عن معاوية بن الحكم السلمي ، قال : ” بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة إذ عطس رجل ، فقلت : يرحمك الله ، فحدقني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أماه ما لكم تنظرون إلي ، قال : فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يسكتوني سكت فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته دعاني …. ” إلى آخر الحديث .
السؤال : أشكلت عليّ عبارة : ” واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي ” ، كيف كانوا ينظرون إليه ، وهم لا يلتفتون في الصلاة ؟
ما معنى : ( فحدقني القوم بأبصارهم .. الحديث ) ، وهل يدل على جواز الالتفات في الصلاة ؟
السؤال: 216049
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الحديث المذكور : رواه مسلم (537) وغيره ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ : ” بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ؛ فَوَاللَّهِ : مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي ، وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ) ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..” الحديث .
قال النووي رحمه الله :
” قَوْلُهُ : ( وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ ) الثُّكْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ ، كَالْبُخْلِ وَالْبَخَلِ ، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ فِقْدَانُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا ، وَامْرَأَةٌ ثَكْلَى وَثَاكِلٌ ، وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ بِكَسْرِ الْكَافِ ، وَأَثْكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّهُ ، وَقَوْلُهُ : ( أُمِّيَاهُ ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ .
قَوْلُهُ : ( فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ) يَعْنِي فَعَلُوا هَذَا لِيُسْكِتُوهُ ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُشْرَعَ التَّسْبِيحُ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ .
قَوْلُهُ : ( فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ) فِيهِ : بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ عَظِيمِ الْخُلُقِ الَّذِي شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِهِ ، وَرِفْقِهِ بِالْجَاهِلِ ، وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ ، وَفِيهِ التَّخَلُّقُ بِخُلُقِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي الرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ ، وَحُسْنِ تَعْلِيمِهِ وَاللُّطْفِ بِهِ ، وَتَقْرِيبِ الصَّوَابِ إِلَى فَهْمِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي ) أَيْ مَا انْتَهَرَنِي ” انتهى من “شرح مسلم” للنووي (5/20) .
ثانيا :
سبق في جواب السؤال رقم : (160647) كراهة الالتفات بالرأس أو بالعين في الصلاة ، وأن الكراهة تزول إذا وجدت حاجة للالتفات .
وأما ما جاء في الحديث المذكور من أن الصحابة نظروا بأبصارهم في الصلاة لمعاوية بن الحكم رضي الله عن الجميع ، فيحتمل أن يكون المعنى : أنهم لمحوه بأعينهم في الصلاة من غير التفات ، واللمح بالعين في الصلاة جائز في مذهب طائفة من أهل العلم رحمهم الله .
فقد جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (27/111) : ” وقد صرح الشافعية : بجواز اللمح بالعين دون الالتفات ، فإنه لا بأس به ؛ لحديث علي بن شيبان رضي الله عنه ، قال : ( خرجنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه ، فلمح بمؤخر عينه رجلا لا يقيم صلاته – يعني صلبه – في الركوع والسجود , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ) ” انتهى .
ويحتمل أن يكون المراد : أنهم التفتوا بأعينهم حقيقة ، لكنه التفات لحاجة ، وهو الإنكار على من تكلم في الصلاة ؛ فتزول بذلك كراهة الالتفات .
قال محمد علي البكري الشافعي رحمه الله : ” وليس رميهم له بأبصارهم من الالتفات المنهي عنه ؛ لأنه يحتمل أن يكون بمجرد لمح أعينهم ، وبفرض كونه التفاتاً حقيقة ، فهو لحاجة لا يكره ” انتهى من ” دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ” (5/171) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة