الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ما يتداوله الأفاكون من أن عثمان رضي الله عنه كان يدعو الناس إلى طعامه دون عليّ وفاطمة رضي الله عنهما من الكذب البيّن ، والباطل السمج الذي ينادي على صاحبه بالخذلان ؛ وبيان ذلك بما يلي :
أولا : هذا الباطل السمج لا يعرف له أصل ، لا بسند صحيح ولا ضعيف ، وإنما افتراه من اعتاد افتراء الكذب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثانيا : أن عثمان رضي الله عنه هو زوج أختَيْ فاطمة : رقية ثم أم كلثوم رضي الله عنهن ، وقد قال ابن كثير رحمه الله :
” تزوَّج عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُقَيَّةَ ، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا . ثُمَّ رَجَعَا إِلَى مَكَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا وَهَاجَرَا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَتُوُفِّيَتْ وَقَدِ انْتَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بِبَدْرٍ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ .
وَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ بِالنَّصْرِ إِلَى الْمَدِينَةِ – وَهُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ – وَجَدَهُمْ قَدْ سَاوَوْا عَلَى قَبْرِهَا التُّرَابَ ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَقَامَ عَلَيْهَا يمرِّضها بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ، ولما رجع زوَّجه بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ أَيْضًا ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو النُّورَيْنِ ، ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَلَمْ تَلِدْ لَهُ شَيْئًا .
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم ( لَوْ كَانَتْ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لزوَّجتها عُثْمَانَ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم ( لَوْ كُنَّ عَشْرًا لزوَّجتهن عُثْمَانَ ) ” انتهى من ” البداية والنهاية ” (5/330) .
فمن كان بهذه المثابة كيف يمكن أن يعامل ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي هي أحب بناته إليه – ويعامل زوجها هذه المعاملة ؟
ثالثا : أن ما كان معروفا عن عثمان رضي الله عنه من الكرم ومحبة الإنفاق في سبيل الله ، وحسن الخلق والحياء الذي تميز به : يقطع ببطلان هذا الكذب الذي لا أصل له .
رابعا : أن العلاقة التي كانت تربط عثمان بعليّ رضي الله عنهما كانت علاقة محبة في الله وأخوة إسلامية ، ولم يكن بينهما شيء يدفع ذلك ، وما وقع بينهما من خلاف فمعتاد بين الإخوة ، لم يعكر عليهما صفو محبتهما وأخوتهما .
ثانيا :
إذا سمع أحد مثل هذا الباطل فصدقه ، فإنه لا يكفر بمجرد ذلك ، فقد يكون جاهلا يظنه صحيحا ، وقد يكون غافلا عن تلك الأمور ، لا دراية له بمثلها .
وعلى كل : فالواجب على المسلم أن يراعي حرمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن في بغضهم الهلكة ، وفي الوقيعة فيهم أعظم الخسار ، وخاصة الكبار .
قال النسائي صاحب السنن رحمه الله :
” إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام ” انتهى من ” تهذيب الكمال ” (1/339) .
ثالثا :
إذا أبغض الشخص جميع الصحابة ، وتكلم فيهم ، وتنقصهم وعابهم ، فهو كافر ، فإن الصحابة رضي الله عنهم هم حملة الشريعة ، فمن عابهم جميعا فقد أسقط حرمة الشرع وتكاليفه ، ولا يبغضهم إلا من أبغض الدين جملة .
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
” ثمَّ الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي سبّ بَعضهم ، أما سبّ جَمِيعهم فَلَا شكّ أَنه كفر ، وَكَذَا سبّ وَاحِد مِنْهُم من حَيْثُ هُوَ صَحَابِيّ [ أي سبه وبغضه لأجل صحبته ] ؛ لِأَنَّهُ استخفاف بالصحبة ، فَيكون اسْتِخْفَافًا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل قَول الطَّحَاوِيّ : ” بغضهم كفر” ، فبغض الصَّحَابَة كلهم ، وبغض بَعضهم من حَيْثُ الصُّحْبَة : لَا شكّ أَنه كفر ، وَأما سبّ أَو بغض بَعضهم ، لأمر آخر : فَلَيْسَ بِكفْر ” انتهى من ” الصواعق المحرقة ” (1/ 135-136) .
وينظر للفائدة إلى جواب السؤال رقم : (45563) ، وجواب السؤال رقم : (96231) .
والله أعلم .