كنت بدأت في حلف يمين وبدأت أقول : والله لو قلت لي كذا لأردن عليك أو لأفعلن كذا ، ولكني لم أكمل الحلف وقطعته قبل اتمامه ، وحتى لو كنت أكملت الحلف فلن أكون قد حنثت ، ولكني أسأل عن حكم من قطع الحلف قبل اتمامه هل تجب عليه كفارة أم لا ؟
حيث إني قرأت كلاما لأحد العلماء أن من نذر ولم يسم فتجب عليه كفارة – حسب ما فهمت من كلامه .
حكم اليمين التي لم يكملها صاحبها
السؤال: 224072
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأمور التي تحتاج إلى نطق لا يحاسب عليها الإنسان إلا إذا نطق بها .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) رواه البخاري ( 5269 ) ، ومسلم ( 127 ) .
قال الكرماني رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث :
” يعني : الوجود الذهني لا أثر له ؛ وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات ، والعملي في العمليات ” انتهى من ” الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري ” ( 23 / 114 ) .
والأيمان من جنس الأقوال لا تنعقد بمجرد العزم بل لا بدّ من النطق بها .
سُئِلت ” اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” عن امرأة لم تحلف باللفظ ، بل نوت بنية الحلف أن تصوم شهرين .
فأجابت : إذا كان الواقع كما ذكر في أن ابنتك لم تتلفظ باليمين ولا بالنذر ، وإنما نوت بنية الحلف – أي: اليمين- بقلبها فقط ، فإنه لا شيء عليها؛ لأن اليمين لا تنعقد إلا بالحلف لفظا باسم الله ، أو بصفة من صفاته ونحو ذلك ، فلا يترتب عليها شيء بمجرد هذه النية ، ويدل لذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم ” وفي رواية : ” ما حدثت بها أنفسها ” الحديث ، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، ورواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم ، وعلى ذلك فليس على ابنتك صيام ؛ لأنه لم يحصل منها ما يوجب اليمين أو النذر.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
بكر بن عبد الله أبو زيد ، صالح بن فوزان الفوزان ، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 23 / 46 – 47 ) .
والذي لا يكمل النطق بصيغة اليمين بسبب تراجعه عنها، لا تنعقد يمينه لأنه لم يـأت بالقول المطلوب لانعقادها .
وإذا كان مجرد الفصل في صيغة اليمين بين المحلوف به والمحلوف عليه لا تنعقد به اليمين كما ذكر أهل العلم ؛ فالأولى عدم انعقادها إذا سكت الشخص ولم يكملها أصلا بنية تراجعه عنها.
في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” ( 7 / 270 ) :
” يشترط لانعقاد اليمين بالله تعالى شريطتان ترجعان إلى صيغتها.
(الأولى) : عدم الفصل بين المحلوف به والمحلوف عليه بسكوت ونحوه … ” انتهى .
وفي “التاج والإكليل” (4/410) :
” قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ تَمَامِ لَفْظِهِ بِالْيَمِينِ ، أَوْ بَعْدَ ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصْمُتْ حَتَّى وَصَلَ بِهَا الِاسْتِثْنَاءَ أَجْزَاهُ.
قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ بِالْبَتَّةِ فَيَقُولُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ ، فَسَكَتَ عَنْ تَمَامِ الْيَمِينِ.
ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِآخِرِ الْيَمِينِ …” انتهى .
وجاء في “الدر المختار” ، وحاشيته ” رد المحتار” ، من كتب الأحناف (2/490-491) :
” (وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَعْزِمُ أَوْ أَشْهَدُ) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، وَكَذَا الْمَاضِي بِالْأَوْلَى كَأَقْسَمْتُ وَحَلَفْت وَعَزَمْت وَآلَيْت وَشَهِدْت (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ ..” .
قال في “الحاشية” :
” يَعْنِي بِمُقْسَمٍ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْقَائِلِ أُقْسِمُ وَأَحْلِفُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا حِنْثَ تَمَسُّكًا بِمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَأُقْسِمُ مُلْحَقٌ بِهِ، وَهَذَا وَهْمٌ بَيِّنٌ إذْ الْيَمِينُ بِذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ..” انتهى .
ثانيا :
هناك فرق بين هذه المسألة ومسألة من نذر ولم يسمَ .
ففي مسألة من لم يكمل اليمين فإنه سكت في أثنائها ، بنية التراجع عمّا عزم عليه ، ولم يكمل الصيغة التي تدخله في التزام عقد النذر ؛ فاليمين لم تنعقد أصلا لأن صيغة اليمين لم توجد كاملة .
وأما مسألة النذر ، فهو قد أتى بصيغة النذر كاملة وسكت بنية أنه أكمل نذره ، كأن يقول علي نذر إن نجح ابني في الامتحان . فهذه صيغة كاملة مفيدة للنذر ، لكن لم يحدد ولم يسم ما يجب عليه : هل هو صوم أو صدقة أو غير ذلك .
وقد فرق ابن عابدين رحمه في نفس الموضع بين المسألتين ، قال (5/491) :
” (قَوْلُهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ) أَيْ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ يَمِينًا مُنْعَقِدَةً مِثْلُ عَلَيَّ نَذَرَ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا، فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا حَلَفَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ، لَكِنْ فِي لَفْظِ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ هَذَا الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.” انتهى .
وجاء في “الشرح الممتع” ، في أنواع النذر (15/210) :
” المطلق مثل أن يقول: لله عليَّ نذر، ولم يسم شيئاً، فيلزمه كفارة يمين هذا هو القسم الأول، المطلق يعني الذي لم يُعين فيه شيء، بأن يقول: لله علي نذر فقط ، وسميناه مطلقاً؛ لأنه لم يعين فيه شيء .
كرجل قال: لله علي نذر، سواء هَمَّ أن يعين أم لم يهم ؛ لأنه قد يقول: لله علي نذر، وفي نفسه أن يعين شيئاً ثم يتراجع ولا يتكلم ، وقد لا يَهُم بشيء من الأصل ، يقول: لله علي نذر ، فقط ، نقول : يلزمه كفارة يمين ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ: كفارة النذر إذا لم يُسمَّ كفارة يمين رواه ابن ماجه ، وأخرجه مسلم بدون ذكر إذا لم يسم بلفظ: كفارة النذر كفارة اليمين ، وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة .” انتهى .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة