0 / 0

تخشى أن يكون ما أصابها من المصائب عقوبة من الله، وتريد الانتحار بعدما أصابها اليأس

السؤال: 204615

أبلغ من العمر ثلاثين عاما ، توفي والدي منذ سنوات بعيدة ، وكان من أحن وأطيب البشر ،
قدر الله لي أما لا تعرف معنى الأمومة ، ولا تعرف إلا الغلظة والإهانة ، بعد وفاة أبي حرمتني المال ، ووصل بي الحال أن أمد يدي للغير لأخذ بضع جنيهات ؛ بل وصل الحال أن آخذ من ملابس قريناتي المستعملة بعد أن ضاقت ملابسي علي لكبر سني ، كل هذا ونحن نملك في البنوك ومن العقارات ما يساوي الملايين ولكنه الظلم .

لا أكتب إليكم لأشكو ظلم امرأة تركت أبي حتى مات من المرض بدون أن تقف بجانبه أو تتكرم حتى بغسل ملابسه ، في حين تركت فتاة صغيرة ظلت من 14 حتى 16 تطبخ لأبيها حينا ، وتغسل حينا آخر ، وهي لم تتدرب يوما ولا تعرف ماهو الطبخ أو الغسيل حتى مات حزنا على مافعلته به زوجته في مرضه .
لا أكتب لكم لأشكو هذه المرأة التي لطالما آذتني كل هذا لا يهم .

مايهم هو أنني وبعد أن وصلت لسن الثلاثين ومررت بكل الآلام سواء منها أو من سواها في الحياة ، وبعد سنوات طوال من الدعاء أن يخلصني الله من الألم والعذاب ويعفو عن الزلات وصلت إلى مرحلة اليأس وفقدان الأمل .
يا الله دعوتك كثيرا ، واحترق قلبي كثيرا أرجوك أن ترحمني ، ولكنك لم تأذن .

ماذا تفعل لو شعرت أن الله لا يريدك ؟ لا يمر يوم بدون ألم وحزن وربما كارثة في حياتي .
لا أشكو الله ، حاشا لله فهو الكامل المنزه عن الخطأ وأنا الناقصة ، لكني أشعر أنه لا يريدني
ربما بسبب ذنوبي التي سقطت فيها في مراهقتي بسبب عدم وجود أم وقلة عقلي .
الأمل بالنسبة لي شيء خيالي ، أحلم به فقط لكنه لا يتحقق ، تبت إلى الله وندمت واستغفرت وتمزق قلبي ، ومرت سنوات وسنوات ، تعبت ، لم أعد أقوى على المقاومة ولا على الأمل
، التفكير في الانتحار يلازمني ، يراني الناس صالحة وخدومة ويرفعونني إلى ما لا أستحقه ، هذا فقط ما يظهر لهم ، أما في الحقيقة فأنا لا أعرف للتوفيق بابا ، التوفيق لا يطرق بابي إلا نادرا ، كل أمور حياتي مسدودة ولا أجد ردا يثلج صدري .

لماذا ؟

أعلم أن أول ما سيقال لا تيأسي من روح الله ، أواه من هذه الكلمة ، لطالما نصحت بها المهمومين والمكروبين ، لكن ما يحدث لي يتجاوز كل شيء ، استغفرت كثيرا ، ولكن ظلت أموري كما هي .

ماذا تفعل لو شعرت أن الله لا يريدك ولا يقبل توبتك ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نعم ؛ الحمد لله رب العالمين ، وهو سبحانه المحمود على كل حال ، المستحق لكل كمال ، وجمال ، وجلال !!
لم نجد ، أيتها الأخت الكريمة ، ما نستفتح به جوابنا عليك ، ونصيحتنا إليك ، خيرا من هذا الحديث ، من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأدعيته الكريمة المباركة :
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
” أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ، قَالَ : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي ، وَنُسُكِي ، وَمَحْيَايَ ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي ، وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي ، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا ، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ .
لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) !!
وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ :
( اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي ، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي ) .
وَإِذَا رَفَعَ ، قَالَ :
اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ .
وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ : ( اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ ، وَصَوَّرَهُ ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) .
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ :
( اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ). رواه مسلم في صحيحه (771) .
فانظري ، يا أمة الله ، كيف دار الأمر بين حمد الله بما هو أهله ، والثناء عليه بجميل صفاته وأفعاله ، وتنزيهه سبحانه عن ظن السوء ، بنسبة الشر إلى فعله ، أو شرعه ، أو توهم النقص في شأنه كله ، جل سبحانه ،
واعتراف العبد بين يدي ربه ، بنعمه سبحانه عليه ، وبظلم العبد لنفسه .
والافتقار إليه : في مغفرة الذنب ، وستر العيب .
وهذا كله : أول باب لنجاة العبد .
أن يطَّرِح بين يدي ربه ، ويفوض أمره إليه ، ويرضه به ربا ، مصرفا ، مدبرا ، خالقا ، رازقا ، ويعلم أن الشر لا ينسب إليه سبحانه ، بل أول الشر وآخره ، ومفتتحه وخاتمته : من ذنب العبد ، وتفريطه في أمر ربه .
ولهذا كان من جليل فقه الأنبياء : أن علموا ، وعلمونا : أن مفتاح النجاة : هو في التبري من الذنب كله ، والتوبة إلى الله ، والاعتراف إليه بظلم العبد لنفسه .
قال الله تعالى : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/87-88 .
فانظري ـ يا أمة الله ـ إلى حال ذلك النبي الكريم ، يونس عليه السلام ، وهو في تلك الشدة ، وذلك الغم ، وتلك الظلمات المتكاثفة ، لكنه : أقر لله تعالى بكمال الألوهية ، ونزهه عن كل نقص ، وعيب وآفة ، واعترف بظلم نفسه وجنايته .
قال الله تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) !!
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم : أن الله تعالى سينجيه منها ، ويكشف عنه ، ويخفف ، لإيمانه كما فعل بـ ” يونس ” عليه السلام” انتهى من تفسير السعدي (ص 529 ) .
يا أمة الله ؛
لا تظني أننا لا نقدر معاناتك ، وبلاءك ؛ كلا ـ علم الله ـ أننا نألم لألمك ، ونشعر بما أنت فيه ؛ لكننا قبل ذلك كله : نؤمن بخبر الله وخبر نبيه : أن الآلام ، وضيق الأرزاق ، والمنع أو العطاء ، ليس شيء من ذلك كله دليلا على سخط الله على عبده ؛ وإنما هي أرزاق يسوقها الله لمن يشاء من عباده ، مؤمنهم وكافره ، برهم وفاجرهم ، لحكمة بالغة :
( كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) الإسراء/20 ، وقال تعالى أيضا : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ) يعني : ليس الأمر كما ظننتم ، ولا هو بهذا القانون ؛ فقد يكون العبد ذا كرامة عند ربه ، ثم لا يعطيه الرزق يطلبه ، وقد يكون مهانا عنده ، ساقط المنزلة لديه : ثم يعطيه طلبه من الدنيا .
يا أمة الله ،
ليس البلاء دليلا على أن العبد أذنب ، وأن الله يعاقبه بذلك الذنب في الدنيا ؛ ليس هذا دليلا على ذلك ، وليس في شرع الله ما يدل على هذه الملازمة ؛ فقد يكون الأمر كذلك ، وقد يكون اختبارا من الله لعبده ، وقد يكون كفارة لسيئاته ، لا انتقاما منه ، وقد يكون رفعة لدرجاته ، وقد يكون ، وقد يكون ، لا نتألى على الله ، ولا نتحكم على غيبه بشيء ، كيف لنا أن نقتنع بوجهة نظرك ، وأنت في ذلك البلاء ، وعندنا خبر من نبي الله بغير ذلك :
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
” أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُودُهُ فِي نِسَاءٍ ، فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌ نَحْوَهُ يَقْطُرُ مَاؤُهُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّى ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ دَعَوْتَ اللهَ فَشَفَاكَ ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) رواه أحمد (27079) وغيره ، وصححه الألباني .

يا أمة الله ؛ هل سمعت بنبي الله أيوب ، وقصته ، وبلائه ، وصبره ؟!
إن ناسا من الناس ، قد ظنوا أن هذا البلاء كله ، قد كان لأجل ذنب عظيم :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلمَ قَالَ:
( إِنَّ أَيُّوبَ ، نَبِيَّ اللهِ ، كَانَ فِي بَلاَئِهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَرَفَضَهُ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ ، إِلاَّ رَجُلاَنِ مِنْ إِخْوَانِهِ ، كَانَا مِنْ أَخَصَّ إِخْوَانِهِ ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ إِلَيْهِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَتَعْلَمُ ، وَاللهِ : لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا ، مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ !!
قَالَ صَاحِبُهُ : وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً ، لَمْ يَرْحَمْهُ اللهُ ، فَيَكْشِفُ عَنْهُ ؟!
فَلَمَّا رَاحًا إِلَيْهِ ، لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ؟!
فَقَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِي مَا يَقُولُ ؛ غَيْرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرِّجْلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ ، فَيَذْكُرَانِ اللهَ ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي ، فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللهُ إِلاَّ فِي حَقٍّ !!
قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حَاجَتِهِ ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ ، أَبْطَأَ عَلَيْهَا وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ أَنِ : ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ، هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) ؛ فَاسْتَبْطَأَتْهُ ، فَتلَقَّتهُ يَنظُرُ ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللهُ مَا بِهِ مِنَ البَلاَءِ ، وَهُوَ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ !!
فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ : أَيْ بَارَكَ اللهُ فِيكَ ؛ هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللهِ هَذَا المُبْتَلَى ؟ وَوَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ ، إِذْ كَانَ صَحِيحًا ؟!
قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ !!
وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ : أَنْدَرٌ لِلْقَمْحَ ، وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ ، فَبَعَثَ اللهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ القَمْحِ : أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ ، وَأَفْرَغَتِ الأُخْرَى عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الوَرِقَ حَتَّى فَاضَ !!
رواه أبو يعلى في مسنده (3617) ، وابن حبان في صحيحه (2898) قال البوصيري في “إتحاف الخيرة” : إسناده صحيح اهـ ، وصححه الألباني في “الصحيحة” رقم (17) .
أرأيت ، يا أمة الله ؛ كيف لبث البلاء ، بنبي الله أيوب ، ذلك الزمان كله ؟!
أرأيت كيف أن الناس قد انصرفوا عنه ، كلهم ؛ فلم يبق له منهم إلا امرأته ، ورجلان من أصدقائه ؟!
أرأيت ، كيف أن الرجلين تحدثا عن ذلك البلاء : أنه ما كان إلا لذنب عظيم ، اقترفه نبي الله أيوب ؟!
ثم : أرأيت ؛ كيف تضرع إلى ربه ، حتى كشف عنه الضر والبلوى :
( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) الأنبياء/83-84 .
قال القاسمي رحمه الله في تفسيره “محاسن التأويل” (7/213) :
“أي : اذكر أيوب وما أصابه من البلاء ودعاءه ربه في كشف ما نزل به ، واستجابته تعالى دعاءه ، وما امتن به عليه في رفع البلاء ، وما ضاعف له بعد صبره من النعماء ، لتعلم أن النصر مع الصبر ، وأن عاقبة العسر اليسر ، وأن لك الأسوة بمثل هذا النبيّ الصبور، فيما ينزل أحيانا بك من ضرّ ، وأن البلاء لم ينج منه الأنبياء ؛ بل هم أشد الناس ابتلاء” انتهى.

هل سمعت بعمران بن حُصين ، صاحب نبي الله ، صلى الله عليه وسلم ؟!
لقد اسْتُسْقِيَ بَطْنُهُ [ مرض بالاستسقاء] فَبَقِيَ مُلْقًى عَلَى ظَهْرِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً ، نحوا من ثلاثين سنة ، لَا يَقُومُ ، وَلَا يَقْعُدُ ، [لم يكن يستطيع أن يذهب إلى الخلاء ] ، فنُقِبَ لَهُ فِي سَرِيرِهِ مَوْضِعٌ لِحَاجَتِهِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّخِّيرُ ، فَجَعَلَ يَبْكِي لِمَا رَأَى مِنْ حَالِهِ .
فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: لِمَ تَبْكِي ؟
فَقَالَ: لِأَنِّي أَرَاكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ الْفَظِيعَةِ .
فَقَالَ: لَا تَبْكِ ؛ فَإِنَّ أَحَبَّهُ إِلَيَّ ، أَحَبُّهُ إِلَيْهِ !!
وَقَالَ : أُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ ، وَاكْتُمْ عَلَيَّ حَتَّى أَمُوتَ ؛ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَزُورُنِي ، فَآنَسُ بِهَا ، وَتُسَلِّمُ عَلَيَّ فَأَسْمَعُ تَسْلِيمَهَا !!

وَلَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ – وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ – جَعَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ لِيَدْعُوَ لَهُمْ ، فَجَعَلَ يَدْعُو لَهُمْ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ : فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا غُلَامٌ ، فَتَعَرَّفْتُ إِلَيْهِ ، فَعَرَفَنِي ؛ فَقُلْتُ : يَا عَمُّ ، أَنْتَ تَدْعُو لِلنَّاسِ ، فَيُشْفَوْنَ ، فَلَوْ دَعَوْتَ لِنَفْسِكَ لَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟!
فَتَبَسَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، قَضَاء اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَصَرِي .
” مدارج السالكين ” ، لابن القيم (2/217) .

يا أمة الله ؛ تريدين منا أن نغفل عن ذلك كله ؟!
يا أمة الله ، تريدين منا ألا نقول : إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ؟!
فهب أنك تعلمين ذلك ، وتقولينه للناس ؛ أليس يحتاج إلى الإنسان إلى من يذكره بربه : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذاريات/55 .
يا أمة الله ، إننا على يقين بأنك لو لم تكوني بحاجة إلى الناصح الصادق الذي يذكرك بربك ، ويعينك على طاعته ، ويثبت قلبك : ما توجهت بسؤالك إلينا أصلا ، وأنت تعلمين ما سنقوله لك !!
عَنْ جَابِرٍ ، رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ ) رواه الترمذي (2402) وحسنه الألباني .
يا أمة الله : هل من العقل في شيء أن يشكو العبد من حر الشمس ، فيلقي نفسه في نار تلظى ؟! أن يحرقه ضوء شمعه ؛ فيرمي نفسه في أفران من النيران ؟!
يا أمة الله ؛ أما والله لو كانت راحتك فيما تريدين من إنهاء حياتك ، وقضاء حتفك : لقلنا لك : هيا ، وأسرعي ؛ فأي شيء في هذه الدنيا يستحق البكاء عليه ؟
وَلَو أَنّا إِذا مُتنا تُرِكنا * لَكانَ المَوتُ راحَةَ كُلِّ حَيِّ
وَلَكِنّا إِذا مُتنا بُعثِنا * وَنُسأَلُ بَعدَ ذا عَن كُلِ شَيءِّ
أتهربين من تعب أيام معدودات ، يوشك أن تمضي عنا ، ونمضي عنها ، كيفما كان الأمر ، وتوشك دنيا الناس أن تفنى وتنقضي ، كما كان حال السابقين : برهم وفاجرهم ، شقيهم وسعيدهم ؛ فكيف تفعلين بيوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فكيف تفعلين بدار لا زوال لها : فإما نعيم مقيم ، وإما عذاب اليم ؟!
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم:
( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ ” متفق عليه .
وينظر جواب السؤال رقم : (111938) ، ورقم : (131891) ، ورقم : (105461) .
يا أمة الله ؛
من الذي أدراك أن الله لم يقبلك ، أو لم يقبل توبتك ؟!
ألأجل ما نزل بك من البلاء ؟
فقد نزل بأنبياء الله ، وأوليائه الصالحين ، وعباده المقربين : ما هو أشد وأفظع مما نزل بك ، مما سمعت بشيء منه ، أو لم تسمعي ؛ واقرئي في سير الصالحين ، وسوف ترين ذلك أمامك عيانا ؛ ثم أي الناس لم تصبه القوارع والنوازل في الدنيا ؟
ألأجل ذنب عظيم ، أو حقير ، كبير أو صغير ، ألممت به ؟
فمن قال : إن الذنب آخر الدنيا ، وإن الله يغلق بابه عن عبد أتاه ؟
قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الزمر/53-55 .
وقال تعالى أيضا :
( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/68-71 .
ألأجل أن تأخر بك البلاء ، وأبطأ عنك إجابة الدعاء ؟!
فمن أدراك يا أمة الله ؛ أن الله لم يصطنع لك خيرا مما تظنين ، والله أولى بالجميل ؟
من أدراك أن الله لم يدخر لك من الخير ، ما هو خير مما تطلبين ؟
من أدراك أن الله لم يصرف عنك من الشر ، ما هو شر مما تشتكين ؟
أليس الله هو أولى بالجميل ، وأولى بظن الخير ، وحسن الظن به ، وهو يمدح نفسه ، ويقول : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل/62 .
نأمل أن تراجعي جواب هذين السؤالين (103099) ، و(153316) .
يا أمة الله ،
أبشري ، وأملي بالذي يسرك ، وأحسني الظن بربك ، وأقبلي عليه ، وألحي ببابه ، ولا تعجلي ، وإنا والله لنرجو لك فرجا ومخرجا ، عما قريب ، إن شاء الله ؛ فإن مع العسر يسرا ؛ إن مع العسر يسرا !!
وأخيرا ؛
فنحن نقترح عليك أن يكون منك مبادرة بمعونة بعض أهل الثقة الناصحين ، أن يسعوا في تزويجك برجل صالح ، مناسب ، فلعل الله أن يجبر كسرك به ، ويشغلك طيب عيش معه ، ما مر بك من بؤس ؛
على أننا نبشرك ، أن حال الدنيا ، كما قلنا لك : لا يبقى ، فيوم شقاء ، ويوم نعيم ، ويوم نساء ، ويوم نسر ؛ وعلى هذا جبلت الدنيا :
( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) آل عمران/140 .
يسر الله لك أمرك ، وجبر كسرك ، وأقال عثرتك ، وكشف ما بك من الضر والبلوى ، وأبدلك فرحا وسرورا ونعيما ، في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android