أنا شاب أبلغ من العمر 20 عاماً ولكن صوتي ليس كصوت الرجال ولحيتي لم تنبت، وبسبب هذا الأمر أتعرض لكثير من المواقف والمشاكل فقد تعرضت في بعض المواقف للتحرش من بعض الشاذين جنسياً من المسلمين وغير المسلمين حين أخبروني دون أي خجل بانجذابهم لي، وقد فشلت كل محاولاتي للحصول على العضلات وصوتي لا يزال حاداً كصوت النساء فعندما أتحدث على الهاتف أو من وراء الباب يظنني الناس فتاة ولم تنجح محاولاتي في تخشين صوتي، وبسبب هذا الأمر أتعرض للسخرية من قبل الشباب في سني وأصبحت حياتي الاجتماعية سيئة بسبب ذلك بل وأصبحت هذه المشكلة تقف عائقاً في وجهي عند بحثي عن عمل أو وظيفة. فلماذا ابتلاني الله بهذا الأمر؟ وما هي الحكمة من سلبي رجولتي بهذا الشكل؟ ألم يلعن الله المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال؟ لا أريد العيش هكذا طوال حياتي ولا استطيع أخذ الهرمونات (الذكرية) لأنّ ذلك إثم لا يجوز لإنه يدخل في باب تغيير خلق الله. وبسبب غضبي مما أنا فيه ويأسي فكرت في التواصل مع الجن لأطلب منهم منحي صوتاً رجولياً ولكنني عدت إلى رشدي ولم أفعل ذلك، فماذا أفعل؟ وإذا قرأت القرآن فإنني أخجل من نفسي بسبب صوتي وأغلق المصحف وأدخل في حالة من الاكتئاب طوال الليل.
يشكو نعومة صوته الذي يشبه صوت النساء وما يعانيه بسبب ذلك
السؤال: 218008
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
على المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره ، ويسلم لربه سبحانه تسليم المؤمن الموقن ، وألا يتزلزل إيمانه بمجرد حصول مكروه له ، فأمر المؤمن كله خير ، فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) . وقال أيضا (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا) رواه أحمد (2800) وصححه الألباني في “الصحيحة” (2382) .
ثانيا :
ينبغي أن تعرض حالتك على الأطباء المختصين ، وعمل الفحوص والتحاليل اللازمة ، فقد يكون هذا مرضا يعالج بتعاطي هرمونات ذكورية ، لتنشيط عوامل الذكورة ، وليس في ذلك إثم ، إذا قرر الأطباء أن هذه حالة مرضية تحتاج إلى علاج وزوال الاشتباه ، فإن ذلك من التداوي والأخذ بالأسباب ، وليس من تغيير خلق الله ، كما سبق بيان ذلك في إجابة السؤال رقم : (193236) و (149617) و (180483) .
ثالثا :
أما عدم نبات اللحية فقد يكون ذلك طبيعيا ، إذ كثير من الناس لا تنبت له لحية ، وقد تكون في حاجة إلى علاج بهرمونات أو غيرها فلا مانع من ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن اللحية إذا كان فيها نقاط في الوجه وليست كاملة ولا كثيرة، يقال: إن هناك علاجاً تُعالَج به، فتكتمل، فهل هذا يجوز أم لا؟
فأجاب :
” إذا كان يُرْجَى نباتُه بنفسِه فلا يحاول؛ لأن هذا ليس بعيب، إذْ إن كثيراً من الشباب الذين في ابتداء نبات لِحاهُم لا تنبت اللِّحَى مستوية جميعاً، فينتظر.
أما إذا كان عيباً بحيث نعلم ونيأس أنه لن ينبت بنفسِه فلا حرج أن يعالج ذلك حتى يخرج الباقي، لا سيما إن كانت مشوهة ” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (41/ 15) بترقيم الشاملة .
رابعا :
ما تتعرض له من التحرش من قبل بعض السفهاء هو من الابتلاء الذي يجب عليك الصبر عليه ، كما يجب عليك مدافعة هؤلاء وزجرهم . وهذا مما يكفر عنك سيئاتك ويرفع درجتك عند الله تعالى كما هو الشأن في أي بلاء يبتلى به المسلم .
خامسا :
أحسن الظن بالله فيما ابتلاك به ، ولا تتسخط القدر ولا تتبرم من المصيبة ، ولكن ارض وسلم واصبر ، فإن مع العسر يسرا ، وإن الفرج مع الكرب ، وإن الله تعالى يبتلي عبده المسلم ليكفر عنه سيئاته ، ويرفع له درجاته ، ويضاعف له الأجر ، وإنما يبتلى المرء على حسب دينه .
وقد روى الترمذي (2398) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ : ( الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) صححه الألباني في “صحيح الترمذي” .
وروى ابن ماجة (4024) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( ثُمَّ الصَّالِحُونَ ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يُحَوِّيهَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ ) صححه الألباني في “صحيح ابن ماجة” .
ولا يصيب المؤمن مكروه فيصبر عليه إلا كان خيرا له من حيث يدري أو لا يدري ، قال الله تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة / 216 .
قال ابن القيم رحمه الله : ” العبد لا يريد مصلحة نفسه من كل وجه ولو عرف أسبابها ، فهو جاهل ظالم ، وربه تعالى يريد مصلحته ويسوق إليه أسبابها ، ومن أعظم أسبابها : ما يكرهه العبد ؛ فإن مصلحته فيما يكره أضعاف أضعاف مصلحته فيما يحب ” انتهى .
“مدارج السالكين” (2/ 205) .
ولا تقل : لماذا ابتلاني الله بهذا ؟ فإن الله لا يسأل عما يفعل سبحانه ، ولكن أحسن الظن بالله .
ولم يسلبك الله رجولتك كما تعتقد ، ولكن ابتلاك فيها فإن صبرت ورضيت أجزل لك المثوبة والعطاء .
ولا علاقة لحالتك بالتشبه بالنساء ، فأنك لم تفعل شيئا تتشبه فيه بالنساء ، ولكنه بلاء يجب عليك الصبر عليه ، ولا تيأس .
سادسا :
قد أحسنت في عدم الاستعانة بالجن في هذا ، فإن الاستعانة بهم قد تجر الإنسان إلى الخروج من الإسلام .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” الاستعانة بالجن أو الملائكة والاستغاثة بهم لدفع ضر أو جلب نفع أو للتحصن من شر الجن شرك أكبر يخرج عن ملة الإسلام – والعياذ بالله” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (1/ 134-135) .
سابعا :
لا تستجب للشيطان الذي يريد أن يصدك عن قراءة القرآن ويجعلك دائما كئيبا حزينا ، فأقبل على عبادة ربك وطاعته ، وأحسن الظن به ، وأكثر من الدعاء والتضرع ، وخذ بالأسباب ، واذهب إلى أهل الاختصاص من الأطباء ، ولا تستسلم فيلهو بك الشيطان ، وعش حياتك بصورة طبيعية ، ولا تجعل للكآبة إليك سبيلا ما أمكنك ذلك ، وعليك بأدعية الكرب ، فإن المكروب قريب من ربه .
انظر إجابة السؤال رقم : (149276) لمعرفة أدعية الكرب والهم .
والله سبحانه هو المسئول أن يكشف عنك الضر ، ويرفع عنك هذا البلاء بعفوه ورحمته .
وانظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (138451) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة