0 / 0

حوارات في النفس ، وتساؤلات في العقيدة

السؤال: 219568

إذا سألت شيخاً أثق به عن أمر متعلق بالعقيدة فكيف يمكنني التأكد أنّ ما يقوله هو فعلاً ما يعتقد به ؟ وهل من الممكن أن يضل الله من كان في يوم من الأيام على الطريق المستقيم ؟ وهل يكفي أن أقول أنني أؤمن بما يقوله هذا الشيخ ما دام أنه يتبع السلف ؟ ألا يعني وجود هذا الشك لدي أنني أشك في جزء من العقيدة ؛ لأنني لا أعلم ما في قلب الشيخ ؟ على سبيل المثال : عندما أسمع شيخاً أثق به يقول لنا أنه يجب أن نؤمن بكذا وكذا يأتيني الشيطان ويقول لي : " أثبت أنّ ما تقوله هو ما تؤمن به وإلا فادعو الله أن يدخلك النار إن كنت كاذباً " ، وبما أنني أخشى الذهاب إلى النار فلا أدعو بذلك ، فهل يعني هذا أنني أشك في العقيدة ؟ وكيف ينبغي لي التعامل مع هذا الأمر؟ هل يكفيني أن أقول أنني أؤمن بما يقول هذا الشيخ إن لم يكن ضالاً مع العلم أنه لا يمكن التأكد مما في قلبه ؟ وهل يجب على أن أدعو الله أن يدخلني النار إن كانت عقيدتي خاطئة حتى أثبت لنفسي أنني على العقيدة الصحيحة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الواجب على العامي ، وكذلك طالب العلم المبتدئ أن يرجع في أمر دينه إلى أهل العلم الثقات ، ويعتقد صحة ما يقولونه ويعمل به ؛ لأنه لا يستطيع أن يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة لعدم أهليته لذلك ، فلم يبق أمامه طريق لمعرفة الحق إلا بسؤال أهل العلم الثقات واتباعهم .
قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/43-44 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" واجتهاد العامة هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم " .
انتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .
وانظر جواب السؤال رقم : (148057).
وحينما نقول : أهل العلم الثقات ، فذلك يعني أن هذا الشخص مشهود له بالعلم بالكتاب والسنة وأقوال السلف وأئمة أهل السنة ، وهو في الوقت ذاته ( ثقة) أي : مستقيم في أقواله وأعماله ، معظم لحرمات الله ، واقف عند حدوده ، فهذا هو الذي يجب سؤاله والعمل بفتواه .
أما من لم يشتهر بالعلم أو لم يكن ثقة ولا عدلا ، بل كان مرتكبا للمحرمات الظاهرة ، متهاونا بدينه فذلك لا يجوز الاعتماد على فتواه .
وحينئذ لا يرد سؤالك : من أين أعلم أن هذا الشيخ يعتقد بقلبه ما يقوله ؟
والجواب على هذا : أن هذا يُعلم بحاله ومدى استقامته على شرع الله ، أما الاحتمالات الضعيفة البعيدة فلا يجوز الاعتماد عليها ، ولا بناء الأحكام عليها .
ومثل ذلك : احتمال أن يكون هذا الشخص لا يعتقد ما يقوله ، فإذا كان هذا الشخص مستقيما في دينه (ثقة) فمثل هذا الاحتمال البعيد لا يلتفت إليه ، ويكون كعدمه ، ولا يجوز أن يثير شكوكا في نفس من يتبع ذلك العالم .
ثانيا :
يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء ولا يظلم ربك أحدا ، فمن كان أهلا للهداية صالحا لها هداه وأرشده ، ومن كان لا يصلح إلا للشر ويختاره على الخير أضله .
قال الله عز وجل : ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف/ 5 .
قال السعدي رحمه الله :
" (أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم ورضوه لها، ولم يوفقهم الله للهدى ، لأنهم لا يليق بهم الخير ، ولا يصلحون إلا للشر، (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) أي: الذين لم يزل الفسق وصفا لهم ، لا لهم قصد في الهدى ، وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده ، ليس ظلما منه، ولا حجة لهم عليه ، وإنما ذلك بسبب منهم ، فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه ، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه وتقليب القلوب عقوبة لهم وعدلا منه بهم ، كما قال تعالى: ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) " انتهى من " تفسير السعدي" (ص: 859)
وروى البخاري (3332) ، ومسلم (2643) عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فهو فيما يبدو للناس يعمل بعمل أهل الجنة ، أما فيما يخفى على الناس ففي قلبه سريرة خبيثة أودت به وأهلكته " انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (5/ 238) .
فيمكن أن يكون العبد في ظاهر حاله على طريق الهداية يوما ما ثم يضله الله تعالى ، وذلك لما يعلم سبحانه من حاله وسريرة قلبه ، وإن كان – فيما يبدو للناس – صالحا .
فالذي يعتقده قلب الإنسان وتكنُّه نفسه لا يطلع عليه إلا الله ، ولكن هناك من شواهد الأقوال والأفعال ما نستطيع أن نرجح به صحة اعتقاد العبد أو فساده ، فإن كان على هدي السنة وطريق السلف أحسنا الظن به ، وإن كان على ضلالة أو بدعة لم نحسن الظن به .
ثالثا :
ينبغي للمسلم – إن كان عنده القدرة – أن يترقى في طلب العلم الشرعي ، فيقرأ تفاسير القرآن الكريم ، وشروح السنة النبوية ، ويطلع على كلام أهل العلم ، ولا يكتفي بتقليد شخص من الناس ، بل يبحث عن القول الراجح الموافق للقرآن والسنة النبوية فيأخذ به ، وكل إنسان يصيب أحيانا ويخطئ أحيانا أخرى ، وكلما اقترب المسلم من الكتاب والسنة قل خطؤه ، وكلما ابتعد عنهما ازداد خطؤه .
رابعا :
مطالبة النفس بتوافق القول والفعل والاعتقاد حسن ، ولكن لا يدخل الإنسان مع نفسه في ذلك في محنة وابتلاء ، وأي داع يدعوه إلى أن يقول لنفسه : " أثبت أنّ ما تقوله هو ما تؤمن به ، وإلا فادع الله أن يدخلك النار إن كنت كاذباً " ؟!
هذا اتباع لوساوس الشيطان ، وسعي لهلاك النفس والدعاء عليها بالعذاب ، ولكن على المسلم أن يتعلم العلم والاعتقاد الصحيح ، ثم يجتهد ما استطاع مع نفسه ليصحح اعتقاده وليعمل بما علم ، وليس هناك داع أن يشكك الإنسان نفسه في اعتقاده ، ولا يتابع الشيطان على وساوسه ، ولا يلتفت إلى شيء من ذلك .
وعدم الدعاء بذلك ليس من باب الشك في العقيدة ، ولكن الدعاء به من اتباع الشيطان واتباع وساوسه ، والنجاة من هذه الوساوس لا يكون بالدعاء على النفس ، وإنما يكون بأن يقول المسلم : آمنت بالله ، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وينتهي عن التفكر والاسترسال في هذه الوساوس .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير ، وأن يبعد عنك وساوس الشيطان .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android