0 / 0

هل يجب على الكافر أن يحلق شعره إذا أسلم ؟

السؤال: 220181

هل يشرع للكافر حلق شعره عند إسلامه ؟ وهل ذلك واجب أم مستحب ؟ وهل يشرع نفس الأمر للمرتد عند رجوعه للإسلام؟ وماذا يفعل إن كان شعره قصيراً ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
ورد في عدد من الأحاديث أمر الكافر إذا أسلم بحلق شعره ، ولكن لا يصح من هذه الأحاديث شيء.
قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني في “مصنفه” (10/317) : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ : أُخْبِرْتُ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ : ” أَنَّهُ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : قَدْ أَسْلَمْتُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ) ” .
ومن طريق عبد الرزاق رواه الإمام أحمد في مسنده (15432) ، وأبو داود في سننه (356) .
وهذا السند ضعيف جداً ؛ لاشتماله على ثلاثة مجاهيل : شيخ ابن جريج الذي لم يُسمَّ في السند ، وعثيم بن كثير ، وأبيه كثير بن كليب .
بل قد قيل إن شيخ ابن جُريج في هذا الحديث هو : إبراهيم بن أبي يحيى ، وهو متروك ومطعون فيه عند جمهور المحدثين .
ينظر: “الجرح والتعديل” (2/125) ، “تهذيب التهذيب” (1/158).
قال ابن القيم : ” إبراهيم هذا متفق على ضعفه بين أهل الحديث ما خلا الشافعي وحده ” .
انتهى من ” تحفة المودود ” (ص: 170).
قال ابن عدي : ” وهذا الذي قاله ابْنُ جُرَيج فِي هَذَا الإِسْنَادِ ( وَأَخْبَرْتُ عَنْ عُثَيْمَ بْنَ كُلَيْبٍ) : إِنَّمَا حَدَّثَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيى ، فَكَنَّى عَنِ اسْمِهِ ” .
انتهى من ” الكامل في ضعفاء الرجال” (1/361).
وقال ابن طاهر المقدسي : ” وَالرجل الَّذِي كنى عَنهُ هُوَ إِبْرَاهِيم هَذَا ، وهو ضعيف جداً ، وَهُوَ رَوَاهُ عَن عثيم بن كثير بن كُلَيْب” انتهى من ” ذخيرة الحفاظ” (1/457).
وقال ابن القطان : ” إِسْنَاده غَايَة فِي الضعْف مع الِانْقِطَاع الَّذِي فِي قَول ابْن جريج : أخْبرت ، وَذَلِكَ أَن عثيم بن كُلَيْب وأباه وجده : مَجْهُولُونَ .
وَمَعَ هَذَا فليته بَقِي هَكَذَا ، بل فِيهِ زِيَادَة لَا أَقُول أَنَّهَا صَحِيحَة ، وَلكنهَا مُحْتَملَة ، وَهِي أَن من الْمُحدثين من قَالَ : إِن ابْن جريج الْقَائِل الْآن : أخْبرت عَن عثيم بن كُلَيْب ، إِنَّمَا رَوَاهُ لَهُ عَن عثيم بن كُلَيْب: إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى ، وَهُوَ من قد عُلم ضعفه ، وَأُمُور أخر رمي بهَا فِي دينه “. انتهى من ” بيان الوهم والإيهام” (3/43) بتصرف يسير
وقال محققو “مسند الإمام أحمد” : ” عُثيم بن كليب ، ينسب إلى جده ، وهو عثيم بن كثير بن كليب الحضرمي ، روى عنه جمع ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال الذهبي في الكاشف : وثق ، وقال الحافظ في التقريب : مجهول ، ووالده لم نقع له على ترجمة ، وبقية رجاله ثقات ” انتهى
وللحديث شاهد من حديث واثلة بن الأسقع :
أخرجه الطبراني في ” المعجم الصغير ” (2/117) ، و ” المعجم الكبير ” (199) من طريق مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَعْرُوفٌ أَبُو الْخَطَّابِ ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ : ” لَمَّا أَسْلَمْتُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي : ( اغْتَسِلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاحْلِقْ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ) ” .
قال الطبراني: ” لَمْ يروَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، تَفَرَّدَ بِهِ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ” انتهى.
قال الهيثمي : ” وَفِيهِ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ الْوَاعِظُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ” انتهى من “مجمع الزوائد” (1/283).
وكذلك ضعف هذه الرواية الحافظ ابن حجر في “التلخيص الحبير” (2/168) .

وله شاهد ثانٍ رواه الطبراني في ” المعجم الكبير ” (19/14) من طريق قَتَادَةُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ قَتَادَةَ الرَّهَاوِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، حَدَّثَنِي عَمُّ أَبِي هَاشِمِ بْنِ قَتَادَةَ الرَّهَاوِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: ” أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ.
فَقَالَ لِي : ( يَا قَتَادَةُ اغْتَسَلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاحْلِقْ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ) ” .
قال الهيثمي : ” رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ” انتهى من “مجمع الزوائد” (1/283).
وضعفه الحافظ ابن حجر في “التلخيص” (2/ 168) .
قال الشيخ الألباني: ” تبين لي صواب تضعيف الحافظ لإسناده ، وخطأ توثيق شيخه الهيثمي لرجاله ، لأن عمدته في ذلك على ابن حبان ، فقد أورد كلا من (هاشم بن قتادة الرهاوي) و(الفضل بن قتادة الرهاوي) في ثقاته (5/503) و (7/317) .
ومن المعروف تساهل ابن حبان في التوثيق ، ولاسيما والرجلان لا يُعرفان إلا بهذا الإسناد ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الصحيحة” (6/1181) .
ثم اختار الشيخ الألباني رحمه الله تعالى تحسين الحديث بهذه الشواهد .

والذي يظهر أن ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر وغيره من العلماء من تضعيف الحديث : أرجح ، حيث إن طرقه لا تخلو من ضعف لا يقوى على الانجبار .
وممن ضعف الحديث من العلماء المحققين : ابن طاهر المقدسي في ” ذخيرة الحفاظ” (1/457) ، والنووي في “المجموع” (2/154) ، وابن دقيق العيد في ” الإمام” (1/417) ، والذهبي في ” ” تنقيح التحقيق” (2/264) ، والحافظ ابن كثير في ” إرشاد الفقيه” (1/34) ، والحافظ ابن حجر في “التلخيص” (2/168) ، والسيوطي في “الجامع الصغير” (1580) ، والمباركفوري في “تحفة الأحوذي” (2/529) ، والشوكاني في “الفتح الرباني” (9/4507) .

ثانياً :
استحب جمهور العلماء للكافر إذا أسلم : أن يحلق شعر رأسه . ينظر: “الموسوعة الفقهية” (18/101).
قال السِّنْدي: “حملوا الأمر على الاستحباب ، فقالوا : يستحب إذا أسلم الكافر أن يزيل شعره بحَلْقٍ أو قصر، والحلق أفضل” انتهى من “حاشية مسند الإمام أحمد” (8/292).
وقال النووي : ” يُسْتَحَبُّ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ رَأْسِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ” انتهى من “المجموع شرح المهذب” (2/154) .
بل قال بعضهم باستحباب حلق جميع الشعور ما عدا شعر اللحية .
وفي ” حاشية البجيرمي على الخطيب” (1/253) : ” وَيُسَنُّ لَهُ أَيْضًا إزَالَةُ شَعْرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد : ( أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ ) إلَّا لِحْيَةَ ذَكَرٍ ” انتهى .
قال ابن قدامة : ” وَيُسْتَحَبُّ إزَالَةُ شَعْرِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَسْلَمَ، فَقَالَ: احْلِقْ… وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ” انتهى من “المغني” (1/153).
وفي “كشاف القناع” (1/153) : ” وَيُسَنُّ إزَالَةُ شَعْرِهِ ، فَيَحْلِقُ رَأْسَهُ ، إنْ كَانَ رَجُلًا ، وَيَأْخُذُ عَانَتَهُ وَإِبْطَيْهِ مُطْلَقًا ” انتهى

وذهب بعض العلماء إلى أنه المقصود بهذا الحديث – على القول بصحته – حلق الشعر الذي يكون شعاراً خاصاً لأهل الكفر ، ولذا سماه في الرواية بـ ( شعر الكفر).
قال القرافي : ” وَمَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ زِيُّ الْكُفْرِ ، وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا بِغَيْرِ حَلْقٍ” انتهى من ” الذخيرة ” (1/305) .
وقال المباركفوري : ” وَالْمُرَادُ بِشَعْرِ الْكُفْرِ : الشَّعْرُ الَّذِي هُوَ لِلْكُفَّارِ عَلَامَةٌ لِكُفْرِهَا ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْهَيْئَةِ فِي الْبِلَادِ الْمُخْتَلِفَةِ .
فَكَفَرَةُ الْهِنْدِ وَمِصْرَ لَهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الرَّأْسِ ، شُعُورٌ طَوِيلَةٌ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْجَزِّ أَوِ الْحَلْقِ أَبَدًا ، وَإِذَا يُرِيدُونَ حَلْقَ الرَّأْسِ يَحْلِقُونَ كُلَّهُ إِلَّا ذلك المقدار ” .
انتهى من ” تحفة الأحوذي ” (3/183) .
وقال في “عون المعبود” (2/ 15) : ” لَيْسَ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَسْلَمَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَلْزَمَ لَهُ حَلْقُ الرَّأْسِ كَمَا يَلْزَمُ الْغُسْلُ ، بَلْ إِضَافَةُ الشَّعْرِ إِلَى الْكُفْرِ يَدُلُّ عَلَى حَلْقِ الشَّعْرِ الَّذِي هُوَ لِلْكُفَّارِ عَلَامَةٌ لِكُفْرِهَا … وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ عَلَامَةٌ مُمَيِّزَةٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ ” انتهى .
وقال الشوكاني : ” ولم ينقل إلينا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أحدًا ممن أسلم من أكابر الصحابة أن يحلق شعره ، ولا من غيرهم من متأخري الإسلام غير هذا الرجل ، ومع هذا فالحديث المذكور في حلق الرأس ضعيف كما أوضح ذلك علماء هذا الشأن” .
انتهى من “الفتح الرباني” (9/4507) .

وأما المرتد : فلم نقف على من نص من أهل العلم : أنه يستحب له حلق شعره إذا أسلم ، ولم نقف أيضا في شيء من الآثار على أمر للمرتد إذا أسلم : أن يحلق شعره .
فالظاهر أنه يختلف عن الكافر الأصلي ، مع ما ذكرناه من الخلاف في الكافر الأصلي .
ولعله لو قيل : إن المرتد الذي طال زمان ردته ، حتى نبت فيها شعره ، وصار ينسب ذلك إلى حال الكفر ، أو صار شعره ، شعارا للكفر ، كما ذكر في شأن “شعار الكفار” : لو قيل إن مثل هذا يؤمر بحلق شعره ، كالكافر الأصلي ، دون من لم يكن حاله كذلك ، ممن قربت مدة ردته لعله لو قيل ذلك ، أن يكون له وجه ، إن شاء الله .
قال العيني: ” وإنما أمر النبي عليه السلام بالحلق زيادة لتنظيفه ، وإزالةَ للشعر الذي رباه في الكفر” انتهى من ” شرح سنن أبي داود ” (2/183).

والحاصل :
أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في أمر من أسلم بحلق شعر رأسه ، والأحاديث الواردة في هذا الباب لا تخلو من ضعف – وإن كان قد حسنها بعض المتأخرين -.
وقد استحب جمهور العلماء لمن أسلم أن يحلق شعر رأسه ، وذهب بعضهم إلى أن هذا الحكم خاص بمن كان شعره على صفة أو هيئة من الهيئات التي تختص بالكفار ، ففي هذا الحال – فقط – يؤمر بحلقه ، وهذا هو الأقرب .
وللفائدة ينظر جواب السؤال : ( 14051 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android