0 / 0

والداها يحثانها على العمل وهي محتارة في تحديد هدفها

السؤال: 215283

أنا فتاة مسلمة عمري ٢٥ سنة , كنت متبرجة من قبل ، ومنَّ الله علي بالهداية منذ شهر رمضان الماضي ، والتزمت – والحمد لله – بالحجاب الشرعي ، مع كشف الوجه واليدين ، وبالمحافظة على الصلاة وقراءة القرآن .
كنت إلى نهاية السنة الدراسية الماضية أدرس في جامعة مختلطة ، كحال جميع المؤسسات في بلدي ، حتى الدينية منها ، وحصلت على إجازة في العلوم الفيزيائية ، وبحكم حرصي على الالتزام بديني ، وتغير نظرتي للدنيا ، احترت ، وارتأيت أن ألزم المنزل هذه السنة ، لكي أتفقه في أحكام ديني ، وأفكر فيما يمكن أن أفعل في الدراسة أو العمل بما يرضي الله .
أنا على نفسي صراحة أتمنى أن أكمل الماجستير ، ووالداي – ولو لم يصرحا بذلك – يريدانني أن أعمل ، وهذا يجعلني أفهم أنهما تعبا من المصروف علي , والعمل ليس بيدي ، فإلى جانب أنه لا مفر من الاختلاط ، هناك رشوة ومحسوبية ، وأنا لا أريد أن أبدأ عملا بالحرام , فتارة أدعو الله أن يوفقني إلى عمل بالحلال ، وتارة أدعو الله أن يرزقني زوجا صالحا ، وتارة هداية وتثبيتا على هذا الدين ، فأنا محتارة حتى في الدعاء !
ولا أخفيكم نظرات الاستخفاف والدونية من العائلة والجيران ، وهذا شيء لا يؤثر في ، ولكنه يؤثر في والدي ، خصوصا أن عمل الفتاة هنا في بلدي يعتبر استقلالية ، وشيئا يفتخر به .
أنا محتارة في أمري ووجهتي .
وما يصبرني ويفرحني هو راحتي النفسية بعد الالتزام – والحمد لله – .
سؤالي هو : ما السبيل لكي أرضي الله ونفسي ووالدي في نفس الوقت ؟
وما توجيهاتكم لفتاة مسلمة تعيش في وسط لا يعين على التمسك بما جاء به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كثيرة هي هموم فتياتنا في أمتنا العربية والإسلامية ، وكثيرة هي قضاياهن الجليلة والمهمة ، التي تستدعي من المجتمعات وقفة جادة تعينهن على تحقيق آمالهن ، وتصونهن عن كل ما يبتذل طهرهن وحياءهن .
ونحن نحمد الله تعالى أن هداك لطريق الاستقامة ، ومنَّ عليك بما تستشعرين من سعادة القلب وراحة النفس بالقرب من الله تعالى ، وتلك والله السعادة التي لا يشتريها المال ، ولا تجلبها كل مظاهر المدنية التي يعيشها الناس اليوم .
ولكننا في الوقت نفسه نستشعر في سؤالك قدرا من المبالغة في حجم المشكلة ، بل حتى في وجودها أصلا ، فالأمر سهل ميسور بإذن الله ، والحيرة تأتي بسبب ضيق الخيارات ، أما إذا كانت الخيارات كلها واردة ، ولا تتعارض مع بعضها ، فليس في الأمر أي حيرة ، فإذا سألت الله عز وجل في دعائك فاسأليه جميع فضله ، اسأليه أن يرزقك الزوج الصالح ، والعمل المباح ، والرزق الحلال الواسع ، ورضا الوالدين ، والثبات على الدين ، والحسنة في الدنيا والآخرة ، وكل خير في الدنيا والآخرة ، فالله عز وجل كريم لا تنفد خزائنه ، ولا تنقضي مكارمه ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، يحب إذا سأله أحدنا أن يسأله من واسع رزقه وكرمه ، فلماذا نضيق واسعا ، ولا نسأله عز وجل كل ما نرجو ونتمنى مما فيه سعادتنا وصلاح أحوالنا !! يقول الله عز وجل : ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) النساء/32 ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ) رواه البخاري (7423) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ) ، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: ( اللهُ أَكْثَرُ ) . رواه أحمد (11133) وغيره ، وصححه الألباني .
وأبواب العمل واسعة والحمد لله ، لا نرى أن تغلقيها على نفسك جميعها ، وتيأسي من تحصيل ما يرضيك منها ، بدعوى وجود بعض المحاذير ، فلا تدرين ، لعل الله ييسر لك عملا خالصا من كل الشوائب ، تجدين فيه راحتك ورزقك ، فقد قال الله سبحانه : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3 ، ولكن ذلك يقتضي منك الاجتهاد في البحث والسؤال ، وتحصيل الأسباب التي تجعلك أولى بالقبول ، إضافة إلى تفقه في الأحكام الشرعية ، كي تميزي بين الحلال والحرام ، فلا تغلقي على نفسك أبواب الحلال ظنا منك تحريمها أو العكس .
وشريعة الإسلام حثت الأفراد والمجتمعات على النجاح والاجتهاد والإنتاج ، سواء من خلال الدراسة أو الانضواء تحت الأعمال التطوعية أو العمل لتحصيل الرزق أو النشاط الإصلاحي المجتمعي على مستوى الأسرة والحي ، كل ذلك مما يحبه الله ويرضاه إذا احتسبته الفتاة عند الله عز وجل ، وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : “طُلِّقَتْ خَالَتِي ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا ، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال لها : ( بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي ، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا ) رواه مسلم (1483) .
فانظري كيف أذن لها في مثل ذلك العمل المشروع ، لعلها أن تجد من واسع رزق الله ما تتصدق به ، وتصنع به المعروف للناس ، فاليد عليا خير من اليد السفلى كما أخبر عليه الصلاة والسلام ، وهذا يصدق على النساء أيضا ، لكن في العمل المباح المنتج للخير .
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله :
” لا يمنع الإسلام عمل المرأة ولا تجارتها ، فالله جل وعلا شرع للعباد العمل وأمرهم به ، فقال : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ، وقال : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )، وهذا يعم الجميع الرجال والنساء ، وشرع التجارة للجميع ، فالإنسان مأمور بأن يتجر ، ويتسبب ، ويعمل سواء كان رجلا أو امرأة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) هذا يعم الرجال والنساء جميعا ” .
انتهى من ” مجموع فتاوى ابن باز ” (28/104) .
لكن قصارى الأمر : أن تتأني في طلب العمل المباح ، والرزق الحلال ، وتتخيري من بين المتاح أمامك : أنسب الأعمال لطبيعتك ، وأبعدها عن الاختلاط والمفاسد ، وأقربها إلى فتاة ملتزمة .
وأما أمر الدراسة : فنحن نقترح عليك أن تؤجليه فترة ، لعلك أن تستقري ماديا ، واجتماعيا ، ثم تنظري في ظروفك بعد ذلك : هل تسمح لك بإكمال الماجيستير ، أو الأنسب لك أن تكتفي بالدراسة التخصصية إلى الحد الذي بلغتيه .
نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولك في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وأن يقينا عذاب النار .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android