0 / 0
187,49701/02/2015

ما هي أوجه الاختلاف بين الماتريدية وأهل السنة ؟

السؤال: 205836

أود منكم توضيحا بشأن الاختلاف بين عقيدة السلف والماتريدية ، وهل من يتبع عقيدة الماتريدية سيدخل الجنة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
" الماتريدية " : فرقة كلامية بدعية ، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي ، قامت في أصل أمرها : على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها ، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية .

مرت الماتريدية بعدة مراحل ، ولم تُعرف بهذا الاسم إلا بعد وفاة مؤسسها ، كما لم تعرف الأشعرية وتنتشر إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري ، ويمكن إجمال مراحلها في أربع مراحل رئيسية :
– مرحلة التأسيس:
والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة ، وصاحب هذه المرحلة: أبو منصور الماتريدي ، وهو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي ، نسبة إلى (ماتريد) وهي محلة قرب سمرقند فيما وراء النهر، ولد بها.
يعتبر من رواد المدرسة العقلية ، ولم يكن له كبير حظ في العناية بالنصوص الشرعية والآثار وروايتها ، شأن الغالب الأعم من المتكلمين والأصوليين.
تأثّر أبو منصور الماتريدي بعقائد الجهمية : في عدد من الأبواب ، أهمهما : تأويل نصوص الصفات الخبرية ، والوقوع في بدع الإرجاء ، ومقالاتهم .
كما تأثر أيضا بابن كلاب (240هـ) أول من ابتدع القول بالكلام النفسي لله عز وجل في بدعته هذه .

– مرحلة التكوين:
وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده ، وفيه أصبحت الماتريدية فرقة كلامية مستقلة بنفسها ؛ ظهرت أولاً في سمرقند ، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم ، ودافعوا عنها ، وصنفوا التصانيف ، متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع ، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها.
ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة: أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي وأبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي .

– مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية :
وامتازت هذه المرحلة بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية ؛ ولذا فهي أهم الأدوار السابقة في تأسيس المذهب .
ومن أهم أعيان هذه المرحلة: أبو المعين النسفي ، ونجم الدين عمر النسفي .

– مرحلة التوسع والانتشار:
وتعد من أهم مراحل الماتريدية ، حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحلة ؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية ، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية ، فانتشرت في: شرق الأرض، وغربها، وبلاد العرب ، والعجم ، والهند ، والترك، وفارس ، والروم .
وبرز فيها محققون كبار ، أمثال: الكمال بن الهمام .

انتشرت الماتريدية ، وكثر أتباعها في بلاد الهند وما جاورها من البلاد الشرقية : كالصين ، وبنجلاديش ، وباكستان ، وأفغانستان ، كما انتشرت في بلاد تركيا، والروم ، وفارس ، وبلاد ما وراء النهر، وما زال لهم وجود قوي في هذه البلاد .

ثانيا :
أوجه الخلاف بينهم وبين أهل السنة :
– قسّم الماتريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
ـ الإلهيات [العقليات] : وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له ، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
ـ الشرعيات [السمعيات] : وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ، لكن لا طريق للعقل إلى الحكم بثبوتها ، أو امتناعها ؛ مثل: النبوات، وعذاب القبر، وأمور الآخرة ، علما بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات .

ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ؛ حيث إن القرآن والسنة وإجماع الصحابة : هي مصادر التلقي عندهم ، وسواء في ذلك عامة مسائل الدين .
فضلاُ عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى: عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة : وهي أن أمور الدين والعقائد تنقسم إلى أصول تدرك عقلا ، ولا مجال للسمع في إثباتها أًصالة ، وإنما هو عاضد لما يدل عليه الدليل العقلي فيها ، وأصول تدرك بالسمع ، ولا مجال للعقل فيها أصالة .
– تحدث الماتريدية ، شأن غيرهم من الفرق الكلامية : المعتزلة والأشعرية ، عن وجوب معرفة الله تعالى بالعقل قبل ورود السمع ، واعتبروه أول واجب على المكلف، ولا يعذر بتركه ذلك ، بل يعاقب عليه ، ولو قبل بعثة الأنبياء والرسل ، وبهذا وافقوا قول المعتزلة .
وهو قول ظاهر البطلان ، تعارضه الأدلة من الكتاب والسنة التي تبين أن الثواب والعقاب إنما يكون بعد ورود الشرع، كما قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/15 .

هذا مع أن الصواب في أول واجب على العباد : إنما هو توحيده سبحانه وتعالى ، والدخول في دينه ، لا أصل المعرفة التي ركزها الله في فطر عامة خلقه .

