوجك : أن يرجع المال . هل أنا على صواب أم لا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
التبرع بالصدقات وإعانة المسلمين من أوجه البر التي تحمد عواقبها في الدنيا والآخرة . وعتق الرقبة المسلمة من فضائل الأعمال الجليلة ، قال الله تعالى : ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ) البلد/11-13 .
يعني : أن أولئك الذين وفقهم الله لهذه الأوصاف والأفعال : هم الذين يجتازون هذه العقبة الشديدة .
روى البخاري (6715) ، ومسلم (1509) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ ) .
والإعانة عليها إعانة على المعروف والبر والتقوى ، ومن أعان عليها فله من الأجر بقدر إعانته .
وروى أحمد (15417) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَعَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ) .
حسنه ابن حجر في "الأمالي المطلقة" (ص105) ، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" (2/315) وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4555) .
والمُكاتَبُ : العَبْدُ يُكاتَبُ على نَفْسه بثمنه فإِذا سَعَى وأَدَّاهُ عَتَقَ .
ثانيا :
لا شك أن حق الوالدين عظيم ، وبرهما من أجلّ الطاعات وأفضل القربات ، ولكن حق الزوج أعظم من حقهما ، وطاعته مقدمة على طاعتهما .
تراجع إجابة السؤال رقم : (110845) .
ثالثا :
إذا كان هذا المال الذي وفرتيه من مال زوجك وفرتيه بعلمه فلا حرج عليك في ذلك ، وإلا : فيجب عليك رده إليه وإخباره بالحال وطلب مسامحته ؛ لأنه لا يجوز لك أن تتصرفي في ماله إلا بإذنه .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
زوجة توفر لزوجها جزءاً من راتبه دون أن يعلم ، وحينما احتاج لبعض المال أخبرته بذلك وأعطته المبلغ كاملاً وهو يثق تماماً في صدقها ، ما رأيك في فعلها هذا؟
فأجاب :
" إذا كان الزوج لا يحسن التصرف في ماله ، ورأت من المصلحة أن تدخر شيئاً مما زاد عن حاجته ، فهذا حسن ، وتعتبر ناصحة له ، وأما إذا كان يحسن التصرف ويريد أن يتصرف بكامل راتبه فلا يحل لها أن تأخذ منه شيئاً ؛ لأنه ملكه "
انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (7/ 43) بترقيم الشاملة .
رابعا :
لا يجوز لك الرجوع فيما أعطيتيه لزوجك ، وقبضه منك ، إذا كان من مالك أنت ، سواء كان هو الذي أعطاه لك ، أو كان مالا خاصا بك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ، ليس لنا مثل السوء ) رواه البخاري ( 2589) ، ومسلم ( 1622 ) .
تنظر إجابة السؤال رقم : (75056) .
وأما إذا كان المال ماله هو في الحقيقة ، فهذا أبعد لك عن استرداده منه ، إلا أن يشاء هو ؛ لأنه ليس لك في حق عليه ، سوى نفقتك الواجبة .
خامسا :
الصدقة تزيد في الرزق بفضل الله ، ويخلف الله بها الخير على أهلها ، قال تعالى : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/ 39 .
وروى مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ) .
قال النووي رحمه الله :
" ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَكُ فِيهِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّاتِ فَيَنْجَبِرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ وَهَذَا مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَتُهُ ، كَانَ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ جَبْرٌ لِنَقْصِهِ وَزِيَادَةٌ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ " انتهى.
فيبارك الله في الرزق وينميه بالصدقة ، وخاصة صدقة المقل الفقير ؛ لأنه بتصدقه في حالته تلك حسن الظن بالله ، وقد قال الله تعالى في مدح الأنصار رضي الله عنهم : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر/ 9 .
سادسا :
ها هنا مقامان : الأول : الصدقة مع قلة ذات اليد ، والإنفاق مع الإقتار ، وهو أمر عظيم ، وباب صالح من أبواب العبودية ، لكن بحيث لا يتضرر أهله وعياله بنقص نفقتهم ، ولا ضياع حاجياتهم ؛ وإلا كان المشروع في حقه أن يبدأ بأهله ومن تلزمه نفقتهم ، فيضع فيهم هذه النفقة ؛ فإن كان عندهم ما يسد حاجتهم ، أو صبروا هم على ذلك ، وآثروا ، فهو خير له ولهم .
وفي سنن أبي داود (1677) وغيره ، وصححه الألباني ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه : " أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ( جُهْدُ الْمُقِلِّ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) .

ولأجل ذلك : لا نرى لك مراجعة زوجك في ذلك : إلا إذا كان قد نقص من نفقتك ، وكسوتك ، وحاجاتك الواجبة لك عليه بالمعروف ، وما يلائم من كان في مثل حاله ، من اليسر والعسر ، لا ما ينفقه غيره ، ممن لعله أغنى منه ، أو أفقر منه ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/233 ، وقال تعالى أيضا : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 .
أما الوالدة : فعليك بمداراتها وبيان فضل الصدقة لها ، وأثرها في الدنيا والآخرة على أصحابها ، وأن مراجعة الزوج بهذا الشأن قد تكون له آثاره السلبية على الأسرة .
ثم لا ينبغي أن تكون على علم بتفاصيل ما يجري في بيتكم ، وما يكون بينك وبين زوجك ، وما تدخرونه أو تنفقونه ، بل ينبغي أن يكون أكثر ذلك الشأن مما يجري بينك وبين زوجك ، ولا يطلع عليه أحد من الناس .
تراجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (96665) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android