0 / 0

هل ثبت عن كعب الأحبار أنه قال : ” ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة ” ؟

السؤال: 205780

انتشر في الآونة الأخيرة هذا الحديث المروي الذي قاله كعب الأحبار رضي الله يقول فيه : ما رأيت أحدًا لم يقرأ التوراة أعلم ما في التوراة من أبي هريرة . – فهل هذا الحديث صحيح ؟ وأعطني بارك الله فيك ورفع من مقدارك جميع العلماء الذين حكموا بصحة الحديث أو ضعفه من كتبهم وأرقام صفحاتهم فأنا احتاج لهذا كثيراً . هذه الرواية ذكرها الذهبي في سيرة أعلام النبلاء ، وقيل أيضا : إن الذهبي نفسه ضعفها ، ونقل ذلك في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر ، لكن لم أجده ، وهل لو صح أن ابن عساكر نقله : كيف نتأكد من صحة النقل ؟ أضف إلى ذلك انتقاصهم في أبي هريرة رضي الله عنه في حديث ساعة الجمعة ، وأنه يخالف قول الله في كتابه بأنه خلق الأرض والسماوات في ستة أيام ، فما قولكم في هذا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
يجب على كل مسلم أن يحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويتولاهم ، ويبغض من يعاديهم ويشنؤهم ، ويتقرب إلى الله تعالى بذلك .
ولا يجوز لأحد أن يخوض بالباطل في أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعلى الأخص أهل العلم منهم ، الذين حملوا العلم ونشروه وعلموه الناس ، ولولا أن منّ الله بهم على الناس لبقي الناس في عماية الجهل .
انظر جواب السؤال رقم : (118176) ، (159184).
ومن تطرق إليه الشك في عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، فقد تطرق إليه الشك في دين الله ، وفي كتاب الله ، وفي شرع الله ، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظر جواب السؤال رقم : (187689).
وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه وعاء للعلم حافظاً ، لم تشغله الدنيا عن طلب العلم ، ومصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحفظ ما يقوله ويشرعه .
وهو أكثر الصحابة رواية ، وهو عدل إمام ، حجة في كل ما يرويه وينقله ، رضي الله تعالى عنه .
انظر جواب السؤال رقم : (129606).
ثانيا :
روى ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (67/ 343) والطيالسي – كما في “سير أعلام النبلاء” (2/ 600) من طريق عمران القطان ، عن بكر بن عبد اللَّه ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، أنه لقي كعبا فجعل يحدثه ويسائله ، فقال كعب : ” ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة ، أعلم بما في التوراة : من أبي هريرة ” .
وهذا إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة ، عمران القطان : ضعيف الحديث .
قال ابن معين : ليس بالقوي . وقال مرة : ليس بشيء . وقال أبو داود : هو من أصحاب الحسن وما سمعت إلا خيرا . وقال مرة : ضعيف . وقال النسائي : ضعيف . وقال ابن عدي : هو ممن يكتب حديثه . وقال البخاري : صدوق يهم . وقال الدارقطني : كان كثير المخالفة والوهم .
“تهذيب التهذيب” (8/ 131-132)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله :
” عمران القطان ضعيف ، ولا يتحقق سماعه من بكر ” انتهى من “الأنوار الكاشفة” (ص 180).
وضعف هذا الأثر أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله في تعليقه على “السير” (2/600) وأعله بعمران هذا .
وعلى فرض ثبوته فيكون معناه : أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يروي لكعب الأحبار من قصص بني إسرائيل وأخبارهم وأحوالهم : ما يعلمه من كتاب الله تعالى ، وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيوافق ذلك ما عند كعب من العلم الصحيح الذي أخذه عن التوراة ، فيقول لذلك : ” ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة ، أعلم بما في التوراة من أبي هريرة ” .
قال الشيخ المعلمي :
” وفي القرآن والسنة قصص كثيرة مذكورة في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب الآن ، فإذا تتبعها أبو هريرة ، وصار يذكرها لكعب : كان ذلك كافياً ؛ لأن يقول كعب تلك الكلمة ، ففيم التهويل الفارغ ؟ ” انتهى من “الأنوار الكاشفة” (ص 180).
وأيضا : فإن قوله ” لم يقرأ التوراة ” دليل على أن هريرة رضي الله عنه ليس شغوفا بكتب أهل الكتاب وعلومهم ، وإلا لتعلم كتابهم ونقل عنه للناس ، ولكنه كان مشغولا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فيه من الحافظين الصادقين .
ثالثا :
روى مسلم ( 2789 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .
وهذا الحديث صححه الإمام مسلم وغيره ، وأعله غير واحد من أهل العلم ، وجعله البخاري وغيره من كلام كعب الأحبار ، وأن أبا هريرة سمعه منه ، فاشتبه على بعض الرواة ، فجعله مرفوعا .
وعلى القول بأن أبا هريرة إنما سمعه من كعب ، فلا يعدو أن يكون شيئا رواه عنه ؛ لأن كعبا كان عنده علم من الكتاب ، وكان حبرا حافظا ، فترخص أبو هريرة رضي الله عنه وروى عنه ذلك ، كما ترخص غيره فروى عن كعب أشياء ؛ فما وجه الطعن بذلك على أبي هريرة رضي الله عنه ، إذا كان الخطأ فيه من غيره من الرواة .
وأما على قول من صحح الحديث ، كما هو مذهب الإمام مسلم ومن وافقه من أئمة الحديث ، قديما وحديثا ، فقد سقط هذا المطعن من أصله ، ولم يبق له وجه .
قال ابن كثير رحمه الله :
” لَمَّا أَسْلَمَ كَعْب الْأَحْبَار فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ ، جَعَلَ يُحَدِّثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ كتبه قديما ، فَرُبَّمَا اسْتَمَعَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَتَرَخَّصَ النَّاسُ فِي اسْتِمَاعِ مَا عِنْدَهُ ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (7/ 28).
أما خلق آدم عليه السلام : فقد تقدم ذكر الخلاف فيه ، والكلام على حديث أبي هريرة المتقدم ، وتوجيهه على فرض صحته ؛ فانظر جواب السؤال رقم : (145806)
وروى أبو داود (1046) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُهْبِطَ ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ مَاتَ ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا ) ، قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ، فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، قَالَ : فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ، فَقَالَ : صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَع كَعْبٍ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَأَخْبِرْنِي بِهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقُلْتُ : كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ) ، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ ) ، قَالَ : فَقُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : هُوَ ذَاكَ .
وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
فقوله : ” قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ، فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، قَال َ: فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ، فَقَالَ : صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” : هذا مما يدل دلالة قاطعة على أن أبا هريرة رضي الله عنه لا يأخذ بكل ما يقول كعب الأحبار ، فإنه لم يتابعه على قوله : ” ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ” ، وإنما رده بما علمه من السنة أن هذه الساعة تكون كل جمعة .
راجع جواب السؤال رقم : (82609).
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (31865).
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android