0 / 0
9,42304/06/2014

طلب منها زوجها أن تسافر إليه وتريد أن تمتنع بحجة أن الشقة التي يسكن بها تسبب المرض

السؤال: 215303

امرأة طلب زوجها منها أن تسافر له حيث بلد عمله , وتقول : إن حالة شقته التي يسكن بها تسبب لها المرض , فهل يجوز أن ترفض طلب زوجها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في مسألة سفر الزوجة مع زوجها ، وهل يجب عليها أن تخرج معه في سفره أو لا يجب ؟
والراجح الذي عليه جمهور العلماء : أن الزوج إذا سافر وأراد اصطحاب زوجته معه ، وجب عليها مرافقته والانتقال معه ، وإن كرهت ، ما دام أنه سيوفر لها الحياة المناسبة ، وما دامت تأمن على نفسها ومالها في هذا السفر .
جاء في ” البناية شرح الهداية ” (5 / 190): ” إذا أوْفى الرجل امرأته مهرها المعجل ، نقلها إلى حيث شاء من البلاد ؛ لقوله عز وجل: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) [الطلاق: 6] وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم” انتهى , وفي ” البناية ” أيضا (5 / 191): ” والفتوى على أن للزوج أن يسافر بها إذا أوفاها المعجَّل ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( أَسْكِنُوهُنَّ ) [الطلاق: 6]” انتهى .
وقال الإمام مالك رحمه الله : ” وللزوج أن يظعن [ أي : يسافر ] بزوجته من بلد إلى بلد ، وإن كرهت ، وينفق عليها ” انتهى من “تهذيب المدونة ” (1/421) .
وخالف في ذلك الفقيهان : أبو الليث ، وأبو القاسم الصفار ، وغيرهما من فقهاء الحنفية ، فأفتوا بخلاف ظاهر الرواية في المذهب الحنفي , وذهبوا إلى أن الرجل إذا أراد السفر ، فليس له أن يخرج بزوجته إذا رفضت , وعللوا ذلك بفساد الزمان ، وبأن الغريب يؤذى .
جاء في ” الدر المختار وحاشية ابن عابدين ” (3 / 146) : ” ثم ذكر عن الفقيهين أبي القاسم الصفار وأبي الليث : أنه ليس له السفر مطلقا بلا رضاها ، لفساد الزمان ؛ لأنها لا تأمن على نفسها في منزلها ، فكيف إذا خرجت ؟ وأنه صرح في المختار بأن عليه الفتوى ” انتهى .
لكن ذكر بعض المحققين من فقهاء الحنفية أن هذا ” من باب اختلاف الحكم باختلاف العصر والزمان , وأن الأمر ينبغي أن يفوَّض إلى المفتي المسئول عن الحادثة ، وأنه لا ينبغي طرد الإفتاء بواحد من القولين على الإطلاق ، فقد يكون الزوج غير مأمون عليها ، يريد نقلها من بين أهلها ليؤذيها أو يأخذ مالها، بل نقل بعضهم أن رجلا سافر بزوجته ، وادعى أنها أمته وباعها , فمن علم منه المفتي شيئا من ذلك : لا يحل له أن يفتيه بظاهر الرواية ، لأنا نعلم يقينا أن الإمام لم يقل بالجواز في مثل هذه الصورة .
وقد يتفق تزوُّج غريب بامرأة غريبة في بلدة ، ولا يتيسر له فيها المعاش ، فيريد أن ينقلها إلى بلده ، أو غيرها ، وهو مأمون عليها، بل قد يريد نقلها إلى بلدها ؛ فكيف يجوز العدول عن ظاهر الرواية في الصورة ، والحال أنه لم يوجد الضرر الذي علل به القائل بخلافه , بل وجد الضرر للزوج دونها ، فنعلم يقينا أيضا أن من أفتى بخلاف ظاهر الرواية ، لا يقول بالجواز في مثل هذه الصورة ؛ ألا ترى أن من ذهب بزوجته للحج ، فقام بها في مكة مدة ، ثم حج ، وامتنعت من السفر معه إلى بلده , هل يقول أحد بمنعه عن السفر بها ، وبتركها وحدها تفعل ما أرادت ؟
فتعين تفويض الأمر إلى المفتي ، وليس هذا خاصا بهذه المسألة , بل لو علم المفتي أنه يريد نقلها من محلة إلى محلة أخرى ، في بلدة بعيدة عن أهلها ، لقصد إضرارها : لا يجوز له أن يعينه على ذلك ” انتهى من ” الدر المختار وحاشية ابن عابدين ” (3 / 146) باختصار.
والخلاصة : أن الزوجة ينبغي أن تسافر مع زوجها حيثما أراد ، بشرط أن يكون الزوج مأمونا ، وأن ينقلها إلى محلة تأمن فيها على نفسها ومالها , ولا تتضرر هي بالنقلة معه إليها .
جاء في ” منح الجليل شرح مختصر خليل ” (3 / 424): ثم إنما يسافر بها لبلد تجري فيها الأحكام , وهو حرٌّ مأمون عليها ، والطريق مأمونة , والبلد قريب لا ينقطع خبرها عن أهلها ، ولا خبر أهلها عنها ، فالعبد لا سفر له بزوجته ، ولو أمة ، وتجري هذه الشروط في سفره بها حال يسره أيضا ” انتهى .
ثانيا:
يجب على الزوج أن يسكن زوجته سواء في السفر أو الإقامة في مسكن مناسب ، تأمن فيه على نفسها ومالها ، ومباشرة خصوصياتها .
جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (6 / 275) : ” ومن شروط المسكن : أن تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها ” انتهى .
وفي ” فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين ” (1 / 540) :” ولها عليه مسكن تأمن فيه ، لو خرج عنها ، على نفسها ومالها ، وإن قلَّ ، للحاجة ، بل للضرورة إليه ، يليق بها عادة ” انتهى .
وقد اختلف الفقهاء فيمن يعتبر به حال المسكن : فذهب الشافعية ومن وافقهم إلى أنه لا بد وأن يكون المسكن لائقا بالزوجة عادة , جاء في ” حاشية البجيرمي على الخطيب ” (4 / 96) : ” ولا بد أن يكون المسكن يليق بها عادة ، أي بحيث تأمن فيه على نفسها ومالها وإن قلَّ ، فلو لم تأمن أبدل لها المسكن بما تأمن على نفسها فيه ، والقاعدة : أن ما كان تمليكا كالنفقة والكسوة والأواني : يراعى فيه حال الزوج ، وما كان إمتاعا كالمسكن والخادم ، يراعى فيه حال الزوجة ” انتهى باختصار.
وذهب الحنابلة ومن وافقهم إلى أن المسكن يراعى فيه حال الزوجين ، فيكون على قدر يسارهما وإعسارهما , جاء في ” المغني ” لابن قدامة (8 / 200) : ” ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما ؛ لقول الله تعالى : ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) [الطلاق: 6] ، ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام ، فجرى مجرى النفقة والكسوة ” انتهى.
ومما سبق نعلم أن هذه الزوجة : يجب عليها أن تسافر إلى زوجها حيث طلب منها ، هذا إذا كان الزوج مأمونا ، وكان سيوفر لها مسكنا مناسبا لها تأمن فيه على نفسها ومالها ، وصحتها وخصوصياتها .
أما إذا كان المسكن غير مناسب بحيث تخشى على نفسها الهلاك ، أو على مالها من الضياع ، أو على صحتها من المرض : فلا يلزمها حينئذ السفر إليه ؛ لكن ذلك لا يعني سقوط حق الزوج عليها بالنقلة معه ، كلية ؛ بل تطلب منه أن يوفر لها مسكنا آخر ملائما ، تنتقل إليه فيه .
وينبغي للزوجة أن تراعي أمر زوجها ، وتتعاون معه في احتمال مشقات الغربة ، وطلب العيش ، وأن تكون له ، لا عليه .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android