تنزيل
0 / 0

أبواها على خلاف وكل منهما مضيع لحق صاحبه , وتطلب النصيحة

السؤال: 214190

سؤالي بخصوص عائلتي ، وعلى وجه التحديد أمي وأبي ، فأمي لا تطيع أبي كما ينبغي للزوجة أن تطيع الزوج ، وذلك لأنه لا يقوم بأي مسئولية تجاهنا ، كالإنفاق والإطعام والإلباس والتدريس ..الخ ، ولأنه أيضاً يسيء معاملتها ؛ لذلك فهي الآن تقوم بمعظم واجباته التي ينبغي أن يقوم بها هو كرب أسرة ، وبالرغم من كل هذا ، ما زلت خائفة على أمي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال جنة النساء تحت أقدام أزواجهن ، إنني أحبهما كثيراً ، وأعمل جاهدة لرعاية الأسرة والحفاظ على استقرارها ، فما نصيحتكم ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أوجب الإسلام على كل من الزوجين حقوقاً تجاه الآخر ، فللزوج حقوق على زوجته ولها عليه حقوق , ولكن حقه عليها أعظم من حقها عليه ؛ لقول الله جل وعلا ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228 .

قال الجصاص رحمه الله " أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا ، وأن الزوج مختص بحق له عليها ، ليس لها عليه مثله بقوله تعالى : ( وللرجال عليهن درجة) " انتهى من " أحكام القرآن – للجصاص " (2/68) .

وقال ابن العربي رحمه الله : " هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها " انتهى من " أحكام القرآن – لابن العربي " (1/256) .

ومن حقوق الزوج على زوجته وجوب الطاعة له ، فقد جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية ، قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 .

قال ابن كثير رحمه الله : " …. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الرجال قوامون على النساء يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله ، حافظة لماله ، وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك " انتهى من " تفسير ابن كثير " (1 /492 ) .

ومن حقوق الزوجة على زوجها : أن ينفق عليها ما دامت مطيعة له غير ناشز , والحكمة من وجوب النفقة لها عليه : أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج ، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب ، فكان عليه أن ينفق عليها ، وأن يكفيها مقابل الاستمتاع والاحتباس له .
والمقصود بالنفقة : توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ، وكسوة , ومسكن ، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية ؛ لقوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/233 ، ولقوله عز وجل : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) الطلاق/7 . ولقوله تعالى ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) الطلاق/6 ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) رواه مسلم ( 1218) .

ومن حقوق الزوجة أيضا على زوجها : أن يحسن عشرتها وأن يحسن خلقه معها ويرفق بها ؛ لقوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/228 .

وفي السنَّة : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء ) رواه البخاري ( 3153 ) ومسلم ( 1468 ) .

وقد سبق بالتفصيل والدليل بيان حقوق كل من الزوجين على صاحبه ، فليراجع ذلك في الفتوى رقم (10680) .

بعد هذا البيان تعلمين أيتها السائلة أن كلا والديك قد قصر في حق صاحبه وأضاع حقوقه , فالزوج ضيع حق زوجته في الإنفاق والعشرة بالمعروف , والزوجة ضيعت حق الزوج في الطاعة والخضوع .

والذي ننصحك به في هذا المقام أن تنصحي لكليهما – بحكمة ورفق – فتوضحي لأمك حقوق زوجها عليها ، وما أمرها به الشرع الحنيف من الطاعة ، وحسن القيام بحقه , وينبغي ألا تقابل تقصيره بتقصير مثله ، فمن عصى الله فيك ، فأطع الله فيه ، وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت/34-36 .

وفي الوقت ذاته تنصحين لوالدك أن يقوم بواجباته التي كلفه بها ربه تجاه بيته وزوجته ، من النفقة والكسوة ونحو ذلك .
فإن استجابا فبها ونعمت , وإلا فإنك بذلك تكونين قد أديت ما عليك من واجب النصيحة , والدعوة إلى الخير , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فليس عليك – إن شاء الله – بأس من تقصيرهما , واعلمي أن الواجب عليك بر والديْكِ ، والإحسان إليهما ، وبذل النصيحة لهما ، والسعي للتوفيق بينهما ، فإن أصر أحدهما ، أو كلاهما ، على موقفه : لم يسقط حقه في البر والإحسان مهما كان لأجل إساءته وخطئه .

وقد سأل الشيخَ ابن عثيمين رحمه الله شخصٌ عن خصومة بين والديه ، فأجابه بقوله :
"…. بالنسبة للخصام الواقع بينهما ، فالواجب عليك أمران : أن تحاول الإصلاح بينهما ما استطعت ، حتى يزول ما بينهما من الخصام والعداوة والبغضاء ؛ لأن كل واحد من الزوجين يجب عليه للآخر حقوق لابد أن يقوم بها ، ومن بر والديك أن تحاول إزالة هذه الخصومات حتى يبقى الجو صافياً ، وتكون الحياة سعيدة .
وأما الأمر الثاني : فالواجب عليك نحوهما أن تقوم ببر كل واحد منهما ، وبإمكانك أن تتلافى غضب الآخر إذا بررت صاحبه بإخفاء البر عنه ، وتبر أمك بأمر لا يطلع عليه والدك ، وتبر والدك بأمر لا تطلع عليه أمك ، وبهذا يحصل المطلوب ، ولا ينبغي أن ترضى ببقاء والديك على هذا النزاع ، وهذه الخصومة ، ولا على هذا الغضب إذا بررتَ الآخر ، والواجب عليك أن تبين لكل واحد منهما أن بر صاحبه لا يعنى قطيعته ، أي : قطيعة الآخر ، بل كل واحد منهما له من البر ما أمر الله به " انتهى من "فتاوى إسلامية" (4/196) .

وعليك أن تكثري من الدعاء لهما بظهر الغيب : أن يصلح الله لهما الحال والبال ، وأن يجنبهما كيد الشيطان ونزغاته .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android