أمس كان موعد الحيض لدي ، فأدخلت الصباح قماشا وخرج عليه أثر دم ؛ فأفطرت ، وبقيت هكذا طوال النهار ، كلما أدخلت القماش أرى دما ، ولكن لم يخرج للخارج إلا بعد العشاء. فما حكم فطري مع وجود الدم داخلا ، ولم يخرج للخارج ، يعني إذا أدخلت القماش يخرج عليه دم ، وأما إذا لم أدخله لا يخرج شيء على الملابس . هل يعتبر حيضا . وما حكم فطري وتركي للصلوات في هذا الوقت ؟ جزاكم الله خيرا .
هل الدم في باطن الفرج يأخذ حكم الحيض ولو لم يخرج بعد ؟
السؤال: 222030
ملخص الجواب
إذا أدخلت القماش إلى باطن الفرج – في موعد الدورة المعتاد – فخرج وعليه شيء من الدم : فإنه حيض ، وتحرم حينئذٍ عليك الصلاة والصيام ، وإن لم يلامس الدم الثياب ، ويجب عليك قضاء الصيام الذي أفطرته تلك الأيام .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الدم الذي يكون في باطن الفرج [ مكان إدخال القطنة ] ولا ينتقل ويبرز إلى الظاهر : يعد حيضاً ، ولا يشترط في الدم حتى يأخذ حكم الحيض أن يخرج إلى ظاهر الفرج ، بل إذا بقي في باطن الفرج يلوث القطن الداخل فهو حيض أيضا .
وهو مذهب الشافعية والحنابلة ، ورواية عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني .
إذ المقصود هو تحقق وقوع الدورة الشهرية التي هي انسلاخ بطانة الرحم نتيجة عدم تلقيح البويضة ، والدم على قطعة القماش الداخلة في الفرج علامة واضحة على انسلاخ بطانة الرحم الذي هو الحيض.
ويدل عليه ظاهر قول الله عز وجل : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/222.
فقوله سبحانه وتعالى ( قل هو أذى ) إشارة إلى أن العبرة بوقوع الأذى ، وهو حاصل حتى لو لم يبرز الدم إلى ظاهر الفرج ، فهذا الأذى يظهر بالآلام المرافقة ، وبأعراض الطمث الأخرى.
ويدل عليه أيضا ما رواه مالك في ” الموطأ ” (189) بسنده عن أم علقمة قالت : ( كَانَ النِّسِاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ ، فِيهِ الصُفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ ، يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلاَةِ ، فَتَقُولُ لَهُنَّ : لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ ) تُرِيدُ بِذلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ .
وفيه دلالة على أن النساء كن يعددن الصفرة التي تكون على ( الكرسف ) علامة على الحيض ، وأكدت ذلك عائشة رضي الله عنها ، والمراد بالكرسف هنا القطن الذي كانت النساء تدخله لتتبع الحيضة .
وروى ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (1/90) بإسناده أنه كانت عمرة بنت عبدالرحمن المدنية – من فقهاء التابعين (ت98هـ) – تقول للنساء : إذا إحداكن أدخلت الكرسفة فخرجت متغيرة ، فلا تصلين حتى لا ترى شيئا .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: ” الدم في باطن الفرج له حكم الحيض إذا وجد في وقت إمكانه ، وباطن الفرج هو ما لا يظهر بالجلوس على القدمين حيض إذا وجد في وقت إمكانه … والحكم بحدث الحيض وأحكامه المترتبة عليه مداره على العلم بوجود دم في الفرج يمكن كونه حيضاً ، بحيث إن وجد فيه ذلك حُكم بالحيض ، وحيث لا فلا … والحيض يطرأ ويزول ، فحيث وجد في الفرج حكمنا وإن لم يخرج إلى ظاهره ، وهو ما يظهر بالجلوس على القدمين ، إذ لا مشقة في الحكم حينئذ بأنه حيض ” انتهى من ” الفتاوى الفقهية الكبرى ” (1/76)
وقال البهوتي : ” فَيَثْبُتُ بِانْتِقَالِهِ مَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ ، فَإِذَا أَحَسَّتْ بِانْتِقَالِ حَيْضِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهِيَ صَائِمَةٌ أَفْطَرَتْ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ إلَّا بَعْدَهُ”. انتهى من “شرح منتهى الإرادات” (1/79).
وذهب بعض العلماء إلى أنه ليس بحيض حتى يبرز الدم إلى ظاهر الفرج ، وهو مذهب الحنفية.
يقول الكاساني رحمه الله : ” خروج [ الحيض ] أن ينتقل من باطن الفرج إلى ظاهره ، إذ لا يثبت الحيض والنفاس والاستحاضة إلا به في ظاهر الرواية ” انتهى من ” بدائع الصنائع ” (1/39)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : “يرى بعض العلماء أن الحيض إذا انتقل -ليس إذا أوجع البطن- ولكن ما خرج وبقي داخل الفرج، يرى أنه مثل الخارج ، وهذا القول ضعيف.
والصحيح: أنه لا تفطر المرأة أو لا يفسد صومها إلا بخروج الحيض بارزاً، أما ما دام مجرد أوجاع ، أو أنها أحست بأنه انتقل، لكن ما خرج فهذا لا يؤثر شيئاً “. انتهى من “جلسات رمضانية” الدرس (16) ص (20) بترقيم الشاملة .
وقال : ” إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح ، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل ؟
قال: (نعم إذا هي رأت الماء) .
فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله”. انتهى من “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (11/ 235)
والقول الأول أرجح ؛ لقوة أدلتهم ، وهو ما يرجحه شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى .
وعليه :
فإذا أدخلت القماش إلى باطن الفرج – في موعد الدورة المعتاد – فخرج وعليه شيء من
الدم : فإنه حيض ، وتحرم حينئذٍ عليك الصلاة والصيام ، وإن لم يلامس الدم الثياب ،
ويجب عليك قضاء الصيام الذي أفطرته تلك الأيام .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب