ما صحة حديث قتل عبدالله ابن أنيس لخالد الهذلي والإتيان برأسه الى النبي صلى الله عليه وسلم ؟
هل ورد في السنة ما يدل على قطع رؤوس الكفار وحملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال: 222911
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
هذا الحديث رواه الإمام أحمد (16047) ، وأبو داود في سننه (1249) – واللفظ له – من طريق عبد الله بن عبد الله بن أُنيس عن أبيه ، قال: ” بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِىِّ – وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفَاتٍ – فَقَالَ : ( اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ ) .
فَرَأَيْتُهُ وَحَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إِنْ أُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، فَانْطَلَقْتُ أَمْشِى وَأَنَا أُصَلِّى ، أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ .
فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ ؟
قُلْتُ : رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ؛ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ لِهَذَا الرَّجُلِ ، فَجِئْتُكَ فِي ذَاكَ .
قَالَ: إِنِّي لَفِي ذَاكَ .
فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي عَلَوْتُهُ بِسَيْفِي حَتَّى بَرَدَ [ أي مات]).
والحديث سكت عنه الإمام أبو داود ، وقد قال في “رسالته إلى أهل مكة” (ص: 27): “مَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح” انتهى.
وصححه ابن خزيمة في “صحيحه” (982) ، وابن حبان في “صحيحه” (7160) ، وحسَّن إسناده النووي في “خلاصة الأحكام” (2/750) ، والعراقي في “طرح التثريب” (3/150) ، والحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (2/437).
وقال الحافظ ابن كثير : ” إسناده لا بأس به ” انتهى من ” إرشاد الفقيه” (1/188).
ثانياً :
ليس في هذه الرواية أن عبد الله بن أنيس قطع رأس خالد بن سفيان الهذلي وحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد ذلك في بعض الروايات الضعيفة التي لا تثبت :
أخرجه ابن شبَّة في “تاريخ المدينة” (2/ 467) قال : حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: ” بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إِلَى ابْنِ نُبَيْحٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، انْعَتْهُ لِي ؛ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُهُ، فَنَعَتَهُ لَهُ ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ هِبْتَهُ .
فَقَالَ: مَا هِبْتُ شَيْئًا قَطُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ عُرَنَةَ ، فَلَمَّا لَقِيَهُ ابْنُ نُبَيْحٍ قَالَ لَهُ: مَا حَاجتَّكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: جِئْتُ فِي طَلَبِ قَلَائِصَ .
وَكَانَ ابْنُ أُنَيْسٍ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فِي مَكَانٍ خَبَّأَهَا فِيهِ ، فَمَرَّ يُمَاشِيهِ سَاعَةً وَيُسَائِلُهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنْهُ كَأَنَّهُ يُصْلِحُ شَيْئًا، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ .
قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ: فَأَخَذَ رِجْلَ نَفْسِهِ فَرَمَانِي بِهَا، فَلَوْ أَصَابَتْنِي لَأَوْجَعَتْنِي .
قَالَ: ثُمَّ جَاءَ بِرَأْسِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
وهذه الرواية معضلة ، حيث لم يذكر الإمام مالك سنده فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرجه الواقدي في “المغازي” (ص:533) فقال: حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: ” بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ ، وَكَانَ نَزَلَ عُرَنَةَ وَمَا حَوْلَهَا فِي نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ ، فَجَمَعَ الْجُمُوعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ … فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ ، فَبَعَثَهُ سَرِيّةً وَحْدَهُ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ ،… قال عبد الله : فَجَلَسْت مَعَهُ ، حَتّى إذَا هَدَأَ النّاسُ وَنَامُوا وَهَدَأَ، اغْتَرَرْته فَقَتَلْته وَأَخَذْت رَأْسَهُ …
حَتّى جِئْت الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمّا رَآنِي قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ! قُلْت: أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللهِ! فَوَضَعْت رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخْبَرْته خَبَرِي … الخ .
وإسناد هذه الرواية ضعيف جدا ، فالواقدي حكم عليه جمعٌ من الأئمة بالكذب ، منهم الإمام أحمد ، وقال الحافظ الذهبي : ” واستقر الاجماع على وهن الواقدي”.
انتهى من “ميزان الاعتدال” (3/666).
ثم إن موسى بن جبير من أتباع التابعين ولم يذكر سنده في هذه الرواية .
والروايات الصحيحة ليس فيها إلا أن عبد الله بن أنيس قتله ، دون قطع رأسه وحمله للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فهذه الزيادة في الحديث: منكرة .
وجميع الروايات التي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم حُملت له بعض رؤوس أعدائه ، كإتيانه برأس كعب بن الأشرف ، أو الأسود العنسي ، أو رأس رفاعة بن قيس ، واحتزاز ابن مسعود لرأس أبي جهل في غزوة بدر : جميع هذه الروايات ضعيفة ، ولا يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حُمل إليه شيء منها ، وإنما الثابت قتلهم فحسب .
قال الإمام أبو داود السجستاني في “المراسيل” صـ 328 : : ” فِي هَذَا أَحَادِيثُ عَن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ “.
وروى النسائي في “السنن الكبرى” (8620)- بسند صحيح كما قال الحافظ في “التلخيص” (4/201)- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَشُرَحْبِيلَ ابْنَ حَسَنَةَ، بَعَثَاهُ بَرِيدًا [ أي : رسولا مسرعا] بِرَأْسِ (يَنَّاقٍ الْبِطْرِيقِ) إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالرَّأْسِ : أَنْكَرَهُ !.
فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا.
فقَالَ: ” أَفَاسْتِنَانًا بِفَارِسَ وَالرُّومِ ؟ لَا يُحْمَلَنَّ إِلَيَّ رَأْسٌ ، فَإِنَّمَا يَكْفِينِي الْكِتَابُ والْخَبَرُ”.
وفي رواية أخرى عند البيهقي في “السنن الكبرى” (9/132) أنه قال: (إِنَّمَا هَذِهِ سُنَّةُ الْعَجَمِ) .
وفي “سنن سعيد بن منصور” (2651) عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ” لَمْ يُحْمَلْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسٌ قَطُّ ، وَلَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَحُمِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَأْسٌ ، فَأَنْكَرَهُ “.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب