تتساءل عن الحكمة في خلق الشهوة الجنسية وتشكو من تأثير ذلك على عقيدتها
السؤال: 224886
لدي مشكلة عقدية أخفيتها لسنوات ، لكنني أدركت أخيرا أنها تتفاقم ، وستأتي على بنيان العقيدة كاملا إن لم تعالج .
لدي نفس تتعشق الكمال ، وأحب أن أراه في العقيدة التي أعتنقها ، لكنني – ومنذ أن كبرت وعرفت طبيعة تكوين الإنسان وشهوته – أصبت بخيبة أمل ، وبدأت أسئلة كثيرة تلح علي لا أجد لها جوابا .
لماذا ركب الخالق عز وجل تلك الشهوة لدى البشر ، مع قدرته العظيمة على جعل استمرار البشرية يتم بغير تلك الطريقة البشعة ، التي تحط من شأن الإنسان إلى درك الحيوان ؟
لماذا ركب تلك الشهوة الجامحة لدى الإنسان ثم أمره بجهادها، ونهاه عن ارتكاب الآثام والفواحش بدافع منها ؟
كيف أمر الإنسان بجهاد شهوته وكبح جماحها ، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تتلى في المساجد على الملأ تتحدث عن التمتع بالنساء الأبكار ؟
لماذا ركب الشهوة عند كل البشر ، ثم يحرم الكثير منهم من الزواج ، وهو السبيل الوحيد المباح لإشباعها ؟
الأمر الذي أذهلني ، كيف يحرم الزنا ، ثم يبيح للرجل معاشرة الإماء والسراري دون زواج ، وبأي عدد ، ولو كن متزوجات ؟
أرجو منكم الدعاء بالهداية ، وإجابة سريعة تشفي قلبي المكلوم . ولكم عند الله جزيل الثواب لإنقاذ عقيدة مؤمنة تتداعى .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا نكتمك سرا أننا حين نقرأ هذا النوع من الوساوس ، نتعجب غاية العجب من المستوى
الذي تبلغه النفس البشرية ، حين تتكلف إنشاء التساؤلات التي لا تثمر نتائج عملية ،
ولا تنتج معرفة ينتفع بها ، أو على الأقل يمكن البناء عليها .
كلما حدث أمر في هذا الكون ، أو تبين وجه في هذا الخلق العظيم ، ثار بعض الناس
بالسؤال عن الحكمة ، وانشغلوا به عن سؤال الرسالة المرادة من سائر العباد .
وإنما مثلهم في ذلك ، كمثل الموظف الذي يقضي يومه منشغل الفكر والبال في تحليل
“الأسرار” التي تحمل إدارة شركته على إصدار كل تعميم ، وعن الحكمة من كل حركة وسكون
، حتى تغدو كلمة ” لماذا ” نقمة عليه وعلى أمثاله ، إلى القدر الذي يفقد معه هذا
المتسائل أسباب التفكير المنطقي السليم ، ثم يعود ليفقد “وظيفته” التي جاء من أجلها
؛ لأنه لو تأمل لعلم أن سؤال ” لماذا ” سيرد على كل وجه ، حتى لو اتخذت الشركة
طريقا غير الطريق الذي تساءل عنه أولا ، فإنه سيوجه التساؤل نفسه للمسلك الآخر الذي
نهجته شركته ، وهكذا ، إلى ما لا نهاية .
وهو ما تفرضه النفس الأمارة بالسوء أيضا على كثير من البشر : لماذا خلق الله الشهوة
الجنسية على هذا الشكل ؟!
ولو أن الله عز وجل خلقها على هيئة أخرى لقالوا : لماذا خلقها الله على هذه الهيئة
؟
ولو خلقها بوجه ثالث لقالوا : ما الحكمة في هذا التركيب ؟
والمشكلة الأعظم حين يغدو سؤال ” الحكمة ” هذا سببا للشك في العقيدة ، وضعف الإيمان
، والانحدار عن درجة اليقين ، وكأن المبادئ والعقائد والفلسفات الكبرى تقوم على هذا
النوع ” العامي ” من التساؤلات .
ألا تعلمين أن أحد أسرار وجود بني البشر هو ” اختبار العبودية لله تعالى “، بمعنى
أن يتعرض هذا الإنسان لبواعث الصلاح والفساد في الوقت نفسه ، كما قال عز وجل : (
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/3،
وقال تعالى : ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) العلق/10: أي ” طريقي الخير والشر ،
بيَّنَّا له الهدى من الضلال ، والرشد من الغي ” كما يقول الشيخ السعدي رحمه الله
في ” تيسير الكريم الرحمن ” (ص924).
فيدخل في الاختبار الصعب : هل يختار طريق الخير أم طريق الشر ؟
ثم إذا اختار الخير ، هجمت عليه أيضا نوازع فساد من نوع آخر .
وإذا سلك طريق الهلاك ، لم يُحرم أيضا من حوافز الصلاح بشكل أو بآخر .
وكل هذه ” البواعث ” أو ” المرغبات ” في طريقي النجاة والهلاك مركبة في النفس
البشرية تركيب جِبِلَّة وخِلقة ، بحيث لا ينفك الإنسان عنها بحال من الأحوال ،
فيبقى في كل لحظاته وسكناته ، وفي جميع أطواره وأحواله ، في معركة ” الاختبار ” تلك
، لا يخرج منها إلا إذا أسلم الروح إلى بارئها ، ولهذا قالوا : كل حي ترد عليه
الفتنة ، ولا يسلم منها إلا الأموات .
والشهوة واحدة من هذه البواعث المجبولة في طينة النفس البشرية ، تماما كحب المال
والجاه والبنين .
وفي الوقت نفسه أيضا خلق الله في كوامن الإنسان معرفة الله سبحانه ، والفقر إليه ،
وحب قيم الخير والصلاح ، كالصدق والإحسان والبناء والتعلم ، وحينئذ سيعيش هذا
الصراع في حياته ، صراع الخير والشر ، فإذا اختار الخير والصلاح والتُّقى ، كان عند
الله عز وجل أعظم مكانة من الملائكة المطهرين ؛ لأنه اختار طريق الطهر بعد فتنة
وابتلاء .
وأما الملائكة فليس فيهم نوازعُ تدعوهم إلى طريق الشر أصلا ، وفرق بين من يمتحن
فيتعرض لمغريات الفساد ، فيتخذ بإرادته الصارمة طريق الحق والسعادة ، فهو في أعلى
المنازل عند الله سبحانه ، وبين من يتعبد لله تعالى ، لا عن اختيار ، كما هو شأن
الملائكة .
وقد جاءت هذه الحكمة واضحة في قول الله عز وجل : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ
ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ
مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد ) آل
عمران/14-15.
ثم إن تساؤلك عن الحكمة من تركيب الشهوة الجنسية على هذه الهيئة المعروفة : يدل على
الحكمة نفسها ؛ فمتاع الحياة الدنيا نفسه ، خلق الله عز وجل فيه من المحسنات
والمنفرات ما يحقق التوازن أيضا ، ويضع الإنسان أمام اختبار موضوعي متزن ، لا يضطره
إلى الفشل التام ، ولا يفقد قيمته بسهولته ، أو بضمور أسباب الشهوات .
فحب الجاه مثلا شهوة مركبة في الإنسان ، لكنها في الوقت نفسه تنطوي على العديد من
المنفرات والتحديات والآفات وأنواع الأذى ، مما هو معلوم لا يخفى .
وحب الأبناء مثلا ، شهوة مركبة في النفس البشرية ، يرغِّبُ فيها جمالُهم وبراءتهم
وقدرتهم على جلب السعادة ، وعونهم وبرهم في الكبر أيضا ، ولكن في الوقت نفسه فإن
إنجابهم وتربيتهم ، وتحمل مسؤولياتهم طريق مليء بالمخاطر والآلام ، الأمر الذي يحقق
” الاختبار ” نفسه داخل ” أدوات الاختبار “، ويخلق التوازن المطلوب في هذا الكون في
جميع تفاصيله ، وعلى جميع المستويات .
وهكذا ينبغي أن نفهم الشهوة الجنسية التي فطر الإنسان عليها ، تنطوي على السكن
النفسي ، والطمأنينة القلبية ، والسعادة الروحية ، واللذة البدنية التي لا تعدلها
لذة الطعام والشراب . وفي المقابل أيضا : تحمل في طياتها ما يرغِّبُ عنها ، وينفر
منها ، حين يتصور المرء ما تفرضه على المجتمعات من أوزار وأثقال ، تبدأ من اعتداء
المتحرشين ، وسعار حيواني يستغل كل ما يثير الشهوات في كل تفاصيل الحياة ، وينتهي
باللقطاء وجرائم القتل والاغتصاب التي تدفع نحوها هذه الشهوة .
وفي جميع ما سبق ثمة طريق مباح لشهوة الجاه والولد والجنس والمال ، نصب الله عز وجل
عليه من الأسباب والدواعي والمرغبات ما يقاوم الطريق المحرم ، فليس مقبولا ولا
مرضيا أن يعترض أحد على خلق الشهوة والدعوة إلى جهادها ، فقد فتح الله عز وجل من
أبواب المباح الشيء الكثير ، والزواج أمر ميسور ، لكن الآصار الاجتماعية – التي
وضعها الإنسان لنفسه – هي التي حالت دون زواج الكثير من الناس ، منها ما اصطنعه
الأفراد بسبب تعنتهم في شروط زواجهم وتكاليفه ، ومنها ما اصطنعته المجتمعات بسبب
التعنت في مفهوم الزواج وقوانينه وأعرافه . وكل ذلك مخالف لشرع الله .
يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله :
” أصعب هذه القوى الثلاث مداواة قمع الشهوة ، لأنها أقدم القوى وجودًا في الإنسان ،
وأشدها به تشبّثًا ، وأكثرها منه تمكنًا ، فإنها تولد معه ، وتوجد فيه وفي الحيوان
الذي هو جنسه …. ثم توجد فيه قوة الحمية ، ثم آخرًا توجد فيه قوة الفكر والنطق
والتمييز .
ولا يصير الإنسان خارجًا من جملة البهائم ، وأسر الهوى ، إلا بإماتة الشهوات
البهيمية ، أو بقهرها وقمعها إن لم يمكنه إماتتها ، فهي التي تضره وتغره ، وتصرفه
عن طريق الآخرة ، وتثبطه .
ومتى قهرها وأماتها ، صار الإنسان حرًّا نقيا ، بل يصير إلهيًّا ربانيًّا ، فتقل
حاجاته ويصير غنيًّا عما في يد غيره ، وسخيًّا بما في يده ، ومحسنًا في معاملاته .
فإن قيل : فإذا كانت قوة الشهوة بهذه المثابة في الإضرار ، فأي حكمة اقتضت أن يبلى
بها الإنسان ؟
قيل : الشهوة إنما تكون مذمومة إذا كانت مُفْرِطَة ، وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى
، فأما إذا أُدِّبَت ، فهي المُبَلِّغة إلى السعادة ، وجوارِ رب العزة ، حتى لو
تُصُوِّرت مرتفعة ، لما أمكن الوصول إلى الآخرة !!
