0 / 0

يدعي أن لديه شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعزم على بناء مسجد ، ويحفظها فيه !

السؤال: 224579

أنا من مدينة كيرلا في جنوب الهند ، وقد ادّعى أحد وجهاء المنطقة من المسلمين هنا أن لديه شعرة من شعر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأنه سيبني مسجداً ويحفظها فيه ، وهذا بدوره أثار كثيراً من الجدل في أوساط المتدينين خصوصاً فيما يتعلق بمسألة التبرُك ، فأتمنى التفصيل في المسألة على ضوء الكتاب والسنة ؟

ملخص الجواب

التبرك بهذه الشعرة لا يجوز ، وهو وسيلة إلى الشرك ؛ وذلك لاستحالة ثبوت كونها من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز بناء مسجد لأجلها وحفظها فيه ، حتى لو افترضنا جدلا أنه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ، وأن الإسناد الصحيح المتصل ، ثبت بها .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كان معمولاً به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل ماء وضوئه ، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره وكل شيء منه .
أما التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر أو نحو ذلك ، فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم ، وأتباعهم بإحسان لما في ذلك من الخير والبركة ، وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (10/ 70):
” اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَوْرَدَ عُلَمَاءُ السِّيرَةِ وَالشَّمَائِل وَالْحَدِيثِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً تُمَثِّل تَبَرُّكَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِأَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ آثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” انتهى .
ثانيا :
هذا التبرك لا يجوز بغير آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز قياس غيره عليه ، فالتبرك بآثار غيره من الصالحين بدعة منكرة ، وهو وسيلة إلى الشرك .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
” كان الصحابة يتبركون بعرق النبي صلى الله عليه وسلم ويتبركون بريقه ويتبركون بثيابه ويتبركون بشعره ، أما غيره صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتبرك بشيء من هذا منه ، فلا يتبرك بثياب الإنسان ولا بشعره ولا بأظفاره ولا بشيء من متعلقاته إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” انتهى من “شرح رياض الصالحين” (4/ 243) .
ثالثا :
لا يثبت وجود شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم الآن ، ومن ادعى وجود شيء من ذلك فلا دليل معه عليه ، وعلى ذلك : فلا يجوز لأحد أن يدعي أن بحوزته شيئا من آثار النبي صلى الله عليه وسلم إلا بدليل قاطع ، وأنى له ؟
قال العلامة المؤرخ : أحمد باشا تيمور :
” فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد ذلك ، فإنما وصل إليهم مما قسم بين الأصحاب رضي الله عنهم ، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها ” .
انتهى من “الآثار النبوية” ، أحمد باشا تيمور(91) .

وقال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
” هذا ولابد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ، ولا ننكره خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا .
ولكن لهذا التبرك شروطاً منها الإيمان الشرعي المقبول عند الله ، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا ، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله .
ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين ، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح أمراً غير ذي موضوع في زماننا هذا ويكون أمراً نظرياً محضاً، فلا ينبغي إطالة القول فيه ” . انتهى من “التوسل أنواعه وأحكامه ” (144) .
وينظر للفائدة : كتاب “التبرك أنواعه وأحكامه” ، د. ناصر الجديع (256-260) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته كشعر رأسه ونحوه ؟
فأجاب :
” الجواب على هذا: أنه لا يمكن إثبات أن هذا من شعر الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، وما ذكر من أنه في مصر في مجمع الآثار : هذا لا صحة له ، ولا يوجد .
ولا عرف أن الصحابة رضي الله عنهم يهتمون بهذا الأمر ، إلا ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت عندها شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جلجل من فضة ، إذا مرض أحد أتى إليها وصبت عليه الماء ورجت الماء ثم شربه .
وعلى هذا: فلا يمكن أن يثبت هذا : أن هذا من شعر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأهم شيء آثاره المعنوية ، الآثار الشرعية ، أما الآثار الحسية فهي آثار ، والقلب يحن إليها ويحبها ويألفها، لكن المهم الآثار الشرعية ” .
انتهى من “دروس للشيخ العثيمين” (2/ 64) بترقيم الشاملة .
وانظر جواب السؤال رقم : (91969) ، (100105) ، (204831) .

ومن أراد البركة حقا في أمر دينه ودنياه فعليه باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا ، والاهتداء بهديه ، والانتهاء عما نهى عنه من الأقوال والأفعال والاعتقادات ، ففي ذلك كل الخير والبركة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرَكَتِهِ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ، فَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ بَرَكَةِ الرَّسُولِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (11/ 113) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
” النبي صلى الله عليه وسلم وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها، وذلك لغرض مهم ، وخاصة في تلك المناسبة ، وذلك الغرض هو إرهاب كفار قريش وإظهار مدى تعلق المسلمين بنبيهم ، وحبهم له ، وتفانيهم في خدمته وتعظيم شأنه ، إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك ، وصرفهم عنه ، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله عز وجل ، وأجدى ، وهذا ما يدل عليه الحديث الآتي:
عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ يوماً، فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما يحملكم على هذا؟ قالوا: حب الله ورسوله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يحب الله ورسوله ، أو يحبه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدث ، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره ) وهو حديث ثابت له طرق وشواهد في معجمي الطبراني وغيرهما ” .
انتهى من “التوسل” (ص 145) .

والحاصل : أن ادعاء هذا الرجل أن لديه شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ادعاء قائم على غير برهان ، وإنما هي مجرد دعوى ، لا يجوز لأحد أن يأخذ بها أو يصدقه بما يقول فيها . لا سيما وأمر كهذا ، لو كان صحيحا : لم يكن ليخفى ، بل كانت تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، وإثبات سنده ، واشتهار أمره .

رابعا :
عزمه على بناء مسجد ، ووضع هذه الشعرة فيه ، عزم فاسد مردود ؛ وهو فيه إنما يتبع سنن أهل الكتاب ، وينحرف به عن صراط الله المستقيم .
وبلاء القوم في الغلو ، الذي يسوغ لهم مثل هذا ، ويسلك بهم سبيل البدع والضلالة.

روى البخاري (427) ، ومسلم (528) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ : ” أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) .

فإذا كان هؤلاء شرار الخلق عند الله يوم القيامة ، لأجل ذلك العمل ، وقد تحققوا من جسد النبي الذي يجعلون قبره مسجدا ، فكيف بمن يلبس الشيطان عليه ، بأمر لا يعلم صحته ، ولا يدر له إسناد تقوم به حجة في دين الله ، ثم يعمل به عملا مردودا ، لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، بل نهاهم عن مثله ، وحذرهم من سبيله .

وأين كان الصحابة والتابعون عن هذا الفضل العظيم ؟! لماذا لم يحافظوا على آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتواصوا فيما بينهم بحفظها ، ويجعلوا بعضها في المساجد ؟!

والخلاصة :

أن التبرك بهذه الشعرة لا يجوز ، وهو وسيلة إلى الشرك ؛ وذلك لاستحالة ثبوت كونها من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز بناء مسجد لأجلها وحفظها فيه ، حتى لو افترضنا جدلا أنه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ، وأن الإسناد الصحيح المتصل ، ثبت بها .
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم : (147225)
.
والله تعالى أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android