لقد اعتنقت الإسلام منذ مدة الحمد لله ، وقد كنت على علاقة بفتاة قبل الإسلام ، أنجبت منها طفلاً غير شرعي ، حيث إننا لم نتزوج على الإطلاق ، وقد افترقت عنها قبل أن أعتنق الإسلام ، ولكن في بلدي تنص القوانين في مثل هذه الحالات : على أنه يجب أن يعيش الطفل مع أبيه وأمه مناصفة ، بشرط موافقة الأب والأم على ذلك ، ولكن ألا يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية (من حيث حق الحضانة) ؟
وما هو الحكم في هذه الحالات وهل يختلف الحكم كون الطفل هو ابن زنا ؟
وهل ينسب الطفل لي أم ينسب إلى أمه أم ينسب لكلينا ؟
المشكلة هي أنني أرغب في أن يكون ابني مسلماً ، ولكنه وأمه لا يرغبان بذلك ، والمشكلة الأخرى هي أنه يجب علي التواصل مع أمه بسبب ما يقتضيه القانون ، فكيف يمكنني التعامل مع هذا الموقف ؟
أنا متزوج من فتاة مسلمة الآن ، ونحن نتوقع طفلاً بإذن الله قريباً ، ونريد أن نربي أطفالنا ليكونوا مسلمين صالحين ، ولكن كيف أستطيع فعل ذلك ، مع حقيقة وجود طفلي من الزنا الذي لا ترغب أمه بأن أربيه ، ليكون مسلماً ؟
زنى قبل إسلامه ونتج منه ولد فهل ينسب إليه ، وكيف يعتني به ؟
السؤال: 218515
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
اختلف أهل العلم في نسب ولد الزنى ، إذا كانت أمه أثناء زناها ليست ذات زوج – كما هي مسألتك – ؛ فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا ينسب للزاني .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الزاني إذا استَلْحَقه ، جاز له أن ينسبه إليه . ورجّح هذا القولَ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذُه ابن القيم رحمهما الله تعالى .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” ففي استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشاً قولان لأهل العلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) . فجعل الولد للفراش ؛ دون العاهر . فإذا لم تكن المرأة فراشاً لم يتناوله الحديث ، وعمر ألحق أولاداً ولدوا في الجاهلية بآبائهم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 112 – 113 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
” فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزِّنى إذا لم يكن مولودا على فراش يدَّعيه صاحبه ، وادعاه الزاني ، ألحق به … وهذا مذهب الحسن البصري، رواه عنه إسحاق بن راهويه بإسناده فى رجل زنا بامرأة، فولدت ولدا فادعى ولدها، فقال يجلد ويلزمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، ذكر عنهما أنهما قالا: أيُّما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له ، وأنه زنى بأمه ولم يَدَّع ذلك الغلام أحد ، فهو ابنه … ” انتهى من ” زاد المعاد ” ( 5 / 381 ) .
ومن أشهر ما اعتمد عليه ، من قال بذلك القول من أهل العلم : قضاء الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمثل ذلك ؛ فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارِ ؛ ” أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلاَمِ ” رواه الإمام مالك في ” الموطأ ” ( 2 / 740 ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (33591 )، ورقم :(176722) .
ويترجح هذا القول أكثر : إذا كان ذلك قد وقع من الزانيين قبل الإسلام ، وعلى هذا حُمل فعل عمر رضي الله عنه المذكور .
قال الماوردي رحمه الله تعالى :
” فأما الجواب عن الحديث المروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يُليط أولاد البغايا في الجاهلية بآبائهم في الإسلام : فهو أن ذلك منه في عِهار البغايا في الجاهلية ، دون عهار الإسلام ، والعهار في الجاهلية أخف حكما من العهار في الإسلام ، فصارت الشبهة لاحقة به ، ومع الشبهة يجوز لحوق الولد ، وخالف حكمه عند انتفاء الشبهة عنه في الإسلام ” انتهى من ” الحاوي الكبير ” ( 8 / 162 – 163 ) .
والحاصل :
أن الأصل في نسب الطفل المذكور أن يكون لأمه ، ولا ينسب إليك ، فإن رغبتَ في نسبته إليك ، أو كانت هناك مصلحة شرعية في نسبته إليك ، كترغيب الطفل في الإسلام ، أو كانت القوانين في بلدك تلزمك بنسبه إليك ، عند تحققه النسبة البيولوجية عن طريق التحليل ؛ فنرجو ألا يكون عليك حرج في هذه النسبة ، والأخذ بقول من رخّص في ذلك من أهل العلم ، على ما سبق ذكره .
وإن لم ينسب إليك ، لسبب أو لآخر ، أو لم ترغب أنت في ذلك : فلا حرج عليك في ذلك أيضا ؛ بل هذا هو الأصل ، وهو المعتمد عن جمهور أهل العلم .
ثانيا :
الأصل في حضانة الطفل قبل سن التمييز : أن تكون لأمه ؛ فإذا ميز فإنه يخير بينهما .
لكن إذا كان على الطفل مضرة في حضانة أمه له ، أو كان له مصلحة راجحة عند أبيه : انتقلت الحضانة إلى أبيه ، عند إمكان ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم : (153390) .
فإذا رجوت أن يكون في حضانتك للطفل ، أو قربه منك : نفع له في دينه ، أو ترغيب له في الإسلام ، فاجتهد في أن يكون قريبا منك ، وتألف قلبه على دينك ، فلعل الله أن ينقذ بك هذه النفس من النار .
وبالنسبة لحالك نرى أن أحسن طريق تسلكه ؛ هو أن تحرص على العناية به وتأليف قلبه بالرفق والرحمة وإظهارك الاهتمام بأموره حتى يراك مثلا جميلا للإسلام ، وحتى يفتقدك إذا غبت ويفرح بك إذا حضرت ، وهذا يفتح قلب الطفل لسماع نصائحك وإتباع إرشاداتك .
قال الله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران / 159 .
وإن كان القوانين لا تسمح لك بحضانته ، ولم تتمكن من التأثير عليه : فنرجو ألا يكون عليك في ذلك حرج إن شاء الله ، والإسلام يجُبُّ ما كان قبلَه ، وهذا نتاج ما كان من أمر الجاهلية ، وقد وضعه الله عنك – إن شاء الله – بإسلامك .
واجعل همك وشغلك أن تحسن فيما هو آتٍ ، وتعوض ما فاتك من أمر هذا الطفل ، في تربية ولدك الشرعي ، والإحسان إليه .
أما مسألة لقائك مع أم الولد ، فيمكن أن يكون ذلك بحضور ثالث معكما ، كزوجتك أو أمك مثلا ، أو محرم لها هي ؛ حتى لا تقع في الخلوة المحرمة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة