0 / 0

أحاديث آل البيت الكرام ليست الأقل عددا من أحاديث بقية الصحابة

السؤال: 217881

سؤالي حول رواة الحديث ، فمعظم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم جاءت عن طريق عائشة وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين . ولكننا قلما نجد أحاديث مروية من طريق أهل البيت ، كعلي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين رضي الله عنهم أجمعين . بالرغم من أنهم أكثر الناس قرباً من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثر الناس وصولاً إليه ، فلماذا ذلك ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

مسألة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ليست قضية أرقام وسنوات ، بل لا بد عند النظر فيها من مراعاة عوامل عدة تؤثر في هذا الأمر ، وتتحكم في القضية ، ومن ذلك : كثرة الملازمة ، وطول العمر ، والتفرغ للتحديث والرواية ، وسن الراوي عند مصاحبته النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثرة الاختلاط بالناس ، والتأثير فيهم مع حاجة الناس إليه ، وأيضا عناية الراوي نفسه بهذا الشأن ، وبذل الوقت والجهد لأجله ، وعدم تعارضه في نفسه مع أولويات أو مقامات أخرى ، وغير ذلك من العوامل الكثيرة المؤثرة في عدد مرويات الراوي المنقولة إلينا ، وليس فقط عامل القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم .
وبهذا يمكننا تفسير ما ورد في السؤال ضمن البيانات الآتية :
أولا : ليس صحيحا أن أحاديث آل البيت الكرام عددها قليل ، بل كثير من آل البيت الكرام يعدون من المكثرين من الرواية ، فمثلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه له قرابة (423) رواية ، في حين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليس له سوى (59) رواية ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه له (240) رواية ، وعثمان بن عفان ليست له سوى (92) حديثا ، وهذا يعني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحده : له من الأحاديث في كتب السنة ما يفوق الخلفاء الثلاثة الأوائل مجتمعين ، فلا يصح أن يقال بعد ذلك إن آل البيت الكرام تقل مروياتهم في كتب السنة .

ثانيا : عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما توفيا سنة (57هـ) ، وعبد الله بن عمرو بن العاص توفي سنة (63هـ) وعبد الله بن عمر توفي سنة (73هـ) ، فمن الطبيعي أن يتمكن جميع هؤلاء من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أيامهم وأعمارهم التي طالت نسبيا ، فكثرت مروياتهم .
في حين أن فاطمة رضي الله عنها توفيت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر فقط ، وقيل بثلاثة أشهر . ينظر " تاريخ الإسلام " (2/29) ، فلم تدرك أن تروي وتحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام ما أدركه آخرون من الصحابة ، وكلهم أصحاب سبق وفضل عند الله .
وهذا من أهم أسباب تفاوت أعداد المرويات – في نظرنا – ، وهو سبب – كما ترى – لا يرتبط بأبعاد سياسية ولا عقائدية ، خلافا لمن لا يقرأ التاريخ إلا من منظوره المتعصب .

ثالثا : لا ينبغي للسائل أن ينسى أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، هو من المكثرين جدا من الروايات ، وله في كتب السنة والآثار نحو من (1184) حديثا ، في مقابل (1153) لعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما . وفي مقابل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، الذي لم تزد مروياته على (72) حديثا .
كما لا ينبغي أن ينسى أمثال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، وقد كان المطلوب الأول من حكام الدولة الأموية – ظلما وعدوانا – ، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك له في كتب السنة نحو من (43) حديثا ، في مقابل طلحة بن عبيد الله الذي لم تزد أحاديثه على (21) حديثا ، رغم اختلافه مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وانحيازه إلى طرف خصومه .
فليس للحكم السياسي تأثير في أعداد مرويات الصحابة الكرام ، كما أنه ليس لقضية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه ، من عدم ذلك : تأثير في أعداد المرويات .

رابعا : من المعلوم أيضا أن كلا من الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولدا سنة (4هـ) ، وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عنهما صغارا ، لم يبلغا الحلم ، الأمر الذي سيؤثر ولا شك على مروياتهما ، حيث لم يشهدا المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يشتغلا بالتحديث في حياتهما ، نتيجة انشغالهما بتوحيد الأمة ، وجمع الكلمة ، ودرء الظلم والعدوان ، والنوازل والفتن التي شهدها عمرهما القصير ، فتوفي الحسن سنة (49هـ) ، واستشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما سنة (61هـ) ، فلم تزد مروياتهما مجتمعين رضي الله عنهما عن (20) حديثا فقط .
ومن هذا الباب : ما كان من شغل خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجهاد في سبيل الله ، وحماية ثغور المسلمين ، فلم تزد مروياته في كتب السنة على عشرة أحاديث فقط .

وليس ذلك بالأمر الغريب ، فزوجات النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس صحبة له ومعرفة بأموره وسيرته عليه الصلاة والسلام ، وتزوجهن كبارا ، وتأخرت وفاتهن ، وليس لهن في كتب السنة سوى القليل من الأحاديث ، فجويرية (5) خمس روايات ، وحفصة (24) ، ورملة (أم حبيبة) (21) ، وزينب بنت جحش (6) ، وسودة بنت زمعة (3) ، وصفية بنت حيي (7) ، وميمونة بنت الحارث (36) ، وأم سلمة (هند بنت أبي أمية) (174) ، أي أن مجموع مرويات أمهات المؤمنين مجتمعة – عدا عائشة رضي الله عنها – تبلغ (276) ، على نحو النصف من روايات واحد من آل البيت الكرام ، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .

ولا يمكن لأحد أن يدعي في تفسير هذه الظاهرة تأثير الأسباب السياسية أو القبلية ، ومن ظن ذلك فقد خالف مقتضى العقل السليم ، بل إن الأمر يعود – كما قلنا – إلى التخصص الذي ييسره الله عز وجل في كل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنهم من شأنه الجهاد ، ومنهم شأنه ولاية أمور المؤمنين ، وآخر حياته في العبادة والنسك ، ورابع وقته في العمل ، وآخر يتولى الولاية التي تشغله عن التفرغ للتحديث ، وهكذا في أسباب كثيرة يمكن التأمل بها في سير الصحابة الكرام ، وقد نص على أحدها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه حيث يقول : ( مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ ) رواه البخاري (113) ، فأثبت هنا ( الكتابة ) سببا مهما من أسباب وجود الفوارق بين الصحابة الكرام في عدد المرويات .

ولقد أشار أبو هريرة رضي الله عنه بنفسه إلى دفع شيء من هذه الشبهات ، وبيان أحد الأسباب المهمة في تفاوت الناس في الرواية : شغل راو ، وفراغ آخر :
روى البخاري في " باب حفظ العلم " من "صحيحه" (118) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ؛ وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ، ثُمَّ يَتْلُو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) إِلَى قَوْلِهِ : ( الرَّحِيمُ ) [البقرة/159-160] ؛ إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ !!

خامسا : ثم إن المكانة والفضل والمنزلة لا تتحدد لدى أهل السنة بكثرة الرواية ، وإلا لكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أدنى منزلة من غيره ، نظرا لقلة بل ندرة رواياته ، بل العبرة بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفضائل ، وما ورد في سيرة الصحابي من المكارم .
ولا يخفى أن لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا : من الفضل وسَنّي المقام لدى أهل السنة ، ما لا يجهله عاقل ، ولا يجحده إلا جاهل ، أو معاند ؛ كيف لا وهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحبابه ، وخاصته الذين وصانا بهم ، وحدثنا عن فضائلهم ، وقد روت كتب السنة مئات المرويات في فضائلهم ، فلو كانت السياسة سببا في إخفاء روايات آل البيت الكرام ، فلأن تكون سببا في إخفاء الأحاديث الواردة في فضلهم أولى وأجدر ، ومع ذلك ثبتت في كتب السنة ، وفي كتب عقائد أهل السنة مئات الأحاديث في فضائلهم رضي الله عنهم ، ومن غير مروياتهم هم أنفسهم ، فلم يكونوا محتاجين إلى تتبع ذلك ، أو تكلف ضبطه ونشره ، إذ كان فاشيا في الناس ، معلوما مقررا ، لا يخفى على أحد ، ولا يتعثر على طالب ؛ أفليس ذلك دليلا كافيا على بطلان أي وهم متعصب في فهم هذه القضية !!
نرجو أن نكون قد وقفنا بالسائل الكريم على شيء من حقائق هذا الباب ، وإلا فالأمر يحتمل الكثير من التفصيل ، والكثير أيضا من ذكر الإحصاءات ، وإعادة النظر فيها .

ملاحظة : جميع الأرقام الواردة في هذا الجواب أخذناها عن كتاب " المسند الجامع " ، وفيه أحاديث الكتب الستة ، ومؤلفات أصحابها الأخرى ، وموطأ مالك ، ومسانيد الحميدي ، وأحمد بن حنبل ، وعبد بن حميد ، وسنن الدارمي ، وصحيح ابن خزيمة . وهو من تحقيق وترتيب كل من الدكتور بشار عواد معروف ، السيد أبو المعاطي محمد النوري ، أحمد عبد الرزاق عيد ، أيمن إبراهيم الزميلي ، محمود محمد خليل . يقع في (22) مجلدا ، طبعته دار الجيل ، وقد اخترنا أخذ الأعداد من هذا الكتاب نظرا لاكتمال تأليفه ، وترتيبه على مسانيد الصحابة ، وجمعه قدرا كبيرا من كتب الرواية ، وحسن ترتيبه وترقيمه ، غير أننا ننبه إلى أن الأرقام تشمل الأحاديث الصحيحة والضعيفة ، وتشمل المكرر إذا روي عن أكثر من تابعي عن الصحابي الجليل ، فيتعدد الترقيم بتعدد هؤلاء التابعين . كما شرح ذلك في المقدمة (1/12) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android