0 / 0

مغفرة الله للقاتل التائب خاصة بحق الله ، أما حق المقتول فلا بد من أدائه

السؤال: 219969

يغفر الله سبحانه وتعالى لأي عبد من عباده متى ما أراد ذلك .

فهل من الممكن أن يغفر الله لمن يقتل نفساً بغير حق ؟

وهل يعتبر هذا عدلاً للضحية وعائلته إن غفر الله للقاتل ؟

وما معيار العدل عند الله عز وجل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا يمكن في حال من الأحوال أن يضيع حق المقتول عند الله تعالى ، فلا تستشكل مطلقا ما ورد في سؤالك ، وذلك لأدلة كثيرة :
أولا :
القصاص يوم القيامة هو عدل الله المطلق ، وأول ما يقتص بين العباد هو ذنب القتل ، سواء تاب القاتل أم لم يتب ، والأدلة في ذلك مطلقة لم تفرق بين التائب وغيره .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ ) رواه البخاري (6533) ، ومسلم (1678) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، قَتَلَنِي هَذَا ، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ ) رواه الترمذي في ” السنن ” (3029) وقال : حديث حسن ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “
وهذا القصاص يمكن أن يكون على شكل عقوبة خاصة يعذبه الله بها ، أو على شكل حسنات عظيمة يرضى بها المقتول ، أو بما يقتضيه عدل الله المطلق ، يوم توضع الموازين القسط عنده سبحانه .
ثانيا :
اتفق العلماء على أن من شروط التوبة : أداء الحقوق لأصحابها ، فإذا لم تؤدَّ في الدنيا فلا بد من أدائها عند الله عز وجل بالحسنات أو السيئات .
كل ما تقرؤه من النصوص الشرعية ، ومن أقوال العلماء ، تقرر أن توبة القاتل تقبل ، وأن ذنب القتل يغفر لمن تاب وحسنت توبته ، كلها المقصود بها مغفرة حق الله تعالى فحسب ، أما حق المقتول فمحفوظ لا يضيع ، وسيقتصه يوم القيامة لا محالة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) رواه البخاري (2449) .
فإذا تاب القاتل توبة نصوحا عند الله ، وتعذر عليه رد المظلمة للمقتول يوم القيامة ، فإن الله عز وجل لا يضيع من أجر المقتول ولا من حقه شيئا ؛ بل إما أن يحمل من سيئات على قاتله ، إن لم يكن للقاتل حسنات تكافئ مظلمة قتله ، وإما أن يعطيه من فضله وكرمه ، ما يرضى به عن مظلمته ، ولا يبقى له عنده بذلك شيء .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” القاتل إذا كثرت حسناته : أُخذ منه بعضُها ما يرضى به المقتول ، أو يعوضه الله من عنده إذا تاب القاتل توبةً نصوحاً ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (34/138) .
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” أما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة ، فإنه حق من حقوق الآدميين ، وهي لا تسقط بالتوبة ، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه ، والمغصوب منه ، والمقذوف ، وسائر حقوق الآدميين ، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ، ولا بد من أدائها إليهم في صحة التوبة ، فإن تعذر ذلك ، فلا بد من الطلابة يوم القيامة .
لكن لا يلزم من وقوع الطلابة وقوع المجازاة ، وقد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها ، ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة ، أو يعوض الله المقتول من فضله بما يشاء ، من قصور الجنة ونعيمها ، ورفع درجته فيها ونحو ذلك ، والله أعلم ” .
انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (2/381) .
وينظر للفائدة : “الآداب الشرعية” لابن مفلح (1/59) .
وبهذا نرجو أن يكون قد اتضح للسائل الكريم كمال عدل الله سبحانه ، وأنه كما أخبر عن نفسه عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء/47 ، وقال تعالى أيضا : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/ 7، 8 .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) رواه مسلم (2582) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَأَمَّا ” الْعَدْلُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ ” فَهُوَ أَنْ لَا يَظْلِمَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَأَنَّهُ: مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (7/ 493) .
وللمزيد ينظر في موقعنا الأرقام الآتية : (147017) ، (145537) ، (104488)

والخلاصة : أن حق المقتول لا يسقط بحال من الأحوال ، فعدل الله مطلق لا يتخلف ، وإذا غفر الله ذنب القاتل لتوبته فالمغفرة خاصة بحق الله ، أما حق المقتول فلا بد له من أن يستوفيه يوم القيامة ، من قاتله ، أو مما يرضيه من فضل الله ، إن لم يمكن الاستيفاء من القاتل .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android