تنزيل
0 / 0

هل يجب على الفتاة أن تتزوج إذا تقدم لها الرجل المناسب ؟

السؤال: 220841

أنا فتاة في العشرينات من عمري ، تقدم لي أكثر من رجل حسن الدين والخلق ، ولكني أرفض الزواج ؛ والسبب عدم رغبتي في الزواج أبداً ، لأنني أظن أنني سأكره العيش مع أي رجل ، وأشعر بالراحة والهدوء مع الوحدة ، بل عندما أفكر كثيراً في الزواج ، اكتئب ، وأحزن ، وتأتيني أفكار الانتحار و- العياذ بالله – ، أهلي يقلقون علي بسبب مرور مرور الوقت ، وكبر سني ، ويخشون أن تضيع هذه الفرص ، وأبقى وحيدة ، خوفاً من الفقر ، ومن ألسنة الناس ، رغم أني لا يقلقني هذا ، أهلي يذكرون الأحاديث التي تدل على سنة الزواج ، مثلاً:
( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) ، ( من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) ،
( النكاح سنتي ومن رغب عن سنتي فليس مني ) .
سؤالي :
هل يدل قول النبي صلى الله عليه وسلم على أنني يجب أن أقبل عرض الزواج من رجل حسن الخلق ، أم يسمح لي أن أرفض ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إننا نرى أنك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ تبالغين جدا في رهبتك من ذلك الأمر القادم
؛ نعم ، الرهبة من الغائب والمجهول ، هي أمر طبيعي ؛ لكن حينما يبقى في حجمه
الطبيعي أيضا ؛ وأما ما تذكرينه فهو أمر مبالغ فيه جدا ؛ فأنت ـ يا أمة الله ـ
امرأة من الناس ، وزوجك القادم : رجل من الرجال ، وما زال الناس يعيشون ويتعاشرون
على أمر الدنيا ، دون أن يصل بهم الحال إلى ما تذكرين .
ربما يكون لخوفك رواسب قديمة ، من خلال معايشات سابقة ، أو صورة رسخت في ذاكرتك ،
أو قصص تسمعينها ، وظننت أن كل زواج لا بد أن يكون كذلك .
وهو ظن خاطئ ، يكفي في بيان خطئه : ما عليه عامة الناس من العيش ، والتعايش الطبيعي
، بحسب الممكن والمتاح من أمر الناس في الدنيا .
ثم : لنفترض أن خوفك له ما يبرره ، وأن فشل هذه التجربة ، لا قدر الله ، ممكن ، أو
متوقع ؛ فاعلمي ـ يا أمة الله ـ أن الزواج في الإسلام ، ليس حكما بالمؤبد بين
الزوجين ، كما هو عند النصارى مثلا ؛ بل قد جعل الله عز وجل للزوجين فرجا ومخرجا ،
متى استحالت العشرة بينهما ، أو لم يتمكن أي منهما من عشرة صاحبه بالمعروف ؛ فشرع
الله للزوج الطلاق عند ذلك ، وشرع للمرأة أن تطلب من زوجها أن يطلقها ، أو تختلع
منه ، إذا لم تطق أمر العيش معه ، أو تعذر عليها أن تقيم حدود الله مع زوجها .
والحاصل :
أننا لا نوافقك بالمرة على هذه الرهبة ، ونقول لك : الأمر إن شاء الله أيسر مما
تظنين ؛ ثم لا مانع ، بل نحن ننصحك أن تعرضي حالتك على طبيب نفسي ، موثوق في علمه
ودينه ، فلعل عنده من الإرشادات ما يناسب حالة ” الرهاب ” التي تعيشينها من أمر
الزواج .
وأما عن قبول الزواج من رجل حسن الدين والخلق : فنعم ، قد رغب الشرع في ذلك ، كما
تعلمين ، وهذه نعمة من الله ، فاحذري أن تكفريها ، ثم إذا فات الأوان ، ومضى وقتها
، لا قدر الله عليك ذلك ، يكون الندم ، ساعة لا ينفع الندم ، واسألي من فاتهم وقت
الزواج ، ومضى بهم قطار العمر ، كيف يكون حالهم من الوحشة ، والوحدة ، والألم ؟!
ربما لا تشعرين الآن بذلك ، فأنت ما زلت في وقت الشباب ، تعيشين مع أسرتك ، لا
تعانين من ألم الوحدة والوحشة ؛ لكن مع تقدم العمر : سوف يختلف الأمر كل الاختلاف .
وفي زمن كهذا الذي نعيش فيه ، مليء بالفتن ، والشهوات ، والشبهات ، ينبغي أن يحرص
العاقل على تحصين نفسه من الفتن والشهوات ، ويسعى في تحصين فرجه بالزواج ، وإعفاف
نفسه
وأما وجوب الزواج فقد ذهب بعض العلماء إلى أن المسلم إذا كان يخشى على نفسه الفتنة
أنه يجب عليه أن يتزوج ، رجلا كان أو امرأة ، فإن لم يتزوج أثم بتعريض نفسه للفتنة
، فإن كان لا يخشى الفتنة فالزواج سنة مؤكدة في حقه وليس واجبا ، وذهب آخرون إلى
وجوب الزواج على كل مستطيع إذا كان ذا شهوة ، وأن المرأة إذا أتاها زوج مناسب وجب
عليها قبوله ، وذلك امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب أن يتزوجوا ،
وللمصالح العظيمة التي تترتب على النكاح .
وقد رجح وجوب النكاح على كل مستطيع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في ” الشرح
الممتع ” (12/8) وهو ما أفتى به الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله . فإنه سئل : هل
على المرأة من إثم إذا بقيت بلا زواج ؟ ” .
فأجاب :
” إن الله سبحانه شرع لعباده الزواج للذكور والإناث ، قال سبحانه : ( وَأَنْكِحُوا
الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ
يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) … وقال النبي عليه
الصلاة والسلام: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر
وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، وهذا يعم الجميع ، يعم
الرجال والنساء ،
فالواجب على الرجل والمرأة ، هو الزواج ، إذا تيسر ذلك واستطاع ذلك ، لما في الزواج
من المصالح العظيمة ، من عفة الفرج ، وغض البصر، وتكثير الأمة ، كما قال النبي عليه
الصلاة والسلام: ( تزوجوا الولود الودود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) ؛
فالنبي صلى الله عليه وسلم يكاثر الأمم بأمته عليه الصلاة والسلام ، فتكثير الأمة
في عبادة الله وطاعته أمر مطلوب ، فالرجل يجب عليه أن يسعى في ذلك ، ويبذل وسعه حتى
يتزوج .
وقد اختلف العلماء رحمة الله عليهم في الوجوب :
فقال قوم من أهل العلم : إنه يشرع ولا يجب ، إلا إذا خاف على نفسه الفاحشة ، فإن
خاف على نفسه وجب عليه الزواج، وإلاَّ فلا .
والصواب أنه يجب عليه ؛ إذا كان ذا شهوة ، فإنه يجب عليه الزواج إذا استطاع ذلك ؛
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج ) ، ولم يقل: إن خاف على نفسه ، بل قال : ( فليتزوج ) وأطلق ، وهذا أمر ،
والأمر أصله للوجوب ، ما لم يرد ما يدل على صرفه عنه .
والمرأة كذلك ، إذا كانت ذات شهوة ، وترغب في النكاح ، فإن عليها أن تتزوج ، إذا
تيسر لها الزوج ؛ لما في ذلك من التسبب في إحصان الفرج ، وغض البصر ، والبعد عن
أسباب الهلكة ، ولأنها من جنس الرجل في المعنى ؛ فكما يجب على الرجل أن يحصن فرجه ،
ويسعى لغض بصره ، فهي كذلك . والله يقول سبحانه: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ ) ؛ فإذا تيسر لها الزواج ، وهي ترغب في النكاح كسائر النساء ،
فالواجب عليها أن تتزوج ، وتأثم إذا تركت ذلك .
أما إذا لم يتيسر ذلك ، ولم يحصل لها الزواج فلا حرج عليها ؛ لأن الله سبحانه قال:
( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا
وُسْعَهَا).
ولكن متى استطاعت ، ولو ببذل شيء من مالها، ولو بمهر قليل ، إذا خطبها الكفء، فإن
الواجب عليها وعلى أوليائها أن يساعدوها في الزواج ، ولا يعطلوها .
فالمقصود أن التزوج فيه مصالح جمة للرجل والمرأة ، وعلى الرجل أن يسعى في التماس
المرأة الصالحة ، التي تعفه ويحصل بها المطلوب : لجمالها ودينها.
والمرأة كذلك، عليها أن تسعى في ذلك بما تستطيع من الطرق الحسنة ، وألا ترد كفئًا
إذا خطب ، وعلى أوليائها ألا يردوا الكفء ، لما في ذلك من المصلحة العظيمة ، فينبغي
لكل منهما العناية بهذا الأمر ، والحرص عليه بالطرق الحكيمة ، والطرق السليمة
الشرعية التي تسبب حصول الزواج من دون وقوعٍ في محارم ، ومن تعرضٍ لما يغضب الله
سبحانه وتعالى ، رزق الله الجميع التوفيق والهداية ، ولا يجوز ترك الزواج مع القدرة
” انتهى باختصار من ” فتاوى نور على الدرب لابن باز ” ، بعناية الشويعر (20/50) وما
بعدها .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (82968) ، ورقم : (34652) ، ورقم : (6254) .
وعلى كل حال ، فالزواج في حقك إما سنة مؤكدة وإما واجب ، فلا ينبغي لك أن تتركيه
متى تقدم لك الشاب المناسب .
ومتى كان عندك مانع نفسي ، أو جسدي ، فاجتهدي في علاجه ، ودفعه عنك ؛ فلكل داء دواء
، حتى أدواء النفوس .
يسر الله لك أمرك ، وجمع عليك شملك ، ورزقك الهدى والتقى ، والعفاف والغنى .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android