0 / 0

من لم تبلغه الدعوة ، بسبب عاهة كالصمم فإنه يمتحن يوم القيامة ، ومن بلغته منهم لم يمتحن .

السؤال: 222051

في الحديث النبوي الشريف قال عليه الصلاة والسلام : ( أربعةٌ يحتجون يومَ القيامةِ : رجلٌ أصمُّ لا يسمعُ شيئًا …….”
سؤالي : ما الحكمة أن الأصم يمتحن يوم القيامة دون الأبكم والأعمى ، يعني الأصم يمكن أن تصله الدعوة عن طريق الكتابة أو ربما هناك طرق أخرى ؟ وهل من أقوال للعلماء على هذا الحديث ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى الإمام أحمد رحمه الله في “مسنده” (16301) عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا ) وحسنه محققو المسند ، وصححه الألباني في “الصحيحة” (1434) وله شواهد متعددة ، ذكرها ابن كثير في تفسيره (5/50-53) .
والمقصود من ذكر الأصم والأحمق وغيرهما : ذكر من لم تقم عليه الحجة بسبب ما أصابه من عاهة أو غير ذلك ، فكل من أصابه شيء يمنع من إقامة الحجة عليه فإنه يكون معذورا ويمتحن يوم القيامة .
وقد جاء ذكر الأبكم مع الأصم في الحديث :
قال الحافظ السيوطي رحمه الله : ” أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال: ” إذا كان يوم القيامة ، جمع الله أهل الفترة ، والمعتوه ، والأصم ، والأبكم ، والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ، ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، فيقولون: كيف ولم تأتنا رسل ؟ قال: وايم الله ، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما، ثم يرسل إليهم ، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم [وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا] الإسراء/ 15 ). إسناده صحيح على شرط الشيخين ، ومثله لا يقال من قبل الرأي ، فله حكم الرفع ” .
انتهى من “الحاوي” (2/ 247) .
أما الأعمى : فحاله أهون منهما ، لأنه يسمع ويتكلم ويدرك إدراكا صحيحا ، ولا يكاد يحول عماه عن إقامة الحجة عليه .
وبكل حال : فمن حالت عاهته دون قيام الحجة عليه فهو معذور ، سواء كان أبكم أو أصم أو غير ذلك .
ومن لم تحل عاهته دون قيام الحجة عليه فليس بمعذور.
ومن كانت عاهته تؤثر على إدراكه في أشياء دون أشياء فهو معذور فيما لا يدركه ، وغير معذور فما يدركه .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الأصم الأبكم ، هل هو مكلف مثل غيره من المسلمين؟
فأجاب :
” الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه ، وهما السمع والنطق ، ولكن بقي عليه النظر، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر؛ فإنه لا يسقط عنه، وما كان لا يدركه ؛ فإنه يسقط عنه ، أما ما كان طريقه السمع إذا كان لا يدركه بالإشارة فإنه يسقط عنه، وعلى هذا فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول: إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله ، لكنه ما دام يعيش بين المسلمين فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام ، يعلم بعض الأشياء بالإشارة ، وأنا أعرف الذين في معهد الصم والبكم في الرياض يعرفون بالإشارة أسرع من النطق ؛ لأن هناك أناساً يترجمون لهم بالإشارة فيفهمون منهم مباشرة ” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (11/ 22) بترقيم الشاملة .

فإذا وصلت الدعوة إلى الأبكم أو الأصم أو غيرهما عن طريق الكتابة أو الإشارة ، بحيث تكون الحجة قد أقيمت عليه ، وفهم ما يقال له ، وتبين له طريق الهدى من طريق الضلالة : فإنه لا يكون معذورا .
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث التي فيها امتحان هؤلاء يوم القيامة :
” هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْقُرْآنِ ، وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ ، فَهِيَ تَفْصِيلٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ حُجَّتَهُ عَلَيْهِمْ ، وَأَحَقُّ الْمَوَاطِنِ أَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُجَّةُ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، وَتُسْمَعُ الدَّعَاوَى ، وَتُقَامُ الْبَيِّنَاتُ، وَيَخْتَصِمُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ ، وَيَنْطِقُ كُلُّ أَحَدٍ بِحُجَّتِهِ وَمَعْذِرَتِهِ ، فَلَا تَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَتَنْفَعُ غَيرهُمْ ” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (2/ 1149) .
فالمعيار هو قيام الحجة ممن قامت عليه الحجة فلا عذر له ، ومن لم تقم عليه الحجة ، فإنه يكون معذورا .
ثانياً :
من كان من هؤلاء من أولاد المسلمين : فهم تبع لآبائهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” حُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الطِّفْلِ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ، وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِي وُلِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَهْلِ الدَّارِ كَمَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ لِلْأَطْفَالِ ، لَا لِأَجْلِ إيمَانٍ قَامَ بِهِ ، فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَجَانِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/ 437) .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (147146) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android