تنزيل
0 / 0

هل ” القابض ” من أسماء الله الحسنى ؟

السؤال: 218084

هل صحيح أن هذه الأسماء الأربعة مذكورة في صحيح أبي داوود ؟
وهي القابض والباسط ، والمسعر , والرازق ؟
لو كانت الإجابة بنعم , فليس هناك مشكلة في إثبات الثلاثة الأخيرة ، لكن كيف نقول الله القابض ؟ ألا تبدو هذه صفة سلبية ؟ كيف أثبت ابن عثيمين اسم القابض على أنه اسم من أسماء الله , بالرغم من أن الحقيقة أنه ذكر في كتابه على أن أهم مبادئه أن أسماء الله كلها أسماء جمال ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى أبو داود (3451) ، والترمذي (1314) وصححه ، وابن ماجة (2200) عَنْ أَنَسٍ قال :
” قال النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى
اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ
) .
وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” ، وله شواهد .

استدل بعض أهل العلم بهذا
الحديث ، على أن من أسماء الله تعالى : الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ
الرَّازِقُ .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله :
” القاعدة في أسماء الله وصفاته أن كل ما أضيف إلى الله بصيغة المشتق ، كالخالق
والخلاق والرازق والرزاق والفتاح فإنه اسم من أسمائه سبحانه وتعالى ، ومعلوم أن ما
ورد في القرآن من هذا : لا يختلف الناس في اعتباره اسماً من أسمائه سبحانه وتعالى ؛
كأسمائه المذكورة في آخر سورة الحشر ، وأسمائه التي خُتِم بها كثير من الآيات ،
كالعليم والخبير والحكيم والغفور وعالم الغيب وعلام الغيوب والقوي والمتين، وهكذا
ما ورد في السنة من الألفاظ التي أضيفت إلى الله ، وهي بصيغة المشتق كما تقدم، ومن
ذلك : الجميل ، الرفيق ، والمسعر ، والقابض ، والباسط ، كما جاء في الحديث ” انتهى
.

http://ar.islamway.net/fatwa/8532

وينظر : ” المحلى ” لابن حزم (6/ 282) ، ” الاعتقاد ” للبيهقي (ص59) ، ” نيل
الأوطار ” للشوكاني (5/260) .

وذهب آخرون من أهل العلم :
إلى أن هذه ليست من الأسماء الحسنى ، وإنما يُخبَر بها عن الله تعالى .
سئل الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله :
هل المسعر والقابض والباسط من أسماء الله عز وجل أم من صفاته ؟
فأجاب :
” لا أسماء ولا صفات ، ولا يجوز أن تكون أسماء ولا صفات ، ولكن الله يُخبَر عنه
بأنه يفعل هذه الأشياء ، وباب الخبر واسع ، كما يقال : إن الله موجود ، وإنه شيء ،
ولا يسمى بأنه موجود ، ولا بأنه شيء، وباب الخبر واسع ” .
انتهى من ” شرح العقيدة الواسطية ” (10/ 17) بترقيم الشاملة آليا .
وهو ما قرره أيضا : الشيخ عبد المحسن العباد ، كما في ” شرح سنن أبي داود ” (18
/60)

فالمسألة محل خلاف بين أهل
العلم ، والخلاف فيها سائغ ، وكلٌّ يتكلم بما أداه إليه اجتهاده .

ثانيا :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” صفات الله تنقسم إلى قسمين :
ثبوتية ، وسلبية :
فالثبوتية : ما أثبتها الله لنفسه كالحياة ، والعلم ، والقدرة ، ويجب إثباتها لله
على الوجه اللائق به ؛ لأن الله أثبتها لنفسه وهو أعلم بصفاته .
والسلبية : هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم ، فيجب نفيها عن الله لأن الله نفاها
عن نفسه ، لكن يجب اعتقاد ثبوت ضدها لله على الوجه الأكمل ؛ لأن النفي لا يكون
كمالا حتى يتضمن ثبوتا ” .
انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (5 /15) .

القابض ، الباسط : من أسماء
الله تعالى المتضمنة صفات ثبوتية لا سلبية ، وإنما هي من فعل الله في خلقه ،
وتدبيره لأمر عباده .
ثم هي كمال محض ، وليست نقصا ، ولا سلبا محضا ، لو قدر أنها سلب ؛ فالله عز وجل ،
لكمال اقتداره ، وقهره لخلقه على ما شاء ، وتصريفه لأمر خلقه : يبسط الرزق لمن يشاء
، ويقدر ، فليس هو بالذي يبسطه دائما ، من غير حكمة ، ولا هو بالذي يقبضه دائما من
غير حكمة ، بل من كماله وجماله وجلاله : أن يبسط الرزق إذا شاء ، على من شاء ،
ويقبضه : إذا شاء ، عمن شاء .
قال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ
كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) الإسراء/30 ، وقال تعالى أيضا : ( مَنْ ذَا
الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً
وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) البقرة/245 .
قال ابن كثير رحمه الله :
” وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ أَيْ: أَنْفِقُوا وَلَا تُبَالُوا
فَاللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فِي
الرِّزْقِ وَيُوَسِّعُهُ عَلَى آخَرِينَ ، لَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي
ذَلِكَ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَيْ: يوم القيامة ” انتهى من ” تفسير القرآن
العظيم ” (1/664) .

رابعا :
من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله , فإذا أطلق وحده أوهم
نقصا ، تعالى الله عن ذلك , فمنها المعطي المانع , والقابض الباسط , والمعز المذل .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” أسماؤه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره وهو غالب الأسماء ، كالقدير
والسميع والبصير والعزيز والحكيم ، وهذا يسوغ أن يدعى به مفردا ومقترنا بغيره
فتقول: يا عزيز يا حليم يا غفور يا رحيم ، وأن يفرد كل اسم ، ومنها ما لا يطلق عليه
بمفرده ؛ بل مقرونا بمقابله ؛ كالمانع والضار والمنتقم ، فلا يجوز أن يفرد هذا عن
مقابله ، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو ، فهو المعطي المانع ، الضار النافع ،
المنتقم العفو ، المعز المذل ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله ،
لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية ، وتدبير الخلق ، والتصرف فيهم ، عطاء ومنعا ،
ونفعا وضرا ، وعفوا وانتقاما ، وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار :
فلا يسوغ .
فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض
حروفه عن بعض ، فهي وإن تعددت : جارية مجرى الاسم الواحد ، ولذلك لم تجيء مفردة ،
ولم تطلق عليه إلا مقترنة ، فاعلمه .
فلو قلت: يا مذل ، يا ضار ، يا مانع ، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ، ولا حامدا
له ، حتى تذكر مقابلها ” انتهى من ” بدائع الفوائد ” (1/ 167) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (20476)
، ورقم : (84270) .

والظاهر أن ” القابض ” ، عند
من عده من أسماء الله الحسنى ، هو من هذا الباب ؛ ولا يظهر كماله إلا إذا اقترن
باسم ” الباسط ” ؛ فإن الله هو القابض الباسط سبحانه.

قال الزجاج رحمه الله :
” ( الْقَابِض الباسط ) الْأَدَب فِي هذَيْن الاسمين أَن يذكرَا مَعًا ؛ لِأَن
تَمام الْقُدْرَة بذكرهما مَعًا ، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت إِلَى فلَان قبض
أَمْرِي وَبسطه دلا بمجموعها أَنَّك تُرِيدُ أَن جَمِيع أَمرك إِلَيْهِ ” انتهى من
” تفسير أسماء الله الحسنى ” (ص 40) .
وقال الخطابي رحمه الله :
” ( القَابِضُ البَاسِطُ ) قدْ يَحْسُنُ فِي مِثل هذَيْنِ الاسْمين أنْ يُقْرَنَ
أحَدُهُمَا في الذكْرِ بالآخَرِ، وَأنْ يُوصَلَ بِهِ فيَكُوْنَ ذَلِكَ أنْبَأ عَنِ
القُدْرَةِ ، وَأدَلَّ عَلَى الحِكْمَةِ ، كَقَوْلهِ تعالى: ( وَاللهُ يَقْبِضُ
ويبْسُطُ وَإلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ ) البقرة/245 .
وَإذا ذَكَرْتَ القَابِضَ مُفْرَدَاً عَنِ البَاسِطِ : كُنْتَ كَأنكَ قَدْ قَصَرْتَ
بِالصفَةِ عَلَى المَنْعِ والحِرْمَانِ ، وَإذَا أوْصَلْتَ أحَدَهُمَا بِالآخَرِ ،
فَقَدْ جَمَعْتَ بَيْنَ الصِّفَتين ، مُنْبِئَاً عَنْ وَجْهِ الحِكْمَةِ فِيْهِمَا
.
فَالقَابِضُ البَاسِطُ : هُوَ الذِي يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُقَترُهُ ،
وَيَبْسُطُهُ بِجُوْدِهِ وَرَحْمَتِهِ ، ويقْبِضُهُ بِحِكْمَتِهِ عَلَى النظَرِ
لِعَبْدِهِ كَقَوْلِهِ : (وَلَوْ بَسَطَ الله الرزْقَ لِعِبَاده لَبَغَوْا فِيْ
الأرْضِ وَلَكِنْ يُنَزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) الشورى/27 ” انتهى من ” شأن الدعاء
” (1/ 57-58) .
وقال قوام السنة الأصبهاني ، رحمه الله :
” وَمن أَسمَاء اللَّه تَعَالَى: الْقَابِض الباسط : قَالَ اللَّه تَعَالَى : (
وَالله يقبض ويبسط) وَمَعْنَاهُ : يُوسع الرزق ويقتره ، يبسطه بجوده ، ويقبضه بعدله
؛ عَلَى النّظر لعَبْدِهِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ
الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْض ) ” .
انتهى من ” الحجة في بيان المحجة ” (1/ 152) .

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android