0 / 0

دعوى زواج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة طمعا في مالها

السؤال: 213469

ادعى بعض غير المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج سيدتنا خديجة رضوان الله تعالى عليها من أجل أموالها ، وقالوا : بأن هذه الأموال استخدمت في استئجار الصحابة لنشر الإسلام ، كما أثاروا التساؤلات حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها .
هل كل هذه الادعاءات صحيحة . وإذا كان الجواب : لا ، فأرجوكم أن تشرحوا لي المسألة بكل التفصيل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نحن نربأ بالسائل الكريم ، وبجميع الإخوة القراء أن يتعاملوا مع جميع الادعاءات بالقدر الجاد الذي يأخذ منهم الجهد والوقت ، ويشغل بالهم وفكرهم ، فلو رحنا نتابع كل دعوى ساقطة قضينا زماننا وأضعنا أعمارنا ولم نقض منها شيئا ، ويكون المدعي بذلك قد كسب لا محالة ، إن لم يكسب قوة الدعوى وتطريق الشبهة ، كسب ضياع وقتنا في ترهاته ، وشغل عمرنا في سيء فكره ومقالاته .
ولكن – بما أن السؤال قد حضر هنا – فليكن أحد الأمثلة التي نقيس عليها كل ما نسمع من سخافات هؤلاء الحاقدين ، فنقول :
أولا وقبل كل شيء :
لم يُقِم المدَّعِي على كلامه أي دليل ، بل ولا شبهة دليل ، ولم يورد مستندا سوى ما يجده في نفسه مِن حقد أسود يحجبه عن التفكير السليم ، وكل دعوى تخلو من الدليل ساقطة أصلا وموضوعا .
ثانيا :
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو البادئ في عرض المتاجرة بمال أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قبل زواجه بها ، بل كانت هي مَن رغب بذلك ، بعد أن سمعت عن أمانته وصدقه عليه الصلاة والسلام .
يقول محمد بن إسحاق (ت151هـ) – راوي السيرة المشهور -:
” كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ، ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إياه بشيء تجعل لهم منه . وكانت قريش قوما تجارا ، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه – بعثت إليه ، فعرضت أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له ميسرة ، فقبله منها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم ” .
انتهى من ” السير والمغازي ” لابن إسحاق (ص/81) .
والشاهد قوله ( بعثت إليه ) فقد كانت حريصة على تجارتها ، تنتخب شركاءها فيها ، فلم تجد حرجا رضي الله عنها – وذلك قبل الإسلام – في مصارحة الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام في شأن مالها ، فكيف يقال بعد ذلك إنه عليه الصلاة والسلام هو الذي سعى في شراكتها طمعا في مالها !!
لن يتعب الحاقد في الطعن في هذه الرواية ، نحن نعلم ذلك ؛ حسنا ، فأين الرواية الصادقة الموثوق بها ، التي تؤيد ما يقول ؟!
ثالثا :
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو من طلب الزواج من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، ولكنه رأى فيها من الصفات الفاضلة ، والأخلاق الكريمة ، ما يجعله يقبل عرض الزواج الذي جاءت به إحدى صديقاتها .
عن نفيسة بنت منية قالت :
” كانت خديجة امرأة حازمة جلدة شريفة ، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير ، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا ، وأعظمهم شرفا ، وأكثرهم مالا ، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال ، فأرسلتني دسيسا إلى محمد ، بعد أن رجع في عيرها من الشام ، فقلت : يا محمد ، ما يمنعك أن تزوج ؟ فقال : ما بيدي ما أتزوج به ، قلت : فإن كفيت ذلك ، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت : خديجة ، قال : وكيف لي بذلك ؟ قالت : قلت : عَلَي . قال : فأنا أفعل . فذهبت ، فأخبرتها ، فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا ، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها ، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته ، فزوجه أحدهم ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة ” .
رواه ابن سعد في ” الطبقات الكبرى ” (1/131) قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، أخبرنا موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع (صحابية)، عن نفيسة بنت منية (واسم أبيها أمية) به .
وهذا إسناد ضعيف فيه مقال ظاهر ، فعميرة بنت عبيد الله لم نجد لها ترجمة ، وصرح غير واحد من الباحثين بعدم الوقوف على ترجمة لها .
انظر ” رجال الحاكم في المستدرك ” لمقبل الوادعي (2/432) .
وموسى بن شيبة : سكت عنه البخاري في ” التاريخ الكبير ” (7/286) ، وقال فيه أبو حاتم : صالح الحديث ، كما في ” الجرح والتعديل ” (8/146) ، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال فيه : أحاديثه مناكير ، ولكن علق عليه المعلمي بقوله : ” أخشى أن يكون أحمد إنما قال هذا في صاحب الترجمة السابقة ” انتهى من تحقيقه لكتاب ” الجرح والتعديل ” ، وصاحب الترجمة السابقة اسمه أيضا موسى بن شيبة ، ولكن ليس هو المقصود هنا ، وإنما تشابهت الأسماء . ولذلك لم ينقل الذهبي في ” تاريخ الإسلام ” (4/986) كلام الإمام أحمد هذا ، والراوي المقصود هنا من أهل المدينة ، معروف بين النقاد ، وذكره ابن حبان في ” الثقات ” (9/158) .
ولكن ذلك لا يعني الحكم لحديثه بصحته ، إلا أننا نذكره هنا على سبيل الاستئناس والاعتبار في مرويات السير والتاريخ المحكية في الكتب .
وشيخ ابن سعد : محمد بن عمر ، هو الواقدي المعروف ، متروك الحديث ، مع سعة علمه وكثرة مروياته ، لا سيما في أبواب السير والتواريخ .

وعلى كل حال ، فما روي بإسناد ضعيف في مثل ذلك : أولى من الدعاوى المرسلة من غير إسناد صحيح ولا ضعيف ، فتأمل كيف تبلغ الجرأة بهم إلى إطلاق الكلام على عواهنه حتى يكثروا الشبهات على المسلمين ، فيصيبوا بذلك داء في قلوبهم .
وقد أقر المستشرقون بأن الزواج وقع بمبادرة من خديجة رضي الله عنها ، حتى الحاقدون من المستشرقين قرروا ذلك ، كما فعل ( سفاري ) الفرنسي المتوفى سنة (1788م) في كتابه ” مختصر حياة محمد “، المطبوع ضمن كتاب ” السيرة النبوية وكيف حرفها المستشرقون ” (ص/40-41) ، ولم نجد من يلقي هذه الدعوى ، سوى بعض الحاقدين من جهلة النصارى اليوم في المنتديات الحوارية على شبكة الإنترنت .

رابعا :
ومن الحق : أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قد واست رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسها ، ومالها ، كما تفعل كرائم النساء مع أزواجهن ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك لها ، ويذكره ولا ينساه :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ ، قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْمًا ، فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا ، قَالَ : ( مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ ) ” .
رواه الإمام أحمد في مسنده (24864ـ ط الرسالة) ، وصححه محققو المسند .
لكن ذلك كما قلنا : هو شأن المرأة الكريمة مع زوجها الذي تزوجها من قبل أن يوحى إليه ، ومن قبل أن يعلم شيئا عن أمر النبوة والوحي والرسالة ، بخمسة عشر عاما ، ثم إنها توفيت رضي الله عنها ، في العام العاشر من بعثته الشريفة ، قبل أن يهاجر إلى المدينة بنحو من ثلاث سنين ، حيث لم يكن له ولا لأصحابه في مكة شوكة ولا منعة ، ولا كان لهم دولة ولا سلطان ، ولا جيش ولا عتاد ، وكان أمر الدعوة إلى الله قائما في مكة على جهد آحاد الناس ، ودعوتهم لذويهم ، ومن يثقون في أمرهم ، لا يحتاج شيء من ذلك إلى نفقة ، أو تفرغ لأمر الدعوة ، أو استئجار أحد ليقوم بذلك ، ولا كان لهم من الظهور والمنعة ما يسمح بتلك الصورة التي يعرضها المغرضون .
ثم ماتت رضي الله عنها ، ولا نعلم أنه قد بقي له من مالها شيء ينفق منه على أصحابه ، ولو كان شيء من ذلك ، لما أخره عن أن يشتري من أسلم من الرقيق وتعرض للظلم والعذاب ، كحال بلال بن رباح مثلا ؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تجهيز رحلته حين هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة .
خامسا :
وأي حاجة له عليه الصلاة والسلام لمال أحد من البشر وقد خيَّره رب البشر بين أن يعطيه الدنيا وزهرتها وبين أن يكون عبدا رسولا ، فاختار الثاني ، كي يحيا حياة النبوة والرسالة المقترنة بالطبيعة البشرية الضعيفة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : ( إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ ) ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ ! أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ ، أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا ؟ ) ، قَالَ جِبْرِيلُ : تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ : بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ) رواه أحمد في ” المسند ” (12/76) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ : ( إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ ) رواه البخاري (3904)، ومسلم (2382) .
وعاش حياة البسطاء ، قريبا من الناس ، يجوع ويشبع ، ويغنى ويفتقر ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : ” تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ ، إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ ” متفق عليه .
فمن كان هذا قراره واختياره ، أفيطمع في مال أو ثروة أو تجارة تملكها امرأة تكبره بخمس عشرة سنة ، يتزوجها ولا يتزوج غيرها ، ويحبها حبا عظيما ، ويرى من خلالها ما يفيض عطفا ومودة وصلاحا ، ثم يقول هذا المدعي : إن زواجه بها كان لدافع مادي محض !!

ولعل هذا يكفي عن الإطالة في مناقشة شبهة باطلة كهذه ، ليس لها من الجدية والأسس العلمية ، ما يستدعي الوقوف عندها أطول من هذا .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android