0 / 0

هل تتعلم القرآن من معلمة تتعصب لرأيها ؟

السؤال: 223726

سمعت البارحة إحدى معلمات القرآن ممن تفضل الله عليهن بتعليم النساء القرآن في المسجد الذي أتعلم فيه ، حين تكلمنا فيما يخص اختلاف العلماء في النقاب ، خاصة أمام أخي الزوج وزوج الخالة وغيرهم خال الزوج – قالت : إنه لا أصل لهذا الأمر في الدين ، بل الوجه والكفان أمام الأجانب . وفي الأصل هؤلاء ليسوا أجانب في مذهبنا مذهب الإمام مالك . وقالت : أعطني دليلا على أن النقاب يوجد في الدين الإسلامي ، أو في القرآن ، أو السنة ، صراحة . لأن معلم القرآن له قدره مع طلبته .
قلت لها – وأردت أن لا أزيد معها بصفتها درست الشريعة ومعلمة القرآن – احتراما : اقرئي حادثة الإفك حين قالت عائشة عن صفوان بن المعطل رضي الله عنهما لما رآها : ( فخمَّرتُ وجهي بجلبابي وكان يعرفني قبل الحجاب ) ، قلت لها : سمعت الشيخ الفلاني يقول : وإن كنتَ قد اقتنعت بجواز كشف الوجه ، فلا تسفه القول الآخر . والعلماء يقولون إن المسألة فيها خلاف ، والراجح تغطية المرأة لوجها وكفيها .
قالت – حين وَجَدَت عندي الحجة بفضل الله ، والله أعلم خافت أني أحضر لها دليل العلماء الكبار مثل الشيخ ابن باز وغيرهم وتصبح شوشرة ؛ لأن في المسجد الذي أتعلم فيه يرفضون أن يأتي أحد ولو كان ذا علم أن يأتي بفتوى السعودية بالتحديد – تقول بلسانها ناصحه لي : إياك أن تأخذي بفتوى السعودية وعلمائها ، لديهم تشدد . انظري إلى من يذهب إلى الحج ويأخذ بفتواهم كيف يقع في التشديد على نفسه . اتبعي علماء الجزائر ومشايخها والمذهب المالكي ، وقد تنفرين الناس بالنقاب الذي ترتدينه ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما .
وأمور أخرى مخالفة للشرع تجيزها للنساء بصفتها درست الشريعة .
ما نصيحتكم لي . هل أتابع تعلم القرآن وحفظه والدروس على أيديهن في المسجد ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
لا حرج عليك في متابعة تعلم القرآن الكريم وحفظه ، ومتابعة دروس العلم مع هذه المعلمة ، ولو سمعتِ منها أقوالا مخالفة .
وأكثر المسائل – ومنها المسألة التي ذكرتيها – التي يحصل فيها الجدال والتعصب والعدوان على القول الآخر : هي من المسائل الاجتهادية التي لا يجوز الإنكار فيها على المخالف ، كما لا يجوز التعصب فيها للرأي ، أو وصف الرأي الآخر بأنه متشدد .
فنحن في حاجة ماسة إلى معرفة فقه الخلاف وأدبه ، ومتى ينكر على المخالف ومتى لا ينكر ؟

فالمسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء ، ولم يكن مع أي من المختلفين دليل قاطع للنزاع : لا حرج على من أخذ بأيٍّ من القولين ما دام يعتقد أنه الراجح ، ولا يجوز له الإنكار على من أخذ بالقول الآخر .

قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله :
” ما اختلف فيه الفقهاء , فلا أنهى أحدا من إخواني أن يأخذ به ” انتهى من ” الفقيه والمتفقه ” (2/135) .
وقال الماوردي الشافعي رحمه الله :
” أما ما اختلف الفقهاء في حظره وإباحته فلا مدخل له في إنكاره ، إلا أن يكون مما ضعف الخلاف فيه ” انتهى من ” الأحكام السلطانية ” (ص 367) .

وقال النووي رحمه الله :
” أما المختلف فيه فلا إنكار فيه….. ، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف : فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق ، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف ، إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر ” انتهى من ” شرح مسلم ” (2/23) .

وانظري لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (177830) .

فهذه المعلمة التي تسفه القول بوجوب ستر المرأة وجهها ، وتعده تشددا لا أصل له في الدين ، وتصادر أقوال الفقهاء الذين قالوا بذلك ، حتى من فقهاء المالكية رحمهم الله تعالى …. فإنها تقع فيما تنكره على غيرها ، وهو التشدد ، فإنها بسلوكها ذلك تريد أن تلزم الناس جميعا باتباع القول الذي تراه هي راجحا ، وهذا نوع من التشدد ، والتضييق على الناس .

هذا مع أنها في نفسها ، كغيرها من المقلدين : ليس لهم أن ينكروا على غيرهم ، خاصة على من كان في مثل حالهم : يقلد غيره تقليدا سائغا .
وأما أن تنكر على عالم مجتهد ، أو تسفه قوله .. ، فهذا أبعد عن الصواب من كل وجه ، وأشد إيغالا في الخطأ ، ومخالفة طرق العلماء وهديهم ؛ فإن وظيفة المقلد : أن يَسكت ، يعني : فلا ينكر على غيره ، ويُسْكت عنه !! كما قال أبو حامد الغزالي .

ثانيا :
لا حرج على المسلم أن يتبع من العلماء الثقات من يريد ، ولكنه لا يجوز له أن يلزم الناس باتباع هؤلاء العلماء دون غيرهم ، فكل من اطمأن إلى علم العالم وتقواه لله تعالى ، فلا حرج عليه أن يقلده ويأخذ بفتاواه .
وينبغي أن تعلم أن بعض فقهاء المالكية الكبار قد ذهبوا إلى أن المرأة كلها عورة .
قال ابن العربي المالكي رحمه الله :
” المرأة كلها عورة ؛ بدنها وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة ، كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ” انتهى من ” أحكام القرآن ” (3/616) .

219722) .

فالذي ننصح به هو الابتعاد عن الجدال والتشدد في الآراء والتعصب الذي يضر ولا ينفع ، ويفرق بين المسلمين ولا يجمعهم .
وندعوك إلى الاستفادة من جهد التعليم والتحفيظ الذي تقوم به هؤلاء النسوة ، فتستعينين بهن على طاعة الله تعالى ، وتأخذين أفضل ما عندهن من نشاط وعمل وعناية بالقرآن الكريم ، وتتركين عنك الجدال معهن في كل ما ترينه مثار شقاق أو نزاع .

نسأل الله تعالى أن يلهمكن رشدكن ويجمع بين قلوبكن .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android