تنزيل
0 / 0

يكفيك الإيمان بما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة من غير خوض في المختلف فيه

السؤال: 218940

أنا من أهل السنة والجماعة ، ولدت وبدأت رحلتي في البحث عن الحقيقة وأنا عمري 11 سنة من البحث في وجود الله ، ثم الديانات . وكنت وما زلت أدعو الله أن يهديني ، فرسي البحر على شاطئ الحق .
ولي بعض الأسئلة :
العقيدة هي ما يعقد عليه القلب من الإيمان ، وأنا أرسيت على عقيدة أهل السنة من الأسماء والصفات ، وقرأت الرد على المعطلة والمؤولة ، وكانت هنالك أحاديث صحيحة في الصحيحين وأحاديث عقدية أخرى خارج الصحيحين اختُلف فيها ، فصححها بعض أهل العلم وضعفها آخرون ، كحديث : ( رأيت ربي في المنام ) صححه الألباني ، وضعفه العدوي ، وبصراحة هذا الحديث لم أرتح له ، وقرأت الكثير من التوضيحات حوله ، وأنه رؤية منامية ، ومع ذلك قلبي لم يرتح له .
فسؤالي :
هل يجوز أن أدعو الله أن يهديني إلى عقيدته الصحيحة مهما كانت ؟
وهل إذا مت وأنا ما زلت أدعو الله أن يهديني إلى عقيدته الصحيحة مهما كانت هل أدخل النار ؛ لأني أعرف أن العقيدة يجب أن لا يخالجها شك ، ودعائي أن يهديني الله إلى عقيدته يدل على شكي في عقيدتي ؟
والله أنا أريد الحق ، وقلبي ليس مرتاحا لبعض الأحاديث ، أنا أؤمن بعقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات إلى الآن ، ولكني أدعو الله أن يهديني لعقيدته الصحيحة من باب أن يطمئن قلبي ، وفي قلبي أن الأقرب هو مذهب السنة ، وفي قلبي إذا كان مخالفا للصواب فسأتبع الحق أين كان .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نرجو من أخينا السائل الكريم أن يتفهم جوابنا حق تفهمه ، وأن يدرك حقيقة ما نرمي
إليه ، فنحن نريد له الخير ، وننصحه بالحق والعدل بإذن الله .
وما نرمي إليه هنا لا نقصد به تزهيدك بالعلم ، وحثك على عدم الخوض فيه ، وإنما نرمي
إلى أن تتيقظ دائما إلى عدم الإغراق في الجزئيات ، فلا يأخذك سحرها أو بريقها ، ولا
يصرفك طول الجدل فيها ، وحرارة حوار العلماء حولها عن المقاصد الأساسية في عقيدة
المسلم ، وعن المقاصد الجليلة في شريعتنا العملية ، وعن وصية النبي صلى الله عليه
وسلم حين قال : ( تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ ، وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي
اللَّهِ ) رواه الطبراني في ” المعجم الأوسط ” (6/250)، وصححه الألباني في ”
السلسلة الصحيحة ” (1788) .
والمقاصد الأساسية في العقيدة الصحيحة هي الإيمان بأركان الإيمان الستة ، بالله ،
وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، على وجه الإجمال
أولا ، وبالتفصيل الذي ذكره الله عز وجل في كتابه ، ونص عليه رسوله عليه الصلاة
والسلام في الصحيح المجمع عليه من سنته .
وما سوى ذلك من شرح العلماء وتفصيلهم ، وتفسيرهم الدقيق لهذه المجملات ، أو ما
اختلف فيه العلماء تصحيحا وتضعيفا وأشكل عليك ، فلا يجب عليك الإيمان به ، ولا
الخوض فيه ، وإن خضت ، فإياك أن تنسى أن موقع تلك التفاصيل في العقيدة الإسلامية
موقع ثانوي غير رئيسي، ولا تشكل تصورات المسلم الحقيقية للكون والغيب والحياة ، كما
لن تؤثر في منظومة القيم والأخلاق التي تبني عليها حياتك ، ولا في معاملتك أو
عبادتك ، ولا في قناعتك عن التيارات والمذاهب والأديان المناقضة للإسلام ، فاقدر
لها قدرها الحقيقي ، واعرف موازين العقائد والأفكار ، وسيكون ذلك سببا رئيسا في
استقرار فكرك ومعتقدك ، وذهاب وطأة تباين الآراء من صدرك ، بإذن الله .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا
أُوتُوا الْجَدَلَ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا
جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) الزخرف/58 ) رواه أحمد في ” المسند ” (36/
493) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة ، ورواه
الترمذي في ” السنن ” (3253) وقال : حسن صحيح .
ولما قدر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر حق قدره ، لم يكن يتوسع في أبواب الأسماء
والصفات بين يدي عامة الناس ، فذلك ما لم يوجبه الله ولا رسوله على العلماء ولا على
الناس أنفسهم .
فقال رحمه الله :
” وأما قول القائل : لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام : فأنا ما فاتحت
عاميا في شيء من ذلك قط ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (5/266) .
ولو كانت هذه الخلافات والتفاصيل من صلب أصول الدين لما ترخص شيخ الإسلام في السكوت
عنها ، والزهد في حشد الناس حولها .
ويقول رحمه الله :
” فالمسلمون – سنيهم وبدعيهم – متفقون على وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر ، ومتفقون على وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ومتفقون على أن من
أطاع الله ورسوله فإنه يدخل الجنة ولا يعذب ، وعلى أن من لم يؤمن بأن محمدًا رسول
الله صلى الله عليه وسلم إليه فهو كافر ، وأمثال هذه الأمور التي هي أصول الدين
وقواعد الإيمان التي اتفق عليها المنتسبون إلى الإسلام والإيمان .
فتنازعهم بعد هذا في بعض أحكام الوعيد ، أو بعض معاني بعض الأسماء ، أمر خفيف
بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه .
مع أن المخالفين للحق البين من الكتاب والسنة هم عند جمهور الأمة معروفون بالبدعة ،
مشهود عليهم بالضلالة ، ليس لهم في الأمة لسان صدق ، ولا قبول عام ، كالخوارج
والروافض والقدرية ونحوهم .
وإنما تنازع أهل العلم والسنة في أمور دقيقة تخفى على أكثر الناس ، ولكن يجب رد ما
تنازعوا
فيه إلى الله ورسوله ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (7 /357) .
ولو قضيت أكثر عمرك في البحث في مقاصد الدين ، والحرص على العمل بها ، وامتثال ما
تعلمته منها ، والتأمل في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما
كفاك العمر ولا العمران في سبيل ذلك ، فكيف إذا صرفت همتك ووقتك فيما لم يأمرك الله
عز وجل به ، وفيما يكفيك فيه الإيمان المجمل ، فتقول كما قال الإمام الشافعي رحمه
الله : ” آمَنت بِمَا جَاءَ عَن الله على مُرَاد الله ، وَبِمَا جَاءَ عَن رَسُول
الله على مُرَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ” انتهى من ” ذم التأويل ”
لابن قدامة (ص/11) .
فنصيحتنا إليك أن تترك عنك قلقك وعناءك الوارد في السؤال ، وأن تُمر ما أشكل عليك
مما ثبت في الكتاب والسنة كما جاء من غير تمثيل ولا تعطيل ، وتدعو بما دعا به النبي
صلى الله عليه وسلم فتقول : ( اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ
وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ،
إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) رواه مسلم (770) .
أما المختلف فيه ، وما فيه تردد ومباحث دقيقة لدى العلماء ، كحديث رؤية النبي صلى
الله عليه وسلم ربه في المنام ، فلو غلب على ظنك جانب الضعف فيه ، وعدم ثبوت ذلك عن
المعصوم صلى الله عليه وسلم ، واعتقدت أقوال من ضعفه من أمثال يحيى بن معين ،
والنسائي ، وابن حبان ، وابن حجر وغيرهم ؛ فتجاوزته ولم تؤمن بما ورد فيه : أجزأك
ذلك ، ولم يكن عليك حرج إن شاء الله .
وللتوسع في الكلام على هذا الحديث يمكنك مراجعة الفتوى رقم : (152835)
.

ونصيحتنا لك أخيرا ، هي
نصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، لتلميذه الخصيص به ، المقرب منه ، الإمام
ابن القيم رحمه الله :
” قال لي شيخ الإسلام – رضي الله عنه – وقد جعلت أورد عليه إيراد بعد إيراد: لا
تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها؛ فلا ينضح إلا بها ، ولكن
اجعله كالزجاجة المصمتة ، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ؛ فيراها بصفائه
ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أَشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات ، أو
كما قال ” .
انتهى من ” مفتاح دار السعادة ” (1/140) .
وانظر مقالا نافعا في شرح هذه الوصية ، للشيخ الدكتور عبد الرحمن صالح المحمود ،
حفظه الله :
http://dorar.net/art/416
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android