0 / 0

ضرب زوجته فغادرت البيت وذهبت إلى المحاكم الوضعية لتحكم لها بالطلاق

السؤال: 219574

أنا متزوج منذ ثلاث سنوات وأب لطفل ، أقيم في إحدى الدول الغربية طلبا للرزق ، وعازم على العودة حين يقترب الطفل من سن المدرسة ، اخترت زوجتي واختارتني على أساس الدين ؛ من المحافظة على الصلاة والحجاب وغيره . حصلت مشاكل زوجية بيني وبين زوجتي ، وقد أنفعل فأضربها ، وفي إحدى المرات ضربتها على رجلها ، فخرجت إلى بيت أبيها ورفضت السفر معي حيث نقيم ، وذهبت إلى القاضي الذي يحكم بالقانون الوضعي وطلبت أن يفصلها عني ، وأن يحكم لها بالنفقة ، ما نصيحتكم ؟

وإن حصل الفراق ، أنا مستعد للنفقة على ابني ، ولكن ما حكم المال الذي تأخذه مني نفقةً إذا حكم القاضي به ، وهل يجب عليها أن ترجع المهر؟ وهل يجوز لها أن تأخذ نفقة مني ثم تنفق منها على أتعاب المحامي الذي كلفته ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته دون سبب معتبر شرعا ، من نشوز ، أو مخالفة لأمره ، فإن نشزت أو خالفت أمره : جاز له – بعد نصحها ، ووعظها ، وهجرها في المضجع – أن يضربها ، بشروط :
الأول: أن يكون الضرب غير مبرح ؛ إذ المقصود منه الزجر والتأديب ، لا الانتقام والقصاص .
الثاني : أن يتجنب الوجه والأماكن المـَخُوفة ؛ لأن المقصود منه التأديب لا الإتلاف .
الثالث : أن يغلب على ظنه أن الضرب سيفيد في علاج النشوز ، فإن غلب على ظنه عدم إفادته ، لم يجز له الإقدام عليه .
وليعلم الزوج – وغيره – أن من ضرب غيره سوطاً بغير حق : فإنه متوعد عليه بالعقوبة يوم القيامة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً ، اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة ) قال الهيثمي – رحمه الله – : رواه البزار والطبراني في ” الأوسط ” ، وإسنادهما حسن . ” مجمع الزوائد ” ( 10 / 353) ، وهو في الطبراني في ” الكبير ” ، وحسَّنه المنذري ، وصححه الألباني ، يراجع : ” صحيح الترغيب والترهيب ” ( 2291 ) ، ويراجع للفائدة الفتوى رقم : (150762).
فإن كنت أيها الزوج ، إنما تضرب زوجتك حال تمردها ونشوزها ، وبالشروط الشرعية للضرب التي سبق ذكرها ، فهنا لا يجوز لها طلب الطلاق ، لكن إن كرهت البقاء معك جاز لها أن تختلع منك ، بأن تتنازل لك عن حقوقها ، أو عن بعضها ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (26247) .
أما إن كنت قد اعتدت أن تضربها دون سبب ، بل لمجرد الخلاف بينكما، فهنا يجوز لها طلب الطلاق للضرر ؛ فقد نص أهل العلم على أن الزوجة لها طلب الطلاق إذا ضربها زوجها ضربا مؤلما دون سبب ، جاء في ” شرح مختصر خليل للخرشي ” (4 / 9): ” إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الزَّوْجَ يُضَارِرُ زَوْجَتَهُ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَإِنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ ، لِخَبَرِ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ، فَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ .
وَمِنْ الضَّرَرِ : قَطْعُ كَلَامِهِ عَنْهَا ، وَتَحْوِيلُ وَجْهِهِ عَنْهَا، وَضَرْبُهَا ضَرْبًا مُؤْلِمًا ” انتهى.
فإن طلَّقْتَها في هذه الحالة ، وجب عليك أن توفيها حقها بالكلية ، ومنها النفقة فترة العدة ؛ لأن الْمُطَلَّقَةَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَمَا يَلْزَمُهَا لِمَعِيشَتِهَا ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلاً أَمْ غير حامل ، لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ ، وهذا باتفاق أهل العلم ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (139833) .
وكذا يجب عليك أن توفيها كامل مهرها ، مقدمه ومؤخره ، فلا يجوز لك أن تأخذ منه شيئا ، قال تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء/ 20، 21 ، ولا يجوز لك أن تضيق عليها ، ولا أن تضارها لتتنازل لك عنه ، قال تعالى : (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)النساء/ 19 .
وفي كل حال ، سواء أكان من حقها طلب الطلاق للضرر ، أم لم يكن ذلك من حقها ، فلا يجوز لها التحاكم إلى المحاكم الوضعية التي تحكم بما يخالف شرع الله ويضاد حكمه ، إذ الواجب على المسلم أن يُحَكِّم شرعَ الله تعالى في جميع أحواله ، وما يحصِّله الشخص من مال ، أو منفعة عن طريق هذه المحاكم ، خلافاً لما شرعه الله تعالى فهو سحت ، وحرام ، لا يحل له الانتفاع به .
وأما إذا ثبت لها حق شرعي ، وقضى لها به قاض يعلم شرع الله ، ويقضي به ، إلا أنه ليس له سلطان لإلزام الخصم بما قضى به ، فلا حرج عليها ، أو على صاحب الحق أيا ما كان ، في أن يترافع إلى المحاكم الوضعية ، ليستنقذ له حقه الشرعي ، ويلزم خصمه به .
وينظر للفائدة : الفتوى رقم : (114850).
وإن كان من نصيحة لنا في هذا المقام فإنا ننصحك أن تصلح ما بينك وبين زوجك ، وأن تستوعب ما حدث بينكما من خلاف وشقاق ، فإن الرجل هو الذي يطالب بالصبر والتحمل ، والتغافل والتغاضي ، إذ هو أكمل دينا وأوفر عقلا ، وننصحك بأن تتجنب ضربها مستقبلا ، خصوصا إذا ظهر لك أن الضرب سيؤدي إلى عكس المطلوب من زجرها وتأديبها ، إلى الزيادة في التمرد والنشوز.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android