– مفهوم التوحيد عند الماتريدية هو: إثبات أن الله تعالى واحد في ذاته، لا قسيم له ، ولا جزء له، واحد في صفاته ، لا شبيه له ، واحد في أفعاله ، لا يشاركه أحد في إيجاد المصنوعات ، ولذلك بذلوا غاية جهدهم في إثبات هذا النوع من التوحيد ، باعتبار أن الإله عندهم هو: القادر على الاختراع ، مستخدمين في ذلك الأدلة والمقاييس العقلية والفلسفية التي أحدثها المعتزلة والجهمية ، مثل دليل حدوث الجواهر والأعراض ، وهي أدلة طعن فيها السلف والأئمة وأتباعهم ، وبينوا أن الطرق التي دل عليها القرآن أصح .
– قالوا بإثبات ثمان صفاتٍ لله تعالى فقط ، على خلاف بينهم في بعض التفصيل ، وهي: الحياة، القدرة ، العلم، الإرادة ، السمع ، البصر ، الكلام ، التكوين .
أما ما عدا ذلك من الصفات التي دل عليها الكتاب والسنة [الصفات الخبرية] من صفات ذاتية، أو صفات فعلية ، فإنها لا تدخل في نطاق العقل ، ولذلك قالوا بنفيها جميعاً ، وتأويل النصوص الشرعية الدالة عليها .

أما أهل السنة والجماعة فهم كما يعتقدون في الأسماء : يعتقدون في الصفات وأنها جميعاً توقيفية ، ويقولون بإثبات ما دلت عليه النصوص ، بلا تشبيه ، ونزهوا الله عن صفات النقص ، أو مماثلة المخلوقين ، من غير تعطيل لشيء من أسمائه أو صفاته ، مع تفويض الكيفية ، وإثبات المعنى اللائق بالله تعالى ، لقوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى/11.
– قولهم بأن كلام الله على الحقيقة : إنما يعنون به كلامه النفسي القائم به سبحانه ، الذي لا يسمعه العباد ؛ وأما ما يسمع فهو "عبارة" عن الصفة النفسية القديمة ، وليس هو حقيقتها !! ولذلك : لم يمتنع عندهم أن يكون ما هو مكتوب في أيدي الناس في المصاحف : مخلوقا ، فعاد أمرهم إلى قول المعتزلة ، الذي خالفوا فيه أجماع الأئمة ، وتواتر النقل عن أئمة الدين ببطلانه ، بل وتكفير قائله !!
– تقول الماتريدية في الإيمان : إنه التصديق بالقلب فقط ، وأضاف بعضهم الإقرار باللسان، ومنعوا زيادته ونقصانه ، وقالوا بتحريم الاستثناء فيه ، وأن الإسلام والإيمان مترادفان ، لا فرق بينهما، فوافقوا المرجئة في ذلك ، وخالفوا أهل السنة والجماعة ، حيث إن الإيمان عندهم: اعتقاد بالجنان ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان ، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
– أثبتوا رؤية الله تعالى في الآخرة ؛ ولكن مع نفي الجهة والمقابلة ، وهذا قول متناقض ، يثبت الشيء ، ثم يعود فينفي حقيقته .

وللاستزادة حول ذلك الموضوع ، ينظر :
– "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (1/ 95-106) .
– "الماتريدية" ، رسالة ماجستير، أحمد بن عوض الله اللهيبي الحربي.
– "الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات" ، رسالة ماجستير، لشمس الأفغاني السلفي.
– "منهج الماتريدية في العقيدة" د. محمد بن عبد الرحمن الخميس .
– "الاستقامة" شيخ الإسلام ابن تيمية .
– "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (3/ 307-308) .
ثالثا :
لا يقال عن متبع عقيدة الماتريدية : إنه سيدخل الجنة ، ولا سيدخل النار ، بل هم من عامة المسلمين كغيرهم ، وإن كانوا قد قالوا بمقالات مبتدعة ، لكن بدعتهم ليست مكفرة ، فهم ، في سائر أحوالهم ، كغيرهم من المسلمين : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) النساء/123-124 .
وحالهم في بدعتهم ، بحسب أفرادهم ، متفاوت : فمنهم من تأول ، أو اجتهد اجتهادا يعذر في مثله ، ومنهم من هو مخطئ خطأ يؤاخذ على مثله ، ثم هو في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وقد ذكر طائفة من أئمة الأشعرية :
" ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع ، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين : ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف .
لكن لما التبس عليهم هذا لأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة ، وهم فضلاء عقلاء : احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه ، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين .
وصار الناس بسبب ذلك :
منهم من يعظمهم ، لما لهم من المحاسن والفضائل .
ومنهم من يذمهم ، لما وقع في كلامهم من البدع والباطل .
وخيار الأمور أوساطها .
وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء ، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين ، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ، ويتجاوز لهم عن السيئات : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [الحشر/10] .
ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخطأ في بعض ذلك : فالله يغفر له خطأه ، تحقيقاً للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (البقرة: 286) .
ومن اتبع ظنه وهواه ، فأخذ يشنع على من خالفه ، بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده ، وهو من البدع المخالفة للسنة : فإنه يلزمه نظير ذلك ، أو أعظم ، أو أصغر ، فيمن يعظمه هو من أصحابه ، فقل من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين، لكثرة الاشتباه والاضطراب ، وبعد الناس عن نور النبوة ، وشمس الرسالة الذي به يحصل الهدى والصواب ، ويزول به عن القلوب الشك والارتياب .." انتهى "درء تعارض العقل والنقل" (2/102-103) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android