0 / 0

حديث دفع النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق عن ضرب ابنته عائشة

السؤال: 213366

قرأت هذين الحديثين وأريد معرفة مدى صحتهما :
الحديث الأول :
زار أبو بكر رضي الله عنه في أحد الأيام ابنته عائشة رضي الله عنها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمعها تصرخ على النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل إليها وكاد يضربها ، لولا أن منعه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وقال له : دعها تفرغ ما بداخلها . وبعد عدة أيام ذكَّرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأخبرها كيف أنه دافع عنها من أبيها وأنه كان سيضربها ، لكنه سمح لها بتنفيس غضبها .
فهل حقاً يُفضل للمرء أن يصرخ كي يفرغ ما بداخله من الغضب ، بدلاً من كتمه في قلبه ؟
الحديث الثاني :
زار النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها وهي حامل في شهرها التاسع ، وكانت تطحن الشعير ، وقد أثر ذلك في يدها ، وكان علي رضي الله عنه في البيت ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أتسمح لي بأن أقوم بعملها ، فوافق علي ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الرحى منها وبدأ يطحن بنفسه ، عندها التفتت فاطمة رضي الله عنها إلى علي رضي الله عنه وقالت : أترى كم يحبني أبي ! ولذلك فإني أحبه أكثر منك ، عندها قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا فاطمة ! أنتِ أقرب إلى قلبي ، وعلي في قلبي .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
من الضروري لكل مسلم أن يكون منهجه فيما يقرأ ويسمع البحث والتثبت ، فذلك ما أمر الله عز وجل به في قوله : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36 ، فقد أحسنتَ صنعا حين سارعت بالسؤال عن هذه الأحاديث ، خاصة مع كثرة المنكرات والموضوعات التي يتناقلها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي ، رغم بعدها كل البعد عن السنة النبوية الصحيحة .
ثانيا :
أما الحديث الأول فقد ثبت في كتب السنة النبوية عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنه ، ولفظه : ” اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا ، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ : أَلَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ : كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا ، فَقَالَ لَهُمَا : أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا ، كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ فَعَلْنَا ، قَدْ فَعَلْنَا ) .
رواه أبو داود في ” السنن ” (4999) من طريق حجاج بن محمد ، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه .
ورواه أيضا ابن أبي الدنيا في ” النفقة على العيال ” (2/759)، لكن من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، عن جده أبي إسحاق ، وليس عن أبيه يونس . وأيضا يرويه عن العيزار قال : دخل أبو بكر . هكذا من غير ذكر الصحابي النعمان بن بشير .
قال ابن ابي الدنيا : حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا عبد الله بن موسى ، وأسود بن عامر، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، قال : دخل أبو بكر على عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم… إلى آخر الحديث.

والحديث في تخريجه وبيان ألفاظه واختلاف رواياته كلام طويل ، ليس هذا محل ذكره ، وإنما يهمنا هنا الحكم على أصل القصة ، فقد صححها كثير من المحدثين ، سكت عنها أبو داود في ” السنن ” ، وابن حجر في ” فتح الباري ” (4/400) ، وصححها الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (رقم/2901)، والوادعي في ” الصحيح المسند ” (1172) .

ودلالة الحديث الأهم : هي في طريقة تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع غضب عائشة رضي الله عنها ، وكيف كان هديه عليه الصلاة والسلام بالعمل على تهدئة الغضبان ، وترك مجاراته أو الرد عليه في غضبه ، كي لا يزداد ، فيقع الإثم والمعصية ، ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه .
لذلك استنبط العلماء من مثل هذا الأدب الرفيع : أن من حقوق الأخوة والمعاشرة تحمل الغضب ، وامتصاص فورته ، والتجاوز عن الزلة التي تقع خلاله ، فهي نار في القلب سرعان ما تنطفئ لدى المؤمن التقي .
يقول الإمام الغزالي رحمه الله :
” زلة [الصاحب] في حق [ صاحبه ] بما يوجب إيحاشه : لا خلاف أن الأولى العفو والاحتمال ، بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن ، ويتصور تمهيد عذر فيه ، قريب أو بعيد ، فهو واجب بحق الإخوة . فقد قيل : ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذرا ، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك ، فتقول لقلبك : ما أقساك ! يعتذر إليك أخوك سبعين عذرا فلا تقبله ، فأنت المعيب لا أخوك … ” انتهى من ” إحياء علوم الدين ” (2/185) .

فالخلاصة : أن القضية في هذا الحديث ليست في غضب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فهو مذموم ولا شك ، ولهذا غضب منها والدها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فلا ينبغي الاستشهاد بالحديث على تحسين التصرف المذموم ، بل نستشهد بالحديث على أحسن الهدي في التعامل مع من يصدر عنه الخلق المذموم ، وذلك في فعله عليه الصلاة والسلام ، فهو المعصوم الذي نقتدي به ، ونستشهد بأقواله وأفعاله وتقريراته ، ومن سواه من البشر يجوز عليهم الخطأ والغفلة والمخالفة .

ثالثا :
وأما الحديث الثاني : فأصل قصته في ” الصحيحين ” من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ” أَنَّ فَاطِمَةَ شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا ، فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ ، فَقَالَ : ( عَلَى مَكَانِكُمَا ) ، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي ، وَقَالَ : ( أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ ) ” رواه البخاري (3705) ، ومسلم (2727) .

وأما اللفظ الوارد في السؤال ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : ( أنتِ أقرب إلى قلبي ، وعلي في قلبي ) فلا أصل له في كتب السنة والحديث ، وإنما هو كذب وافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم .
ونحن لا نشك أن عليا وفاطمة رضي الله عنهما من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم إليه ، ولكن ذلك لا يجيز لنا أن نكذب كلاما فننسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجيز لنا أن نتناقل مثل هذه الأحاديث الموضوعة ونحكيها على سبيل الإقرار والاستشهاد ، بل على سبيل التكذيب والإنكار فحسب .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android