يغفر الله سبحانه وتعالى لأي عبد من عباده متى ما أراد ذلك .
فهل من الممكن أن يغفر الله لمن يقتل نفساً بغير حق ؟
وهل يعتبر هذا عدلاً للضحية وعائلته إن غفر الله للقاتل ؟
وما معيار العدل عند الله عز وجل ؟
جديد
جديد
جديد
السؤال: 219969
يغفر الله سبحانه وتعالى لأي عبد من عباده متى ما أراد ذلك .
فهل من الممكن أن يغفر الله لمن يقتل نفساً بغير حق ؟
وهل يعتبر هذا عدلاً للضحية وعائلته إن غفر الله للقاتل ؟
وما معيار العدل عند الله عز وجل ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا يمكن في حال من الأحوال أن يضيع حق المقتول عند الله تعالى ، فلا تستشكل مطلقا ما ورد في سؤالك ، وذلك لأدلة كثيرة :
أولا :
القصاص يوم القيامة هو عدل الله المطلق ، وأول ما يقتص بين العباد هو ذنب القتل ، سواء تاب القاتل أم لم يتب ، والأدلة في ذلك مطلقة لم تفرق بين التائب وغيره .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ ) رواه البخاري (6533) ، ومسلم (1678) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، قَتَلَنِي هَذَا ، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ ) رواه الترمذي في ” السنن ” (3029) وقال : حديث حسن ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “
وهذا القصاص يمكن أن يكون على شكل عقوبة خاصة يعذبه الله بها ، أو على شكل حسنات عظيمة يرضى بها المقتول ، أو بما يقتضيه عدل الله المطلق ، يوم توضع الموازين القسط عنده سبحانه .
ثانيا :
اتفق العلماء على أن من شروط التوبة : أداء الحقوق لأصحابها ، فإذا لم تؤدَّ في الدنيا فلا بد من أدائها عند الله عز وجل بالحسنات أو السيئات .
كل ما تقرؤه من النصوص الشرعية ، ومن أقوال العلماء ، تقرر أن توبة القاتل تقبل ، وأن ذنب القتل يغفر لمن تاب وحسنت توبته ، كلها المقصود بها مغفرة حق الله تعالى فحسب ، أما حق المقتول فمحفوظ لا يضيع ، وسيقتصه يوم القيامة لا محالة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) رواه البخاري (2449) .
فإذا تاب القاتل توبة نصوحا عند الله ، وتعذر عليه رد المظلمة للمقتول يوم القيامة ، فإن الله عز وجل لا يضيع من أجر المقتول ولا من حقه شيئا ؛ بل إما أن يحمل من سيئات على قاتله ، إن لم يكن للقاتل حسنات تكافئ مظلمة قتله ، وإما أن يعطيه من فضله وكرمه ، ما يرضى به عن مظلمته ، ولا يبقى له عنده بذلك شيء .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” القاتل إذا كثرت حسناته : أُخذ منه بعضُها ما يرضى به المقتول ، أو يعوضه الله من عنده إذا تاب القاتل توبةً نصوحاً ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (34/138) .
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” أما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة ، فإنه حق من حقوق الآدميين ، وهي لا تسقط بالتوبة ، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه ، والمغصوب منه ، والمقذوف ، وسائر حقوق الآدميين ، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ، ولا بد من أدائها إليهم في صحة التوبة ، فإن تعذر ذلك ، فلا بد من الطلابة يوم القيامة .
لكن لا يلزم من وقوع الطلابة وقوع المجازاة ، وقد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها ، ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة ، أو يعوض الله المقتول من فضله بما يشاء ، من قصور الجنة ونعيمها ، ورفع درجته فيها ونحو ذلك ، والله أعلم ” .
انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (2/381) .
وينظر للفائدة : “الآداب الشرعية” لابن مفلح (1/59) .
وبهذا نرجو أن يكون قد اتضح للسائل الكريم كمال عدل الله سبحانه ، وأنه كما أخبر عن نفسه عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء/47 ، وقال تعالى أيضا : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/ 7، 8 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) رواه مسلم (2582) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَأَمَّا ” الْعَدْلُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ ” فَهُوَ أَنْ لَا يَظْلِمَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَأَنَّهُ: مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (7/ 493) .
وللمزيد ينظر في موقعنا الأرقام الآتية : (147017) ، (145537) ، (104488)
والخلاصة : أن حق المقتول لا يسقط بحال من الأحوال ، فعدل الله مطلق لا يتخلف ، وإذا غفر الله ذنب القاتل لتوبته فالمغفرة خاصة بحق الله ، أما حق المقتول فلا بد له من أن يستوفيه يوم القيامة ، من قاتله ، أو مما يرضيه من فضل الله ، إن لم يمكن الاستيفاء من القاتل .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة