اعتنقت الإسلام منذ بضع سنين ، وأنا متزوج ، وما زالت زوجتي على غير الإسلام ، لكنها لا تعارضه ، وعندنا طفلة في الثانية من العمر ، وأجد رغبة في تسخير حياتي للدعوة ، والذهاب لطلب العلم في الخارج لمدة 5-6 سنوات ، فما حكم ترك الطفلة مع أمها التي لا تمانع تعليمها القرآن والصلاة ، لكنها ترفض الحجاب وبشدة ، وما الحكم كذلك في تطليقها وترك الطفلة معها من أجل الذهاب والتفرغ لطلب العلم ؟
يريد تطليق زوجته ليتفرغ لطلب العلم
السؤال: 212543
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أما نحن فنصيحتنا لك أن لا تغادر زوجتك وطفلتك ، ولا تتركهما عرضة لكل مفسد طامع ، أو تنشغل عن واجب رعايتهما والقيام عليهما بواجب آخر ، فطالب العلم أول ما يجب عليه العناية به أهله وأسرته ، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ، كما قال الله عز وجل : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء/214 .
وروى ابن ماجه (3658) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ : ( أُمَّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أُمَّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أَبَاكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجه " .
ولم يكن طلب العلم يوما حاجزاً للمرء عن أهله وأولاده ، غير أن الزمان الماضي كان يقتضي تقديم بعض التضحيات في هذا الشأن . أما اليوم ، وقد توفرت وسائل التواصل ، واتسعت أحوال الناس ، وفتح عليهم من نعيم الدنيا وزهرتها ، فأصبح من المتيسر جداً أن يصحب طالب العلم زوجته وأولاده معه حيث يبحث عن العلم ، ومن يتخذ هذا القرار فلا بد أن ييسر الله عز وجل أمره ، إذا احتسب عند الله ونوى أن يكتب الله لأهله الهداية والتوفيق والسعادة ، فيقدم بذلك لهم أعظم معروف يمكن أن يقدَّم في هذه الحياة الدنيا ، وهو الهداية ، بل طلب العلم إنما يراد للعمل به ، والدعوة إليه ، وأول ما يكون في الزوجة والابنة ، ولعل أجره يفوق كثيرا من أجر طالب العلم الذي لا يرقب الإخلاص لله ، ولا يحسن طريق التعلم ، فيكون علمه وبالا عليه والعياذ بالله .
فإن لم يتيسر لك اصطحاب الأهل ، فبإمكانك أن تنتسب لبرامج طلب العلم عبر الإنترنت ، وهي برامج كثيرة والحمد لله ، بل أصبحت اليوم العديد من الجامعات تقدم شهاداتها للمنتسبين الذين يتابعون المحاضرات عبر الإنترنت ، ويمكنك أن تستعين أيضا بالدورات الصيفية التي تقدم البرامج النافعة لمدة قصيرة من المقبول أن تسافر إليها وحدك ، وهي دورات قوية ونافعة جدا …
ثم هناك ما شئت من السلاسل العلمية وشروح الكتب المسجلة ، والمنشورة على شبكة الإنترنت ، بإمكانك أن تحصلها ، وتتدارسها مع نفسك ، أو مع رفيق لك في مكان إقامتك .
وهكذا فإن المهم في جميع ذلك العزيمة الثابتة والصبر والمصابرة على طلب العلم وتحصيله ، والتفكر في أبوابه وحفظ مسائله ، فمن توفرت فيه تلك العزيمة لم تَحُل دونه ودون التعلم الجبالُ الشم من الصعاب والمشاق ، ولكن الضعيف في ظننا هو الذي يتعذر دائما بعدم القدرة على الجمع بين طلب العلم والإحسان إلى الأهل ، أو بين طلب العلم وطلب المعاش .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ ) رواه مسلم (996) .
وإن كنت قد رأيت في بعض تراجم العلماء من قدَّم السفر لطلب العلم على شأن الزوجة والأبناء ، فذلك لما اقتضاه زمانهم من ضرورة السفر لتحصيل العلم ، الذي كان في الأساس هو الرواية والحديث ، ولا يمكن للطالب أن يتحصل عليها في بلده ، أما اليوم فاختلف الأمر جدا ، وصار العلم هو الفهم والفكر ، إلى جانب الدرس والحفظ ، وكل ذلك يمكن أن يتحقق كما ذكرنا لك بالاجتهاد في المطالعة والمذاكرة ، إلى جانب السفر المؤقت إلى لقاء العلماء ، ومتابعة إنتاجهم عبر وسائل التواصل الحديثة ، وأكثر العلماء وطلبة العلم الذين نعرفهم لم يلجؤوا إلى ما تهم به من تطليق الزوجة وفراق الابنة ، بل جمعوا بين التعلم وإسعاد أسرهم ، وصاروا بحرصهم واجتهادهم من العلماء العاملين والحمد لله .
ومن يدري ، لعل الله أن ينفع بك زوجتك ، ويشرح صدرها ، ويقر عينك بإسلامها .
فإياك أن تقع في أبغض الحلال الطلاق ، وفي فراق الأولاد أحوج ما يكونون إليك ، في سبيل أمر له من البدائل والخيارات الكثيرة والحمد لله .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب