0 / 0

هل رأى السامري جبريل عليه السلام ؟

السؤال: 212750

فى قوله تعالى حكاية عن السامري : (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) طه/96 ، قرأت أقوال المفسرين ، أن السامري رأى جبريل عليه السلام على فرسه ، وأنه أخذ ترابا من تحت الفرس ، واستفاد به فى صناعة العجل .
سؤالي هو :
كيف رأى السامري جبريل عليه السلام وهو بشر ، والبشر لا يرون الملائكة على هيئتهم ، وهل ورد في أحد التفسيرات أن السامري هو المسيح الدجال ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ينقل المفسرون عن جماعة من الصحابة والتابعين تفسيرهم هذه الحادثة بما ذكرته في السؤال ، وهو أن السامري رأى فرس جبرائيل فتناول قبضة من أثر حافره ، فألقاها على ما جمعه من ذهب بني إسرائيل فأصبح عجلا له خوار ، فذلك قوله تعالى : ( قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ . قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) طه/94-95 .
وقد أورد المفسرون على هذا التوجيه إشكالات عدة ، سيتبين بعضها فيما يأتي من جواب على إشكال السائل ، وهو كيف رأى السامري جبريل والمعلوم أن البشر لا يرون الملائكة .
والجواب على ذلك يمكن من وجوه عدة :
الأول :
أن الله عز وجل هو الذي جعل السامري فتنة ، فأراه جبريل عليه السلام ليستكمل الحكمة الإلهية في فتنة بني إسرائيل في هذا العجل الصنم ، ولا مانع من رؤية البشر للملائكة ، استثناء ، بتمكين من الله سبحانه وتعالى ، لحكمة يعلمها عز وجل ، فهو على كل شيء قدير ، ورؤية الملائكة ليست من المحالات في نفسها ، بل هي من الممكنات بإرادة الله سبحانه .
الثاني :
أن الآثار الواردة في تفسير الحادثة لا تتحدث عن رؤية السامري جبرائيل عليه السلام ، وإنما تتحدث عن رؤية أثر حافر فرسه ، وفرق ظاهر بين الأمرين ، إذ لا مانع أن يرى فرسا ، ويرى عليه هيئة ملائكية لا يتمكن من تمييزها ومشاهدة صورتها وحقيقتها ، وإنما يعلم أنه ملاك على فرس ، فيأخذ قبضة من أثر ذلك الفرس .
ولو تأملت معنا تفسير الصحابة والتابعين مرة أخرى أدركت هذا الفارق :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
” لما قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النار ، وتكسرت ، ورأى السامري أثر فرس جبرائيل عليه السلام ، فأخذ ترابا من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار فقذفه فيها ، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ، فكان للبلاء والفتنة ” .
وعن مجاهد قال :
” من تحت حافر فرس جبرائيل ، نبذه السامريّ على حلية بني إسرائيل ، فانسبك عجلا جسدا له خوار ” .
وعن قتادة : ( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ) ” يعني : فرس جبرائيل عليه السلام ، وقوله : ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) يقول : قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرائيل “
رواها الطبري بأسانيده في ” جامع البيان ” (18/362) ، ورواها غيره من المفسرين . فكلها دلالتها واضحة أنه ” رأي أثر فرس جبريل ” ، وليس جبريل نفسه .
الثالث :
لماذا نفترض أن رؤية جبريل عليه السلام تمت على هيئته الحقيقية ، وليس على صورة تشكل بها ، كما تشكل في صورة أعرابي جاء يسأل النبي محمدا صلى الله عليه وسلم عن أركان الإسلام والإيمان ؛ أليس هذا هو الأقرب ؟! فصورة جبريل الحقيقية تسد الأفق ، ولا يناسبها الركوب على الفرس ، بل الغالب أن هيئة الركوب لا تتم إلا في صورة غير الصورة الملائكية الحقيقية ، ذلك أن جبريل له ستمائة جناح ، فلا حاجة للفرس معها .
الرابع :
نحا جماعة إلى إن تفسير الآية : ليس هو على هذا الوجه المروي ، عمن روي عنه من السلف ؛ فلم ير أحد جبريل عليه السلام ، ولم يأخذ السامري قبضة من أثر فرسه ، وما يروى في هذا الشأن : لم يسلموا به .
يقول أبو مسلم الأصفهاني المعتزلي (322هـ) :
” ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون ، فههنا وجه آخر ، وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام ، وبأثره : سنته ورسمه الذي أمر به . فقد يقول الرجل : فلان يقفو أثر فلان ، ويقبض أثره : إذا كان يمتثل رسمه .
والتقدير : أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في باب العجل ، فقال : بصرت بما لم يبصروا به ، أي عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول ، أي شيئا من سنتك ودينك ، فقذفته أي طرحته . فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب في الدنيا والآخرة .
وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له ما يقول الأمير في كذا وبماذا يأمر الأمير ، وأما دعاؤه موسى عليه السلام رسولا ، مع جحده وكفره فعلى مثل مذهب من حكى الله عنه قوله : ( يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) [الحجر: 6] وإن لم يؤمنوا بالإنزال ” انتهى من ” تفسير أبي مسلم الأصفهاني ” (ص/191-192) .
ومع ما في بعض وجوه هذا التأويل من التكلف والنظر الظاهر ، فقد انتصر له الرازي في تفسيره ” مفاتيح الغيب ” (22/95-96) بشدة ، ورجح هذا القول أيضا من المتأخرين العلامة القاسمي في ” محاسن التأويل ” (7/144) حيث وصف قول الجمهور بأنه ” ليس عليه أثارة من علم ولا يدل عليه التنزيل الكريم ” انتهى .
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
” هذا الذي ذكروه [ يعني ما ذهب إليه جمهور المفسرين من رؤية السامري فرس جبريل ] لا يوجد في كتب الإسرائيليين ، ولا ورد به أثر من السنة ، وإنما هي أقوال لبعض السلف ، ولعلها تسربت للناس من روايات القصاصين .
فإذا صرفت هذه الكلمات الست إلى معان مجازية كان :
( بصرت ) بمعنى علمت واهتديت ، أي اهتديت إلى علم ما لم يعلموه ، وهو علم صناعة التماثيل والصور الذي به صنع العجل ، وعلم الحيل الذي أوجد به خوار العجل .
وكانت ( القبضة ) بمعنى النصيب القليل .
وكان ( الأثر ) بمعنى التعليم ، أي الشريعة .
وكان ( نبذت ) بمعنى : أهملت ونقضت .
أي : كنت ذا معرفة إجمالية من هدي الشريعة ، فانخلعت عنها بالكفر .
وبذلك يصح أن يحمل لفظ ( الرسول ) على المعنى الشائع المتعارف ، وهو من أوحي إليه بشرع من الله وأمر بتبليغه .
وكان المعنى : إني بعملي العجل للعبادة ، نقضت اتباع شريعة موسى . والمعنى : أنه اعترف أمام موسى بصنعه العجل ، واعترف بأنه جهل ، فَضَلَّ ، واعتذر بأن ذلك سولته له نفسه .
وعلى هذا المعنى فسر أبو مسلم الأصفهاني ، ورجحه الزمخشري بتقديمه في الذكر على تفسير الجمهور ، واختاره الفخر ” انتهى من ” التحرير والتنوير ” (16/ 296) .
وقد توسع العلامة الألوسي رحمه الله في تفسيره ” روح المعاني ” (8/564-565) ، في الجواب عن حجج أبي مسلم الأصفهاني ، ومن بعده الرازي ، على ما ذهبوا إليه .
ودعا أبو منصور الماتريدي إلى السكوت عما سكت القرآن عنه ، من غير زيادة ولا نقصان في تفسير تلك الحادثة .
ينظر: ” تأويلات أهل السنة ” ، للماتريدي (7/304) .
وعلى كل حال ، لسنا بصدد الترجيح بين الأوجه السابقة ، بقدر ما نقصد إلى بيان تعدد الإجابات على إشكال السائل ، ويبقى الترجيح في المسألة محتملا ؛ إذ لم يرد فيها نص عن النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام .
وأخيرا ، فإننا لم نجد أحدا من العلماء ، ولا في شيء من الروايات ما يشير إلى أن السامري هو المسيح الدجال الذي يظهر في آخر الزمان ، اللهم إلا إشارة عند الزركشي في ” البرهان في علوم القرآن ” (2/140) ينقل فيها عن أحد العلماء فيقول : ” وقع سؤال بين جماعة من الفضلاء في أنه : ما الحكمة أنه لم يذكر الدجال في القرآن . وتلمحوا في ذلك حِكَمًا ، ثم رأيت هذا الإمام قال : إن في القرآن تعريضا بقصته ، في قصة السامري ، وقوله سبحانه : ( وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ) طه/97 ” انتهى .
ولكنه توجيه عار عن الصحة ، لا يقوم على أساس صحيح ، ولا توجيه مقبول ، فحكاية السامري تختلف اختلافا كليا عن المسيح الدجال ، ولا حاجة للربط بينهما من غير دليل . والآية الكريمة في تأجيل السامري إلى موعد لن يخلفه : المقصود بها يوم القيامة ، فهو الموعد الذي ينتظره جميع الخلائق .
يقول ابن كثير رحمه الله :
” ( وإن لك موعدا ) أي : يوم القيامة . ( لن تخلفه ) أي : لا محيد لك عنه ” .
انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (5/314) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android