أنا سيدة متزوجة ، ولدي ثلاث بنات وطفل ، أكبر بناتي عمرها ست سنوات ، وأصغرهن سبعة أشهر ، أعيش حياة طبيعية فيها بعض المشاكل التي لا يخلو منها أي بيت ، منذ خمسة أشهر قرأت موضوعا عن علامات الساعة الصغرى والكبرى ، وبحثت في الموضوع كثيرا بدافع الفضول ، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعاني من قلق كبير ، أدخلني في دوامة اكتئاب رهيبة ، صرت أخاف كثيرا ، ولا أهتم لمظهري ، ولا أستطيع مزاولة أشغالي بالكفاءة السابقة ، لما أستيقظ صباحا لا أستطيع مغادرة الفراش لأني لا أرغب في أي شيء ، أكره الاستحمام وترتيب نفسي ،
بت أنظر لأطفالي بكل حزن ، وأعاملهم بقسوة ، أحيانا صرت أضربهم وأصرخ عليهم كثيرا ، وأندم كل الندم لأني أنجبتهم ، أبكي كثيرا لأني وأطفالي سنعيش في هذه الفتن ، سيرفع القرآن وسيظهر المسيح الدجال ، وستشرق الشمس من مغربها ، فخوفي كبير على نفسي وزوجي وأكبر على أطفالي .
هل تُصدق أخي أن أكثر ما ندمت عليه هو إنجابي لهم ، أعلم أن الله قد قدر لي هذا سابقا ، لكن خوفي قد جعل نظرتي للمستقبل أنه فتن ونهاية يصعب فيها أن يثبت الإنسان ، أقول في نفسي قد تظهر العلامات الكبرى وأطفالي أصبحوا شبابا ، ما مصيرهم ؟
صرت أخاف من مشاهدة الأخبار والمظاهرات أو تجمهر الأشخاص ،
أحس أني على وشك الجنون ، فلو حدث لي شيء سيء مثلا ( أفقد شخصا عزيزا أو حادثا أو زلزالا ) سأجن حينها ، فأنا لست قادرة على تحمل أي خبر أو منظر مخيف .
أرجو أن تفسر لي سبب هذه المخاوف ، هل هي طبيعية أم تحتاج علاجا . كيف لي أن أعيش بهدوء وهذه العلامات قد ظهرت ونحن نعيشها ، هل خوفي على أطفالي بهذا الشكل عادي أم أنه دخل حيزا خطيرا وهو علم الغيب .
هل أحاسب على تقصيري مع زوجي وأطفالي ومعاملتي القاسية معهم رغم أن هذا خارج عن إرادتي ؟
كيف أستغل هذا الخوف للعمل للآخرة دون أن يحبطني ويؤثر سلبا على حياتي ؟
أصابها خوف شديد من قيام الساعة في أي لحظة
السؤال: 218391
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
لا ييأس الشيطان من ابن آدم أن يقطع عليه الطريق ، إن لم يكن من جهة المعاصي والموبقات ، فمن جهة العقائد والطاعات ، حتى لو تَعَلَّم المسلم عقيدة صحيحة فإن الشيطان يحرص على أن يحولها من كونها عقائد منتجة دافعة إيجابية ، إلى عوامل تثبيط وإحباط ويأس ووسواس ، فتنقلب بذلك حياة المسلم شقاءً ، وقد كان المفترض أن ترتقي سعادة ونجاحا وهناء .
وهذا ما وقع لك ، فهِمْت الأمر على غير وجهه ، وبالغت في الاسترسال مع المخاوف التي لا مبرر لها ، وساعدك على ذلك الأحداث التي تقع في بعض البلاد الإسلامية ، فخرج بك الحال إلى وضع مرضي طارئ ، لا بد أن تعملي على علاجه فورا ، ومن غير تردد ولا تأخير .
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بعلامات الساعة وعلِمَها أصحابُه رضي الله عنهم ، ومع ذلك لم يُصَب هو ولا أصحابه الكرام بمثل ما أصابك .
ثانيا :
المقصود من العلم بأشراط الساعة معرفة قرب الساعة ثم يتبع ذلك حسن الاستعداد لها ، بطاعة الله ، بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، بحسن الخلق ، بحسن تربية الأولاد ، بالصبر على ما يصيب المسلم في هذه الحياة الدنيا من مصائب … إلخ .
ولا ينبغي أن يثمر العلم بها يأسا وإحباطا وسوء خلق وقلة صبر .
والمسلم التقي هو الذي يطيع الله تعالى ويحسن الظن به سبحانه ، ويتفاءل وينتظر الخير في مستقبله ، ولا يبالغ في الخوف مما سيأتي كي لا يخسر حاضره بخوف موهوم ، ولكي لا يخالف هدي نبينا عليه الصلاة والسلام ، وهو أتقى الناس وأخشاهم لله ، وعنده من العلم ما خفي علينا فقال : ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ) رواه البخاري (1044) ، ومسلم (901) ومع ذلك عاش حياة مليئة بالعمل ، مفعمة بالجد والاجتهاد ، شعارها الإقبال على الله سبحانه ، وحسن الظن به ، والإيمان بسعة رحمته وفضله وكرمه ، وأن الرحمن الرحيم ، الجواد الكريم ، الرؤوف اللطيف ، أرحم بنا من أنفسنا ، لن يكلنا إلى ضعفنا وعجزنا ، بل يمنحنا الصبر والتحمل لما كتب علينا من البلاء، وعزاؤنا جميعا أننا إلى الجنة صائرون بإذن الله ، وبها نلتقي بجميع أهلنا وأحبابنا ، ونسعد سعادة لا نشقى بعدها أبدا ، ولكن لنحسن العمل ، ولنتق الله في أيامنا ، في أعمالنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وعباداتنا ، وحينها لا يضرنا في أي لحظة قامت علينا قيامتنا .
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم – وهو قدوتنا – كان يدخر لأهله قوت سنة من الطعام ، وكان يأكل الطعام ويستطيبه ، ويضاحك أصحابه ، ويتزوج النساء ، ويتزين للضيوف والوفود ، ويشاهد لعب الحبشة بسيوفهم ، ويلاعب أحفاده كالحسن والحسين ، ويسابق زوجته عائشة رضي الله عنها ، ويزور أصحابه وجيرانه ، ويرسل الجيوش ، ويمارس الحياة اليومية التي تليق بمثله عليه الصلاة والسلام . وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم من علم الساعة ومخاوفها ما لا نعلم نحن .
لكن علمه صلى الله عليه وسلم كان علما إيجابيا ، ولم يكن سلبيا . فالنصيحة لك أن تجعلي ذلك العلم نافعا لك ، فيدفعك إلى مزيد من طاعة الله وإلى مزيد من حسن الخلق وتربية الأولاد والاعتناء بهم وبالزوج .
والتوسط والاعتدال في الأمور هو سبب كل خير ، فالغافل عن الآخرة ، والذي يبالغ في الخوف منها حتى يقع في اليأس والقنوط كلاهما مخطئ ، والمتوسط الذي دفعه ذلك الخوف إلى حسن العمل وحسن الظن بالله هو المصيب الموفق للخير .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب