ماذا يقصد الإمام الحاكم عندما يقول “على شرط البخاري ، أو مسلم ، أو على شرط الشيخين”؟ على حد فهمي أنه يقصد بذلك أن رجال السند هم نفس رجال الصحيحين أو أحدهما ، وقد نجد في الترمذي حديثاً من رواية قتيبة بن سعيد ، عن وكيع بن الجراح ، عن سفيان الثوري ، عن سليمان الأعمش ، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عباس ، فهؤلاء كلهم رجال الصحيحين، فيما يظهر لي ، فهل يمكن القول إذاً إن الحديث على شرط الشيخين ؟
وماذا عن تعليقات البخاري ؟ كيف نتعامل معها ؟
الجواب : ما معنى قول أهل العلم عن الحديث : ” صحيح على شرط الشيخين ” ؟
السؤال: 218507
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
معرفة كون الحديث صحيحا على شرط الشيخين أمر يحتاج إلى بحث مفرد ، لكن نذكر هنا من أقوال أهل العلم ما يحصل به المقصود ، إن شاء الله .
قال الزركشي رحمه الله :
” قَالَ الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي : اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين إِذا قَالُوا على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم : أَن ذَلِك مخرج على نَظِير رجال الصَّحِيحَيْنِ .
واصطلاح الْمُتَأَخِّرين إِذا كَانَ على رجال الصَّحِيحَيْنِ ، وَبِهَذَا جزم النَّوَوِيّ وَغَيره فَقَالَ: المُرَاد بشرطهما : أَن يكون رجال إِسْنَاده فِي كِتَابَيْهِمَا ، على مَا ذكرنَا .
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل : لما كَانَ مُرَاد البُخَارِيّ إِيدَاع الصَّحِيح فِي كِتَابه ، صَار من يروي عَنهُ رِوَايَة موثوقا بِهِ ، فَجَائِز لمن حذا حذوه أَن يحْتَج بِهِ بِعَيْنِه ، وَإِن كَانَ فِي غير ذَلِك الْخَبَر ؛ فَإِذا روى مَالك وَاللَّيْث بن سعد وَعقيل وَيُونُس وَشُعَيْب وَمعمر وَابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ ؛ فقد صَار هَؤُلَاءِ بأجمعهم من شَرطه فِي الزُّهْرِيّ حَيْثُ وجدوا ، إِذا صحت الرِّوَايَة عَنْهُم ، فَأَيهمْ جِيءَ بَدَلا عَن الآخر: كَانَ شَرط البُخَارِيّ فِيهِ مَوْجُودا .
وَقَالَ ابْن طَاهِر: إِن الْأَئِمَّة الْخَمْسَة ، البُخَارِيّ وَمُسلمًا وَأَبا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ : لم ينْقل عَن وَاحِد مِنْهُم أَنه قَالَ : شرطت فِي كتابي أَن أخرج على كَذَا ؛ لَكِن لما سُبِرت كتبهمْ ، عُلم بذلك شرط كل وَاحِد مِنْهُم ؛ فَشرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن يخرجَا الحَدِيث الْمجمع على ثِقَة نقلته ، إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور ، فإن كَانَ للصحابي راويان فَصَاعِدا : فَحسن وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد ، وَصَحَّ ذَلِك الطَّرِيق إِلَى ذَلِك الرَّاوِي : أَخْرجَاهُ ، إِلَّا أَن مُسلما أخرج حَدِيث قوم ، وَترك البُخَارِيّ حَدِيثهمْ لشُبْهَة وَقعت فِي نَفسه ، كحماد بن سَلمَة وَسُهيْل بن أبي صَالح .
وَقَالَ الْحَازِمِي: مَذْهَب من يخرج الصَّحِيح أَن يعْتَبر حَال الرَّاوِي الْعدْل : فِي مشايخه ، وفيمن روى عَنْهُم وهم ثِقَات أَيْضا ، وَحَدِيثه عَن بَعضهم صَحِيح ثَابت يلْزمهُم إخراجه ، وَعَن بَعضهم مَدْخُول لَا يصلح إِخْرَاجه إِلَّا فِي الشواهد والمتابعات ، وَهَذَا بَاب فِيهِ غموض ، وَطَرِيقه : معرفَة طَبَقَات الروَاة عَن رَاوِي الأَصْل ، ومراتب مداركهم ” .
انتهى باختصار من ” النكت على مقدمة ابن الصلاح ” (1/ 257-267) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَأَمَّا ” شَرْطُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ “: فَلِهَذَا رِجَالٌ يروي عَنْهُمْ يَخْتَصُّ بِهِمْ ، وَلِهَذَا رِجَالٌ يروي عَنْهُمْ يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي رِجَالٍ آخَرِينَ ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّفَقَا عَلَيْهِمْ عَلَيْهِمْ مَدَارُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ .
وَقَدْ يَرْوِي أَحَدُهُمْ عَنْ رَجُلٍ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ دُونَ الْأَصْلِ ، وَقَدْ يَرْوِي عَنْهُ مَا عَرَفَهُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ ، وَلَا يَرْوِي مَا انْفَرَدَ بِهِ ، وَقَدْ يَتْرُكُ مِنْ حَدِيثِ الثِّقَةِ مَا عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ ، فَيَظُنُّ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ : أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ عِلَلِ الْحَدِيثِ عِلْمٌ شَرِيفٌ يَعْرِفُهُ أَئِمَّةُ الْفَنِّ : كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ وَالدَّارَقُطْنِي وَغَيْرِهِمْ .
وَهَذِهِ عُلُومٌ يَعْرِفُهَا أَصْحَابُهَا ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18/ 42) .
ويقول الشيخ عبد الله الجديع :
” فالواجب اعتباره لفهم شرط الشيخين فيما انتقياه أمور أهمها:
أولاً: أن يلاحظ أنهما يخرجان للراوي أصولاً ومتابعات وشواهد ، فمن خرجا له في غير الأصول ، فليس على شرط الصحيح.
ثانياً: أنهما يخرجان حديث الراوي عن بعض شيوخه ، ولا يخرجانه عن شيخ معين مع ثقة ذلك الشيخ ؛ لكون الراوي عنه ضعيفاً فيه ، وذلك كسفيان بن حسين خرجا له ما لم يكن من حديثه عن الزهري ؛ لأنه كان ضعيفاً فيه.
ثالثاً : يخرجان للشيخ في بعض حديثه ضعف ، فينتقيان منه ما هو محفوظ دون سائره ، كتخريجهما لإسماعيل بن أبي أويس وشبهه.
رابعاً: يخرجان من روايات الثقات الموصوفين بالتدليس ما ثبت أنهم لم يدلسوا فيه، أو الذين اختلطوا في أواخر أعمارهم ، ما ثبت أنه ليس مما ضر به الاختلاط ” .
انتهى من ” تحرير علوم الحديث ” لعبد الله الجديع (2/889-890) .
وينظر للفائدة : “تيسير مصطلح الحديث” ، للدكتور محمود الطحان (ص 55) ، “موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع “، للشيخ خالد الدريس (ص 75).
ثانيا :
أما تصحيح أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك رحمه الله لكثير من الأحاديث على شرط الشيخين أو أحدهما : فالمعروف عن الحاكم رحمه الله أنه كان متساهلا في التصحيح ، وأنه قد جانبه الصواب في كثير مما صححه على شرط الشيخين أو أحدهما .
قال ابن الصلاح رحمه الله :
” وَهُوَ وَاسِعُ الْخَطْوِ فِي شَرْطِ الصَّحِيحِ ، مُتَسَاهِلٌ فِي الْقَضَاءِ بِهِ ” .
انتهى من ” مقدمة ابن الصلاح ” (ص 22) .
وقال السخاوي رحمه الله :
” هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاهُلِ فِي التَّصْحِيحِ ، وَالْمُشَاهَدَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ ” .
انتهى من ” فتح المغيث ” (1/ 54) .
وينظر ـ للأهمية ـ في المسألتين السابقتين : ” تحرير علوم الحديث” ، للشيخ عبد الله الجديع (2/880-892) .
ثالثا :
التعليق هو حذف راو أو أكثر من أول السند ، وهو كثير في صحيح البخاري بخلاف صحيح مسلم : فإنه قليل جدا .
– فما علقه بصيغة الجزم نحو: قال فلان ، فهو صحيح إلى من علقه إليه .
– وما ذكره بصيغة التمريض ، كيقال ويروى ويذكر ونحو ذلك ، فلا يحكم بصحته ولا بضعفه ، إلا أن الغالب ضعفه .
قال ابن كثير رحمه الله :
” ما علقه البخاري بصيغة الجزم : فصحيح إلى من علقه عنه ، ثم النظر فيما بعد ذلك . وما كان منها بصيغة التمريض فلا يستفاد منها صحة ولا تنافيها أيضاً، لأنه وقع من ذلك كذلك وهو صحيح ، وربما رواه مسلم .
فأما إذا قال البخاري ” قال لنا ” أو ” قال لي فلان كذا “، أو ” زادني ” ونحو ذلك، فهو متصل عند الأكثر ” انتهى من ” الباعث الحثيث ” (ص 34) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” الذي علقه – من المرفوع – بصيغة التمريض : متى أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد ، فهو صحيح أو حسن أو ضعيف منجبر، وإن أورده في معرض الرد فهو ضعيف عنده .
أما الموقوفات: فإنه يجزم بما صح منها عنده ، ولو لم يبلغ شرطه ، ويمرّض ما كان فيه ضعف وانقطاع ” .
انتهى من ” النكت على كتاب ابن الصلاح ” (1/ 342-343) ، وينظر : ” تحرير علوم الحديث ” للجديع (2/851-855) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب