0 / 0

نبي الله إسماعيل أكبر من نبي الله إسحاق عليهما السلام ، باتفاق المسلمين .

السؤال: 224203

كنت قبل أن أبلغ قلت لأحد أصدقائي أن هناك دليل في القرآن على أن نبي الله إسماعيل عليه السلام أكبر من نبي الله إسحاق عليه السلام ، وهو أنه في سورة الصافات بعد ذكر قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع نبي الله إسماعيل عليه السلام قول الله تعالى ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) ، فاستدللت بورود هذه الآية في سورة الصافات بعد ذكر قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع نبي الله إسماعيل عليه .
فما هو حكم قولي هذا ، مع العلم أني قلته بدون دراسة ، وإنما قلته تفكرا من نفسي ؟
وهل يجب علي شيء الآن بخصوص هذا الأمر ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
قال الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام :
( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) الصافات/ 101- 112 .

استدل أهل العلم بسياق هذه القصة في كتاب الله على أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام ، وليس إسحاق ، فإنه لما قص قصة الذبيح وفرغ منها عطف بذكر إسحاق فقال : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) ، فدل ذلك على أن الذبيح غيره ، وهو إسماعيل .
وروى الحاكم في ” المستدرك ” (4039) عن مُحَمَّد بْن كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قال : ” إِنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ مِنِ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلُ ، وَإِنَّا لَنَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قِصَّةِ الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ : أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِصَّةِ الْمَذْبُوحِ مِنِ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) ، ثُمَّ يَقُولُ : ( فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) يَقُولُ : بِابْنٍ وَبِابْنِ ابْنٍ ، فَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ بِذَبْحِ إِسْحَاقَ وَلَهُ فِيهِ مِنَ اللَّهِ مَوْعُودٌ بِمَا وَعَدَهُ ، وَمَا الَّذِي أَمَرَ بِذَبْحِهِ إِلَّا إِسْمَاعِيلُ ” .

قال ابن كثير رحمه الله :
” ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إِسْحَاقُ ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، حَتَّى نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَيْضًا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ، وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ تُلقى إِلَّا عَنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأُخِذَ ذَلِكَ مُسَلَّمًا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ .
وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ شَاهِدٌ وَمُرْشِدٌ إِلَى أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْبِشَارَةَ بِالْغُلَامِ الْحَلِيمِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الذَّبِيحُ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) .
وَلَمَّا بَشَّرَتِ الْمَلَائِكَةُ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْحَاقَ قَالُوا : ( إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) . وَقَالَ تَعَالَى: ( فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) ، أَيْ : يُولَدُ لَهُ فِي حَيَاتِهِمَا وَلَدٌ يُسَمَّى يَعْقُوبُ ، فَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَقِبٌ وَنَسْلٌ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُؤْمَرَ بِذَبْحِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَهُمَا بِأَنَّهُ سَيُعْقَبُ ، وَيَكُونُ لَهُ نَسَلٌ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ بُعْدَ هَذَا أَنْ يُؤْمَرَ بِذَبْحِهِ صَغِيرًا ؟ ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (7/27) .
وينظر : ” تفسير القرطبي ” (15/113) ، ” مجموع الفتاوى ” (4/332-333) ، ” زاد المعاد ” (1/72) ، ” أضواء البيان ” (6/317) .

فإذا ثبت هذا ثبت أن إسماعيل أكبر من إسحاق عليهما السلام ، لأن الله تعالى قال في مطلع قصة الذبح : ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) ثم حكى القصة ، ثم قال : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) .
فبشره أولا بغلام حليم ، ودل السياق على أنه إسماعيل عليه السلام ، كما سبق ، وحكى قصته ، ثم بشره ثانيا بإسحاق فقال : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

قال ابن كثير رحمه الله :
” ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) وَهَذَا الْغُلَامُ هُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ أولُ وَلَدٍ بُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ إِسْحَاقَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (7/27) .
وينظر : ” تفسير القرطبي ” (2/138) ، ” تفسير الخازن ” (1/84) ، ” المنتظم ” لابن الجوزي (1/304) .

ثانيا :
لا يجوز الكلام في كتاب الله بغير علم ، ومن قال في كتاب الله بغير علم ، فأصاب : فقد أخطأ ، قال ابن كثير رحمه الله :
” لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ ، فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ ، كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ جُرْمًا مِمَّنْ أَخْطَأَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهَكَذَا سَمَّى اللَّهُ القَذَفة كَاذِبِينَ ، فَقَالَ : ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) النُّورِ/ 13 ، فَالْقَاذِفُ كَاذِبٌ ، وَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَ مَنْ زَنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ أَخْبَرَ بِمَا يَعْلَمُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (1/11) .

ثالثا :
قلم التكليف مرفوع عن الصبي غير البالغ حتى يحتلم ؛ لما روى أبو داود (4403) والترمذي (1423) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .

وجاء في ” الموسوعة الفقهية ” (8/196) :
” ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ فِي الإْنْسَانِ هُوَ الْبُلُوغُ وَلَيْسَ التَّمْيِيزَ ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلاَ يُعَاقَبُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا ، أَوْ بِفِعْل شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الآْخِرَةِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ) ” انتهى .

فإذا قدر أن القول بأن إسماعيل أكبر من إسحاق عليهما السلام ، ليس أمرا معلوما بنفسه من سياق الكلام العربي المبين ، وأنه ليس من العلوم المشهورة بين الناس ، وإذا قدر – أيضا – أنه لم يكن لك وأنت في هذه السن أن تستنبط مثل ذلك ؛ فلا حرج عليك الآن بعد ما عرفت الصواب ، وعرفت ما يلزمك من السؤال والتعلم ، والنظر في كتب أهل العلم ؛ فإن ذلك كله كان منك قبل سن التكليف ، فلا حرج عليك منه الآن ، إن شاء الله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android