عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال ” كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى ، إِلَّا فِي تِسْعٍ ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا ” ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فقَالَت : هَذِهِ زَيْنَبُ ، فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا ، حَتَّى اسْتَخَبَتَا وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا ، فقَالَ : اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَت عَائِشَةُ : الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ ، فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ ، فقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : أَتَصْنَعِينَ هَذَا ” .
سؤالي : ماذا قصد أبو بكر بقوله ” احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ” ؟ لماذا جاءت زينب إلى بيت عائشة ما دام أن ذلك اليوم مخصص لعائشة رضي الله عنهن ؟ لماذا مَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم يده إلى زينب ثم كفها ؟ ماذا قصد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مد يده إلى زينب ؟ ما هو معنى الحديث بالتفصيل ؟
ليلة في بيت النبوة
السؤال: 222532
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
روى مسلم (1462) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ” كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ ، لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : هَذِهِ زَيْنَبُ ، فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ، فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا ، فَقَالَ : اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ ، فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ ، أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : أَتَصْنَعِينَ هَذَا ؟! ” .
هذا الحديث الصحيح يبين لنا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن صحبة زوجاته رضي الله عنهن ، ومعاشرتهن بالمعروف كما أمر الله تعالى .
وليس في الحديث – بحمد الله – ما يدل من قريب أو بعيد – على عدم العدل بين الزوجات ، فإن هذا الاجتماع كان برضاهن جميعا ، ثم إنه كان يتكرر في كل ليلة ، يجتمع نساؤه صلى الله عليه وسلم في بيت صاحبة الليلة ، وهذا من رفقه صلى الله عليه وسلم بهن ، لما كان عنده تسع نسوة ، اصطلح نساؤه على ذلك الأمر ، لئلا يطول العهد برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا انتظرت ثمان ليال قبل أن تأتي ليلتها ، وإذا قدر أن صاحبة الليلة نقص شيء من حظها في ليلتها ، فهي سوف تعوضها في ليلة غيرها ، حينما تجتمع في بيتها ، كما حصل لها .
قال الشوكاني رحمه الله :
” فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ أَنْ يُفْرِدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةً بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا ، بَلْ يَجُوزُ مُجَالَسَةُ غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ وَمُحَادَثَتُهَا ، وَلِهَذَا كُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ ” انتهى من ” نيل الأوطار ” (6/257) .
وقال النووي رحمه الله :
” وأما مد يده إلى زينب ، وقول عائشة : ” هذه زينب ” ، فقيل : إنه لم يكن عمدا ، بل ظنها عائشة صاحبة النوبة ؛ لأنه كان في الليل ، وليس في البيوت مصابيح ، وقيل : كان مثل هذا برضاهن ” انتهى من ” شرح النووي على مسلم ” (10/47) .
فجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مد يده إلى زينب يظنها عائشة ، فلما قالت عائشة : ( إنها زينب ) كف يده عنها ؛ لئلا تغار أختها وهي في بيتها .
وجائز أن يكون مد يده إليها وهو يعلم أنها زينب ، وكان ذلك برضاهن ، فلما قالت عائشة : ( إنها زينب ) علم أنها لا تحب ذلك فكف يده عنها خشية أن تغضب ، ومده صلى الله عليه وسلم يده إليها من مداعبته لها ، وهذا من تمام العشرة الطيبة والمعاملة بالمعروف .
ثانيا :
روى أبو داود (2135) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : ” يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا ، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا ، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا ، فَيَبِيتَ عِنْدَهَا ” ، وصححه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود ” .
قال الشوكاني رحمه الله :
” يَجُوزُ لِلزَّوْجِ دُخُولُ بَيْتِ غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ وَالدُّنُوُّ مِنْهَا وَاللَّمْسُ إلَّا الْجِمَاعَ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ ” انتهى من ” نيل الأوطار ” (6/257) .
ثالثا :
أراد أبو بكر رضي الله عنه بقول ذلك زجرهن عن الاصطخاب وفرط التغاير ، بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئلا يتكدر خاطره الشريف ، صلى الله عليه وسلم .
قال النووي رحمه الله :
” وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ) فَمُبَالَغَةٌ فِي زَجْرِهِنَّ وَقَطْعِ خِصَامِهِنَّ ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَشَفَقَتُهُ وَنَظَرُهُ فِي الْمَصَالِحِ .
وَفِيهِ إِشَارَةُ الْمَفْضُولِ عَلَى صَاحِبِهِ الْفَاضِلِ بِمَصْلَحَتِهِ ” انتهى من ” شرح النووي على مسلم ” (10/48) .
والمقصود من الحديث ، بيان مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حُسْنِ الْخُلُقِ وَمُلَاطَفَةِ الْجَمِيعِ ، والعمل على زوال الوحشة من صدروهن .
وللفائدة ينظر في جواب السؤال رقم : (120065) ، وجواب السؤال رقم : (191429) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة