تعرضت لخطر الولادة المبكرة وأنا حامل في الشهر السادس ، والحمد لله تلقيت العلاج ، وأمرني الطبيب بالبقاء في الفراش وعدم النهوض إلا لقضاء الحاجة ، وأنا الآن أصلي وآكل ، وأفعل كل شيء ، وأنا مستلقية في الفراش ، قرأت أنه يكفيني التيمم بدلا من النهوض للوضوء ، خاصة وأنني أتوضأ لكل صلاة ، بحكم الرطوبة ، ولكن وجدت أيضا أنه على من أمكنه الوضوء عن جزء : فعل ، وتيمم عن العضو الباقي . في بعض الأحيان : يتصادف نهوضي للحمام مع وقت الصلاة . فسؤالي هو : هل أتوضأ أو أغتسل إن قمت ، سواء عن الحدث الأصغر أو الأكبر ، وأتيمم عن رجلي ، لأنهما أصعب شيء بسبب الضغط على البطن والرحم ؟ أم أسأل أمي التي ترعاني حاليا ، أن تغسل قدمي ، مع أنه يشق علي حتى التفكير في ذلك ؟ أم أكتفي بغسل قدم بأخرى ، مع أن ذلك لن يغطي جميع المواضع ، خاصة بين الأصابع. وهل مرة واحدة عن كل قدم تجزئ ؟ وهل آثم إن ولدت قبل الأوان ، وتضرر جنيني ، بسبب إصراري على الوضوء أحيانا ، وعلى الغسل بدل التيمم ؟
مريضة وتخاف الضرر من انحنائها لغسل رجليها
السؤال: 222832
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الأوامر التي أمر الله بها ، يفعل المسلم منها ما يستطيع ، وما لا يستطيعه فإنه يسقط عنه ، ولا يُطالَب به .
قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
” يأمر تعالى بتقواه ، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة .
فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد ، أنه يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه ، فإنه يأتي بما يقدر عليه ، ويسقط عنه ما يعجز عنه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ” .
انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ” ( ص 868 ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) رواه البخاري ( 7288 ) ، ومسلم ( 1337 ) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
” وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( َإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأمر فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) دليل على أن من عجز عن فعل المأمور به كله ، وقدر على بعضه ، فإنه يأتي بما أمكنه منه ، وهذا مطرد في مسائل :
منها الطهارة ، فإذا قدر على بعضها ، وعجز عن الباقي : إما لعدم الماء ، أو لمرض في بعض أعضائه دون بعض ، فإنه يأتي من ذلك بما قدر عليه ، ويتيمم للباقي ، وسواء في ذلك الوضوء والغسل على المشهور ” انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” ( 1 / 256 ) .
فإذا لم تستطيعي الانحناء لغسل قدميك بيديك ، فيكفي أن تفرغي الماء عليهما وتتأكدي من وصوله إلى جميع القدم ، ولعل هذا باستطاعتك فعله ، ولا يجب أن تكرري الغسل ثلاث مرات ، ولا يلزم أن تدلكيهما بيدك ، فالدلك ليس واجبا عند جمهور العلماء ، للفائدة راجعي الفتوى رقم : ( 93056) .
وكذا تخليل الأصابع ؛ فإذا دخل الماء بين الأصابع فإن هذا يكفي ، والتخليل في هذه الحالة سنة عند جمهور العلماء راجعي الفتوى رقم : (126379).
ويمكنك أن تضعي ماء في إناء ، ثم تغمسي قدمك في هذا الماء حتى يصل الماء إلى الكعبين ، فهذا يكفيك أيضا .
وإذا لم تستطيعي أن تفعلي ذلك بنفسك ، فلا حرج عليك من أن تطلبي المساعدة من والدتك أو غيرها .
وليس في هذا إساءة أدب ، لأنك إنما تطلبين هذا بسبب ظروفك المرضية التي تمرين بها .
ثم إن وضع الماء في الإناء : هو مثل المساعدة في الوضوء ، وهو ألطف من مباشرة غسل القدم ، إن كان يشق على نفسك أن تطلبي ذلك من الوالدة ، وهو يؤدي الغرض، إن شاء الله .
فإذا عجزت عن كل هذا ففي هذه الحالة يشرع لك التيمم عن قدميك .
ثانيا :
فعل الرخصة لمن هو في حاجة إليها : أمر مشروع ومحبوب إلى الله تعالى .
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ ) رواه أحمد ( 10 / 107 ) ، وصححه الألباني في ” إرواء الغليل ” ( 3 / 9 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” فعدول المؤمن عن الرهبانية والتشديد وتعذيب النفس الذي لا يحبه الله ، إلى ما يحبه الله من الرخصة : هو من الحسنات التي يثيبه الله عليها” انتهى من ” مجموع الفتاوى “( 10 / 462 ) .
ثالثا :
أما إلحاق الضرر بالنفس ، أو بالغير ، من غير إذن من الشارع : فهو محرم من غير شك .
قال الله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة/ 195.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
” والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين : ترك ما أُمر به العبد ، إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح ، وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح ، فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة … ومن ذلك : تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوف ، أو محل مسبعة أو حيات ، أو يصعد شجرا أو بنيانا خطرا ، أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك ، فهذا ونحوه ، ممن ألقى بيده إلى التهلكة ” .
انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ” ( ص 90 ) .
وقال الله تعالى : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء /29 .
أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه .
وبناء على هذا ، فلا يجوز لك أن تفعلي شيئا يكون سببا في الإضرار بنفسك أو بالجنين ، فإذا نصحك الطبيب بعدم الحركة كثيرا أو بأن اغتسالك سوف يكون خطرا على الجنين : فإنك تكتفين بالتيمم حينئذ .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة