تنزيل
0 / 0

قاطعن والدهن لأجل قذفه والدتهن بالفاحشة فقاطعهن

السؤال: 209886

سائلة تسأل : أبى وأمي متزوجان منذ تسع وثلاثين سنة ، والأسرة ملتزمة بالشرع منذ الزواج ، وتأسس البيت على الطاعة ، ولا يوجد مظهر من مظاهر المعاصي ولله الحمد .
الأسرة مكونة من ذكر وثلاث إناث ، كلهم متزوجون ، حدثت مشكلة منذ ثمانية أشهر ، وهي أن أبى يشك في وجود علاقة محرمة بين أمي وأخي ، ويغار على أمي من أطفالنا الذكور ، ويغار على أمي من أزواج أخواتي ، وأيضاً يشك في وجود علاقة محرمة بين أختي وأخي ، ويلمح بالكلام الواضح ، وذات يوم جلسنا معه وسألناه : لماذا تقول كل هذا ؟ فكان رده : أنا لا أملك أي دليل ، ولكن لو مَلَك من السماء أشك فيه أيضًا ، فحذرناه من عقوبة هذا الكلام ، ووضحنا له أنه يقترف جريمة القذف الشرعي ، وقال : أنا أعرف ذلك ، وأثناء النقاش تهور وأراد أن يكسر في المنزل ويشعل النار لكي نخاف منه ، ولا نتكلم معه في هذا الموضوع .
ولذلك قمت بالاتفاق مع أخواتي على عدم الكلام معه ، ومقاطعته لردعه عما يقول ، وتفاجأنا بأنه أبلغ أمي بأنه لا يريد أن يتكلم معنا حتى موته .
وللعلم فإن أخي لا يعلم شيئا عن شكه هذا ، فهو قد تكلم بهذا الكلام أمام أمي وأخواتي فقط ، وأنا وأخواتى وأمي ملتزمون بالرداء الشرعي ، حتى أمام المحارم ، والدي عصبي جداً ، ولا يستطيع أحد من العائلة أن يواجهه ويمنعه مما يقول ، وقد صرح لنا بأنه يفكر في قتل والدتي ، وقال لنا : إن والدتكم امرأة صالحة ، وسوف أقتلها وهى تصلي ، فتموت على حسن خاتمة .
والسؤال :
هل يحرم شرعا مقاطعة والدي لردعه عما يقول ، وما هو حل هذه المشكلة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نعتقد أن التعامل مع مثل هذه المشاكل ينبغي أن يبنى على أساس النظر إلى الوالد نظرة
المريض المبتلى الذي يحتاج إلى أشواط من العلاج التدريجي ، وليس على أساس أنه مجرم
ولا بد من عقابه على ما يقترف لسانه ، وهنا يبدأ الحل – بإذن الله – فالوالد مبتلى
بمرض الشك والغيرة الشديدة الخارجة عن المعتاد ، ولم يعد يملك تفكيره ومشاعره تجاه
هذه الأمور – كما هو واضح من السؤال – لذلك طفح لديه كيله الخاطئ ، ونطق بما يدور
في قلبه من نيران الغيرة وإفساد الشيطان ، وقد كان الأجدر به أن يملك زمام نفسه ،
ويضبطها برباط الشرع ، فلا ينطق إلا ببينة ودليل ، ولا يتجاوز شرع الله في اتهامه ،
خاصة وقد ذكرت أنكم أسرة ملتزمة والحمد لله .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ
بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ) رواه الترمذي في ” السنن ” (2406) وقال :
حديث حسن . وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله – بعد أن قرر عقوبة القذف بالفاحشة وأنه من كبائر
الذنوب – : ” كثيرون من الجهال واقعون في هذا الكلام القبيح الموجب للعقوبة في
الدنيا والآخرة ، ومن ثم جاء في حديث الصحيحين : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما
يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ، وقال له معاذ : يا نبي
الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ، قال : ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على
وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) ، قال تعالى : ( ما يلفظ من قول إلا
لديه رقيب عتيد ) وروى الترمذي والبيهقي ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب : ( لا
تكثر الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب ، وإن أبعد
الناس من الله تعالى القلب القاسي ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من شيء أثقل
في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذاء ) هو
المتكلم بالفحش ورديء الكلام ” انتهى باختصار من ” الزواجر ” (2/85-92) .
وليس من المستبعد أيضا أن يكون الوالد مريضا مرضا نفسيا أو عصبيا ، يحتاج إلى نوع
من المعالجة الطبية ، إذا أمكن ذلك .
ولكن كل ذلك لا يعني أنه يجوز لكم قطيعة والدكم بالمرة ، بل الظن أن العلاج عن طريق
الهجر ، لم يعد له كبير أثر ونفع في الناس ، إلا في النادر القليل من الأحوال ؛ وما
سوى ذلك فدوام التواصل ، مع النصيحة بالموعظة والكلمة الطيبة أفضل حالا ، وأسلم
مآلا من الهجران ، خاصة في زماننا هذا الذي كثرت فيه الفتن ، وتعددت فيه المغريات ،
بحيث غدت القطيعة أفضل إعانة للشيطان على المسلمين ، وربما أدت إلى زيادة المقاطَع
في خطئه ، وتماديه في ذنبه .
ونؤكد على ذلك في العلاقة بين الوالد وولده ، فقد قال الله عز وجل : ( وَإِن
جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/15.
فأُمر الولدُ أن يصاحب والديه بالمعروف ، ولو جاهداه على أن يشرك بالله غيره ،
والشرك أكبر الكبائر ، فمن باب أولى أن يلتزم المصاحبة بالمعروف إذا وقع الوالد في
إثم القذف بالفاحشة ، خاصة وأن دافعه لذلك هو ما ابتلي به من الغيرة الفاسدة ،
والطبع الحاد .

لذلك فنصيحتنا لكم أن تسترضوا والدكم ، وتجتهدوا في ذلك حتى يفتح صفحة جديدة ،
تتفقون فيها معه على تقوى الله تعالى ، والتزام الحكم الشرعي في كل صغيرة وكبيرة ،
فإن صدرت منه أية مخالفة ، فاجتهدوا في نصحه وتذكيره ، واصبروا على ما أصابكم منه ؛
فإن ذلك من عزم الأمور.

ولا مانع من ضبط العلاقة والتواصل والخلطة والزيارات ، بالقدر الذي يقلل شره ،
ويدفع عنكم أذاه ، قدر الممكن لكم ، لكننا ـ مع ذلك ـ لا نرى القطيعة بالكلية ، وقد
جربتم أنتم كيف زاد هو في حدته ، وقطيعته .

وللتوسع يرجى النظر في الفتوى رقم : (198601)
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android