زوجي ليس لديه مال ، راتبه قليل ، ويريد أن يتبرع لعتق رقبة ، وأعطيته من مالي ، أنا لست موظفة ، لكنه ماله كنت أجمعه ، وغضبت أمي كثيرا ؛ لأني أعطيته المال ، تقول : أنتم ليس لديكم المال ، لماذا يتبرع ، وأنت ليس لديك ملابس ، ملابسك قديمة ، وتقول قولي لزوجك : أن يرجع المال . هل أنا على صواب أم لا ؟
رجل فقير يريد أن يعتق رقبة ، هل تعينه زوجته على ذلك ؟
السؤال: 203138
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
التبرع بالصدقات وإعانة المسلمين من أوجه البر التي تحمد عواقبها في الدنيا والآخرة . وعتق الرقبة المسلمة من فضائل الأعمال الجليلة ، قال الله تعالى : ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ) البلد/11-13 .
يعني : أن أولئك الذين وفقهم الله لهذه الأوصاف والأفعال : هم الذين يجتازون هذه العقبة الشديدة .
روى البخاري (6715) ، ومسلم (1509) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ ) .
والإعانة عليها إعانة على المعروف والبر والتقوى ، ومن أعان عليها فله من الأجر بقدر إعانته .
وروى أحمد (15417) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَعَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ) .
حسنه ابن حجر في "الأمالي المطلقة" (ص105) ، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" (2/315) وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4555) .
والمُكاتَبُ : العَبْدُ يُكاتَبُ على نَفْسه بثمنه فإِذا سَعَى وأَدَّاهُ عَتَقَ .
ثانيا :
لا شك أن حق الوالدين عظيم ، وبرهما من أجلّ الطاعات وأفضل القربات ، ولكن حق الزوج أعظم من حقهما ، وطاعته مقدمة على طاعتهما .
تراجع إجابة السؤال رقم : (110845) .
ثالثا :
إذا كان هذا المال الذي وفرتيه من مال زوجك وفرتيه بعلمه فلا حرج عليك في ذلك ، وإلا : فيجب عليك رده إليه وإخباره بالحال وطلب مسامحته ؛ لأنه لا يجوز لك أن تتصرفي في ماله إلا بإذنه .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
زوجة توفر لزوجها جزءاً من راتبه دون أن يعلم ، وحينما احتاج لبعض المال أخبرته بذلك وأعطته المبلغ كاملاً وهو يثق تماماً في صدقها ، ما رأيك في فعلها هذا؟
فأجاب :
" إذا كان الزوج لا يحسن التصرف في ماله ، ورأت من المصلحة أن تدخر شيئاً مما زاد عن حاجته ، فهذا حسن ، وتعتبر ناصحة له ، وأما إذا كان يحسن التصرف ويريد أن يتصرف بكامل راتبه فلا يحل لها أن تأخذ منه شيئاً ؛ لأنه ملكه "
انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (7/ 43) بترقيم الشاملة .
رابعا :
لا يجوز لك الرجوع فيما أعطيتيه لزوجك ، وقبضه منك ، إذا كان من مالك أنت ، سواء كان هو الذي أعطاه لك ، أو كان مالا خاصا بك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ، ليس لنا مثل السوء ) رواه البخاري ( 2589) ، ومسلم ( 1622 ) .
تنظر إجابة السؤال رقم : (75056) .
وأما إذا كان المال ماله هو في الحقيقة ، فهذا أبعد لك عن استرداده منه ، إلا أن يشاء هو ؛ لأنه ليس لك في حق عليه ، سوى نفقتك الواجبة .
خامسا :
الصدقة تزيد في الرزق بفضل الله ، ويخلف الله بها الخير على أهلها ، قال تعالى : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/ 39 .
وروى مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ) .
قال النووي رحمه الله :
" ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَكُ فِيهِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّاتِ فَيَنْجَبِرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ وَهَذَا مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَتُهُ ، كَانَ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ جَبْرٌ لِنَقْصِهِ وَزِيَادَةٌ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ " انتهى.
فيبارك الله في الرزق وينميه بالصدقة ، وخاصة صدقة المقل الفقير ؛ لأنه بتصدقه في حالته تلك حسن الظن بالله ، وقد قال الله تعالى في مدح الأنصار رضي الله عنهم : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر/ 9 .
سادسا :
ها هنا مقامان : الأول : الصدقة مع قلة ذات اليد ، والإنفاق مع الإقتار ، وهو أمر عظيم ، وباب صالح من أبواب العبودية ، لكن بحيث لا يتضرر أهله وعياله بنقص نفقتهم ، ولا ضياع حاجياتهم ؛ وإلا كان المشروع في حقه أن يبدأ بأهله ومن تلزمه نفقتهم ، فيضع فيهم هذه النفقة ؛ فإن كان عندهم ما يسد حاجتهم ، أو صبروا هم على ذلك ، وآثروا ، فهو خير له ولهم .
وفي سنن أبي داود (1677) وغيره ، وصححه الألباني ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه : " أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ( جُهْدُ الْمُقِلِّ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) .
ولأجل ذلك : لا نرى لك مراجعة زوجك في ذلك : إلا إذا كان قد نقص من نفقتك ، وكسوتك ، وحاجاتك الواجبة لك عليه بالمعروف ، وما يلائم من كان في مثل حاله ، من اليسر والعسر ، لا ما ينفقه غيره ، ممن لعله أغنى منه ، أو أفقر منه ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/233 ، وقال تعالى أيضا : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 .
أما الوالدة : فعليك بمداراتها وبيان فضل الصدقة لها ، وأثرها في الدنيا والآخرة على أصحابها ، وأن مراجعة الزوج بهذا الشأن قد تكون له آثاره السلبية على الأسرة .
ثم لا ينبغي أن تكون على علم بتفاصيل ما يجري في بيتكم ، وما يكون بينك وبين زوجك ، وما تدخرونه أو تنفقونه ، بل ينبغي أن يكون أكثر ذلك الشأن مما يجري بينك وبين زوجك ، ولا يطلع عليه أحد من الناس .
تراجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (96665) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة