قرأت في كتاب شرح معاني الآثار للطحاوي أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يرفع يده في الصلاة مرة واحدة فقط في بدايتها ، وأن الرواة هم من رجال الصحيحين ، فما صحة هذا الأثر؟
ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما من أنه كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا عند افتتاحها : لا يصح عنه .
السؤال: 222435
ملخص الجواب
والحاصل : أن هذا الأثر لا يصح عن ابن عمر رضي الله عنهما ، لتفرد أبي بكر بن عياش به ، وهو ، وإن روى له البخاري في صحيحه واحتج به ، إلا أنه أخطأ في هذا الحديث ، وخالف من هم أتقن حفظا ، وأكثر عددا . أما قول القائل بأن رواته رواة الصحيحين : فغير صحيح ، لأن أبا بكر بن عياش روى له البخاري دون مسلم ، وقد تبين خطؤه كما تقدم ، فلا يظنن ظان أن إسناده على شرط البخاري ، فضلا عن الصحيحين ؛ لأن من شروط الحديث الصحيح ألا يكون شاذا أو معلا ، وقد تبين بما تقدم أن هذا الأثر معلول شاذ . وقد يكون الراوي ممن احتج به الشيخان أو أحدهما ، إلا أن ذلك لا يمنع من الحكم عليه في بعض مروياته بالخطأ ، إذا خالف الثقات ، أو خالف من هو أحفظ منه ، وفي رجال الصحيحين : جملة من ذلك ، لكن الشيخين كانا ينتقيان حديث هؤلاء . وقد رُوي من حديث ابن عمر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يده إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود . وهو حديث باطل موضوع ، انظر لتوضيح ذلك مع زيادات نافعة : "سلسلة الأحاديث الضعيفة " (943) . والله تعالى أعلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى ابن أبي شيبة في ” المصنف “(2452) ، والبيهقي في “المعرفة” (2/ 428) ، والطحاوي في “شرح معاني الآثار” (1/225) من طريق أبي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ” مَا رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَا يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ ” .
وهذا الأثر ظاهره الصحة ، إلا أنه معلول بعلتين :
أولا : أنه خلاف الثابت عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا ؛ فقد روى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ : ” أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ “، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وروى البخاري (735) ، ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ ” .
انظر جواب السؤال رقم : (21439) .
ثانيا :
أنه مما تفرد به أبو بكر بن عياش ، وهو متكلم فيه ، وكان يخطئ ويخالف ، قال الإمام أحمد : ثقة ربما غلط ، وقال عثمان الدارمي : ليس بذاك في الحديث ، وقال ابن حبان : كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر ساء حفظه ، فكان يهم إذا روى ، وقال العجلي: كان ثقة قديما ، صاحب سنة وعبادة ، وكان يخطئ بعض الخطأ ، وقال ابن سعد : كان ثقة صدوقا عارفا بالحديث والعلم ، إلا أنه كثير الغلط.
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالحافظ عندهم. وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه اضطراب، وقال الساجي: صدوق يهم ، وقال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه ، وقال البزار: لم يكن بالحافظ .
“تهذيب التهذيب” (12 /32-33) .
وقد خولف أبو بكر بن عياش في هذا الحديث ، وحكم العلماء عليه بالغلط فيه ، منهم الإمام البخاري ، الذي روى له في الصحيح واحتج به .
قال البيهقي رحمه الله عقب روايته لهذا الأثر :
” وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ – يعني هذا الحديث – مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، مِمَّا لَوْ عَلِمَهُ الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى الثَّابِتِ عَنْ غَيْرِهِ .
ثم روى عن البخاري قال : ” وَالَّذِي قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ ، قَدْ خُولِفَ فِيهِ عَنْ مُجَاهِدٍ :
قَالَ وَكِيعٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الرَّبِيعِ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ.
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ . هَذَا أَحْفَظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ: وَقَالَ صَدُقَةُ: إِنَّ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، كَانَ صَاحِبُهُ قَدْ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ، يُرِيدُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَالَّذِي رَوَاهُ الرَّبِيعُ وَلَيْثٌ أَوْلَى، مَعَ رِوَايَةِ طَاوُسٍ، وَسَالِمٍ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ .
قال البيهقي : وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْقَدِيمِ كَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا. مَوْقُوفًا، ثُمَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ حِينَ سَاءَ حِفْظُهُ، فَرَوَى مَا قَدْ خُولِفَ فِيهِ ” انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ : فَعَوَّلُوا عَلَى رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ : أَنه صلى خلف ابن عُمَرَ ، فَلَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
وَأُجِيبُوا : بِالطَّعْنِ فِي إِسْنَادِهِ ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ رَاوِيَهُ سَاءَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ : فَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أولى من وَاحِد ، لَا سِيمَا وَهْمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ …
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ : مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْء رفع الْيَدَيْنِ ، عَن مَالك : أَن ابن عُمَرَ كَانَ إِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع : رَمَاه بالحصا ” انتهىمن “فتح الباري “(2/220) .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة