سأل رجل نصراني امرأة مسلمة عن سبب تشبيه الإسلام المرأة بالكلاب ، واقتبس لها حديث قطع المرأة لصلاة الرجل إذا مرت من أمامه ، والحديث موجود في صحيح مسلم . لذا أرجو منكم – وبشكل عاجل – توضيح اللبس الحاصل حول هذا الحديث ، ووضع الجواب بالتفصيل على موقعكم حتى تتمكن المسلمات من قراءته .
شبهة تثار حول حديث يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب
السؤال: 214748
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يمكننا أن نجيب هذا المعترض أو صاحب الشبهة من خلال تذكيره بأمور أساسية لا بد من مراعاتها في فهم هذا الموضوع والتدقيق فيه :
أولا :
ليس ثمة شيء في الوجود إلا وبينه وبين الأشياء الأخرى وجه شبه ، ولو في بعض المعاني المطلقة ، فالإنسان يشبه الجماد في كون كل منهما موجودا مخلوقا ، ويشبه الحيوان في أوجه كثيرة ، فكل منهما كائن حي يأكل ويشرب ويحيا ويموت ، بل يُعَرِّفُ المناطِقَة الإنسان بأنه : حيوان ناطق .
وكذلك بين الإنسان والنبات أوجه شبه كثيرة من جهة حياة كل منهما ، وإثماره ، وحاجته للغذاء ، ونحو ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" كل موجودين فلابد أن يكون بينهما نوع مشابهة ولو من بعض الوجوه البعيدة ورفع ذلك من كل وجه رفع للوجود " انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (7/569) .
ولا يعرف عن العقلاء والمفكرين أن أحدا عد كل أوجه الشبه السابقة عيبا في الإنسان يستوجب الذم والقدح فيه ؛ فهي أوجه شبه إما محمودة ، وإما أنها خلقية لا توصف بمدح ولا ذم .
ثانيا :
التشبيه في اللغة والمنطق يشتمل على أربعة أركان : المشبَّه ، والمشبَّه به ، ووجه الشبه ، وأداة التشبيه .
وإذا طلبنا الحكم على تشبيه معين هل نعده ذما أو مدحا ، فإن من الخلل الاقتصار في النظر على ( المشبَّه به ) ، بل لا بد من النظر في ( وجه الشبه ) أيضا .
وقد ورد عن بعض الصحابة تشبيه فعل نفسه بفعل الدابة ، كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ " رواه البخاري (347) ، ومسلم (368) .
ولم يفهم أحد من الناس أنه يقصد تشبيه نفسه بالدابة من كل وجه ، تشبيها مذموما لا قدر الله ، إذ لا تحتمل لغة العرب ذلك أبدا .
إذن فلا بد من فهم اللغة العربية التي هي لغة القرآن والسنة ، قبل الخوض في هذه الشبهات الساقطة ، التي تدل على جهل تام بالأسلوب العربي . ولا بد من التدقيق في وجه الشبه قبل الاتهام بأن التشبيه ذم للمرأة مطلقا أو قدح لجنس النساء .
ثالثا :
من نظر في الحديث المقصود في سؤال السائل ، وهو حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ) رواه مسلم (511)، علم أن ( وجه الشبه ) المقصود ليس شيئا يتعلق بالصفات السيئة لكل من الحمار والكلب ، أو أن المرأة في درجة هذه الدواب والعياذ بالله ، فهذا من ساقط الظن وتافه القول ، وعائشة رضي الله عنها لم تقصد ذلك مطلقا عندما سمعت هذا الحديث فقالت : ( شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلاَبِ ) رواه البخاري (514)!!!
وإنما ( وجه الشبه ) المراد هنا هو : مجرد الاشتراك في فعل معين ، يتعلق بالصلاة ؛ وهو إخراج المصلي عن خشوعه واتصاله بالله سبحانه وتعالى ، وعائشة رضي الله عنها لا توافق على أن مرور المرأة يخرج الصلاة عن هيئتها الخاشعة لله سبحانه ، وخالفها في ذلك كثير من الصحابة الكرام .
وينبغي أن نتنبه إلى أن أصل المرور بين يدي المصلي ، وتأثر صلاة المصلي بمن يمر من أمامه ، كائنا ما كان المار ، رجلا أو امرأة ، إنسانا أو حيوانا هذا كله ممنوع من حيث الأصل ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام في منع الجميع من هذا الفعل المذموم : ( لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ) قَالَ أَبُو النَّضْرِ : لاَ أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً " رواه البخاري ( 510 ) .
بل روى البخاري (487) ، ومسلم (505) : " أن أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كان فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ ، فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى ، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ ، فَقَالَ : مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ ، يَا أَبَا سَعِيدٍ ؟
قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْلُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : ( فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ) قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مُرُورِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ الرُّجُوعِ الشَّيْطَانُ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ يَفْعَلُ فِعْلَ الشَّيْطَانِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ بَعِيدٌ مِنَ الْخَيْرِ وَقَبُولِ السُّنَّةِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالشَّيْطَانِ الْقَرِينُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ( فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينُ ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من "شرح مسلم" (4/167) .
ومن الواضح هنا : أن هذا الحديث عام في كل من أراد أن يجتاز بين يدي المصلي ، وأن قصة أبي سعيد هذه : لا مدخل للنساء فيها البتة !!
رابعا :
إذا كان المرور بين يدي المصلي ممنوعا كله ، سواء في ذلك الرجل أو المرأة ، وإذا كان ذلك يؤثر أيضا في صلاته ؛ فقد ذهب بعض أهل العلم في تأويل القطع المذكور في هذه الأحاديث، إلى أنه ليس المراد به إبطال الصلاة ، وإلزام إعادتها، وإنما المراد به القطع عن إكمالها والخشوع فيها بالاشتغال بها، والالتفات إليها .
قال القرطبي رحمه الله :
" ذلك أن المرأة تفتن ، والحمار ينهق ، والكلب يروع ، فيتشوش المتفكر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسد ، فلما كانت هذه الأمور آيلة إلى القطع ، جعلها قاطعة " .
انتهى من " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (2/109) .
وقال ابن رجب رحمه الله ، بعد ما ذكر نحوا من هذا التأويل :
" وأقرب من هذا التأويل: أن يقال: لما كان المصلي مشتغلا بمناجاة الله ، وهو في غاية القرب منه والخلوة به ، أمر المصلي بالاحتراز من دخول الشيطان في هذه الخلوة الخاصة ، والقرب الخاص ؛ ولذلك شرعت السترة في الصلاة خشية من دخول الشيطان ، وكونه وليجة في هذه الحال ، فيقطع بذلك مواد الأنس والقرب ؛ فإن الشيطان رجيم مطرود مبعد عن الحضرة الإلهية، فإذا تخلل في محل القرب الخاص للمصلي : أوجب تخلله بعدا وقطعا لمواد الرحمة والقرب والأنس .
فلهذا المعنى – والله اعلم – خصت هذه الثلاث بالاحتراز منها، وهي:
المرأة ؛ فإن النساء حبائل الشيطان ، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وإنما توصل الشيطان إلى إبعاد آدم من دار القرب بالنساء .
والكلب الأسود: شيطان ، كما نص عليه الحديث.
وكذلك الحمار؛ ولهذا يستعاذ بالله عند سماع صوته بالليل ، لأنه يرى الشيطان .
فلهذا أمر – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بالدنو من السترة ، خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته ، وليس ذلك موجبا لإبطال الصلاة وإعادتها ، والله أعلم ؛ وإنما هو منقص لها، كما نص عليه الصحابة ، كعمر وابن مسعود ، كما سبق ذكره في مرور الرجل بين يدي المصلي ، وقد أمر النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بدفعه وبمقاتلته ، وقال: ( إنما هو شيطان ) ، وفي رواية : أن معه القرين ؛ لكن النقص الداخل بمرور هذه الحيوانات التي هي بالشيطان أخص : أكثر وأكثر، فهذا هو المراد بالقطع ، دون الإبطال والإلزام بالإعادة. والله اعلم. " .
انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (4/135) .
خامسا :
ليس من الإنصاف ولا من العدل في شيء : أن يعمد الباحث ، أيا ما كان دينه ، ومذهبه ، إلى نص منفرد ، مشتبه ، يحتمل من الدلالات ، ما لا علاقة له بموضوع نظره وبحثه ، ثم يجعله طعنا في دين كامل متكامل التشريعات والآداب ، كدين الإسلام ، متعاميا عن عشرات النصوص والأصول التي تكرم المرأة في ذلك الدين ، بما لم يكرمها غيره من الأديان ولا الشرائع ولا القوانين.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت ، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَال ).
رواه الترمذي (113) ، وصححه الألباني في "صحيح ابي داود " (234 ) .
قال الخطابي: " وقوله النساء شقائق الرجال ؛ أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع ، فكأنهن شققن من الرجال …
وفيه من الفقه … أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها " انتهى من " معالم السنن " ( 1 / 79 ) .
واستدل أهل العلم بهذا الحديث على أن الأصل أن ما يجب للذكور يجب للإناث ، وما يجوز للذكور يجوز للإناث ولا يفرق بينهما إلا بنص .
ولهذا القرآن يخاطب المرأة كما يخاطب الرجل والنصوص على هذا كثيرة .
كقوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل /97 .
وكقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الأحزاب/35.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (70042) ، ورقم : (40405) ، ورقم : (132959) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة