تنزيل
0 / 0

لماذا انتقل اليهود إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته ؟

السؤال: 210869

يذكر في سيرة الصحابي زيد ابن سعنة ، أن هناك حبرا يهوديا اسمه الهيبان كان قد هاجر إلى المدينة ، فسأل الصحابي ذلك اليهودي عن سبب هجرته إلى المدينة المنورة ، فقال السبب هو انتظار النبي العربي المذكور في التوراة ، وليس بسبب إيذاء من الروم والنصارى ؛ فهل هذا صحيح ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
كان من علم أهل الكتاب أن نبي ذلك الزمان ، صلى الله عليه وسلم ، الذي يتيقنون
خروجه ، ويعلمون وصفه ، لا يخفى عليهم أمره ، ستكون هجرته إلى المدينة ، وكان كثير
من أحبارهم يؤمِّلون أن يكون منهم ، فارتحل كثير منهم من بلاد الشام إلى المدينة ،
لما يتربصون به من مخرجه ومبعثه .

روى أبو نعيم في “دلائل
النبوة” (ص 79) عَنْ أَبِي نَمْلَةَ ، قَالَ : ” كَانَتْ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ
يَدْرُسُونَ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
كُتُبِهِمْ ، وَيُعَلِّمُونَ الْوِلْدَانَ بِصِفَتِهِ ، وَاسْمِهِ ، وَمُهَاجَرِهِ
إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا ظَهَرَ حَسَدُوا ، وَبَغُوا ، وَأَنْكَرُوا ” .

وقال ابن إسحاق في “السيرة”
(ص 84):
حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال حدثني أشياخ منا قالوا : لم يكن أحد من العرب أعلم
بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ، كان معنا يهود ، وكانوا أهل كتاب ، وكنا
أصحاب وثن ، فكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا : إن نبيا مبعوثاً الآن قد أظل
زمانه نتبعه ، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروا به ،
ففينا والله وفيهم أنزل الله عز وجل : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى
الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) البقرة/ 89 .
وهذا إسناد جيد .

ثانيا :

كان من هؤلاء الذين أحكموا
وصف ذلك النبي ، وترقبوا خروجه ، وحرصوا على اتباعه : رجل منهم يدعى ابن الهَيْبان
.
روى ابن إسحاق في “السيرة” – (ص85) ، ومن طريقه البيهقي في “سننه” (18263) ، وأبو
نعيم في “دلائل النبوة” (ص81) عن عَاصِم بْن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ شَيْخٍ
مِنْ قُرَيْظَةَ أَنَّهُ قَالَ : هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ
وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ سَعْيَةَ ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ نَفَرٌ مِنْ هُدَلَ ، لَمْ
يَكُونُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا نَضِيرٍ كَانُوا فَوْقَ ذَلِكَ ؟
فَقُلْتُ : لَا .
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ يَهُودَ ، يُقَالُ
لَهُ ابْنُ الْهَيبَانِ فَأَقَامَ عِنْدَنَا ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ
لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ خَيْرًا مِنْهُ ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ مَبْعَثِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ ، فَكُنَّا إِذَا
قُحِطْنَا وَقَلَّ عَلَيْنَا الْمَطَرُ نَقُولُ لَه : يَا ابْنَ الْهَيبَانِ
اخْرُجْ فَاسْتَسْقِ لَنَا ، فَيَقُولُ : لَا وَاللهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا أَمَامَ
مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً ، فَنَقُولُ : كَمْ نُقَدِّمُ ؟ فَيَقُولُ : صَاعًا مِنْ
تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى ظَاهِرَةِ حَرَّتِنَا
وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَسْتَسْقِي ، فَوَاللهِ مَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى
تُمَرَّ الشِّعَابُ ، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ لَا مَرَّتَيْنِ وَلَا
ثَلَاثَةً ، فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ
إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ ؟ فَقُلْنَا : أَنْتَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ :
إِنَّهُ إِنَّمَا أَخْرَجَنِي أَتَوَقَّعُ خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ
، هَذِهِ الْبِلَادُ مُهَاجَرُهُ ، فَأَتَّبِعُهُ ؛ فَلَا تُسْبَقُنَّ إِلَيْهِ
إِذَا خَرَجَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ ، فَإِنَّهُ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَيَسْبِي
الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ
. ثُمَّ مَاتَ .
فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي افْتُتِحَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ ،
قَالَ أُولَئِكَ الْفِتْيَةُ الثَّلَاثَة ، وَكَانُوا شُبَّانًا أَحْدَاثًا : يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ ؛ لَلَّذِي كَانَ ذَكَرَ لَكُمُ ابْنُ الْهَيبَانِ . قَالُوا :
مَا هُوَ به . قَالُوا : بَلَى وَاللهِ لَهُوَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، إِنَّهُ
وَاللهِ لِصِفَتِه . ثُمَّ نَزَلُوا فَأَسْلَمُوا وَخَلَّوْا أَمْوَالَهَمْ
وَأَوْلَادَهُمْ وَأَهَالِيَهُمْ . قَالَ : وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي الْحِصْنِ
مَعَ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا فُتِحَ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ “.
وذكره الألباني في “صحيح السيرة” (ص60) .

وعَنْ شُعَيْبِ بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ . قَالَ : ” كَانَ بِمَرِّ الظّهْرَانِ رَاهِبٌ
مِنَ الرُّهْبَانِ يُدْعَى عِيصًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، وَكَانَ متخفرا بالعاص بن
وائل ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ آتَاهُ عِلْمًا كَثِيرًا ، وَكَانَ يَلْزَمُ
صَوْمَعَةً لَهُ ، وَيَدْخُلُ مَكَّةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، فَيَلْقَى النَّاسَ ،
وَيَقُولُ : إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ يَا أَهْلَ مَكَّةَ ،
يَدِينُ لَهُ الْعَرَبُ ، وَيَمْلِكُ الْعَجَمَ ، هَذَا زَمَانُهُ ، وَمَنْ
أَدْرَكَهُ وَاتَّبَعَهُ أَصَابَ حَاجَتَهُ ومن أدركه فخالفه أخطأ حاجته ، وباللَّه
مَا تَرَكْتُ أَرْضَ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ وَالْأَمْنِ ، وَلَا حَلَلْتُ بِأَرْضِ
الْجُوعِ وَالْبُؤْسِ وَالْخَوْفِ إِلَّا فِي طَلَبِهِ ” انتهى من “البداية
والنهاية” (2/ 272) .
وينظر : “المنتظم” (2/ 338) ، “البداية والنهاية” (2/ 310) ، “الجواب الصحيح لمن
بدل دين المسيح” (5/ 175) ، “هداية الحيارى” (1/ 247).

فتبين بما تقدم أن هجرة كثير
من أهل الكتاب ، ممن ارتحل من الشام وغيرها إلى المدينة ، قبل مبعث النبي صلى الله
عليه وسلم : إنما كانت ترقبا لخروج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من كان يطمع
أن يكون من معشر اليهود .

وينظر جواب السؤال رقم : (88651)
، (175339).

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android