وذلك أن الوصول إلى الآخرة بالعبادة ، ولا سبيل إلى العبادة إلا بالحياة الدنيوية ،
ولا سبيل إلى الحياة الدنيوية إلا بحفظ البدن ، ولا سبيل إلى حفظ البدن إلا بإعادة
ما يتحلل منه ، ولا يمكن إعادة ذلك إلا بتناول الأغذية ، ولا يمكن تناول الأغذية
إلا بالشهوة ، فإذًا الشهوة محتاج إليها ، ومرغوب فيها ، وتقتضي الحكمة الإلهية
إيجادها وتزيينها ، كما قال تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) آل عمران/14.
لكن مثلها كمثل عدو تُخشى مضرتُه من وجه ، وتُرجَى منفعته من وجه ، ومع عداوته لا
يُستغنى عن الاستعانة به ، فحق العاقل أن يأخذ نفعه ، ولا يسكن إليه ، ولا يعتمد
عليه إلا بقدر ما ينتفع به .
وما أصدق ـ في ذلك ـ قول المتنبي ، إذا تُصُوِّر في وصف الشهوة ، وإن قصدها فما
أجود ما أراد :
ومن نكد الدنيا على الحُرِّ أن يرى … عدواً له ، ما من صداقته بُدُّ
وأيضًا فهذه الشهوة هي المشوقة لعامة الناس إلى لذات الجنة من المأكل والمشرب
والمنكح ، إذ ليس كل الناس يعرف اللذات المعقولة .
ولو توهمناها مرتفعة ، لما تشوقوا إلى ما وعدوا به من قول النبي صلى الله عليه وسلم
: ( فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر )” .
انتهى من ” الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص: 99-100) .
ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :
” اقتضت حكمة العزيز الحكيم أن ابتلى المخلوق من هذه المادة بالشهوة والغضب والحب
والبغض ولوازمها ، وابتلاه بعدوه الذي لا يألوه خبالا ، ولا يغفل عنه ، ثم ابتلاه
مع ذلك بزينة الدنيا ، وبالهوى الذي أمر بمخالفته . هذا على ضعفه وحاجته .
وزين له حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل
المسومة والأنعام والحرث ، وأمره بترك قضاء أوطاره وشهواته في هذه الدار الحاضرة
العتيدة المشاهدة ، إلى دار أخرى ، غايته إنما تحصل فيها بعد طي الدنيا والذهاب بها
.
وكان مقتضى الطبيعة الإنسانية أن لا يثبت على هذا الابتلاء أحد ، وأن يذهب كلهم مع
ميل الطبع ودواعي الغضب والشهوة ، فلم يُخَلِّ بينهم وبين ذلك خالقهم وفاطرهم ، بل
أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ، وبين لهم مواقع رضاه وغضبه ، ووعدهم على مخالفة
هواهم وطبائعهم أكمل اللذات في دار النعيم ، فلم تقو عقول الأكثرين على إيثار الآجل
المنتظر بعد زوال الدنيا ، على هذا العاجل الحاضر المشاهد ، وقالوا : كيف يباع نقد
حاضر ، وهو قبض باليد ، بنسيئة مؤخرة وعدنا بحصولها بعد طي الدنيا وخراب العالم .
ولسان حال أكثرهم يقول :
” خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به “.
فساعد التوفيق الإلهي مَن علم أنه يصلح لمواقع فضله ، فأمده بقوة إيمان وبصيرة ،
رأى في ضوئها حقيقة الآخرة ودوامها ، وما أعد الله فيها لأهل طاعته وأهل معصيته ،
ورأى حقيقة الدنيا وسرعة انقضائها ، وقله وفائها ، وظلم شركائها ، وأنها كما وصفها
الله سبحانه : لعب ولهو ، وتفاخر بين أهلها وتكاثر في الأموال والأولاد ، وأنها
كغيث ( أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ).
فنشأنا في هذه الدار ونحن منها وبنوها ، لا نألف غيرها ، وحكمت العادات ، وقهر
سلطان الهوى ، وساعده داعي النفوس ، وتقاضاه موجب الطباع ، وغلب الحس على العقل ،
وكانت الدولة له ، والناس على دين الملك .
ولا ريب أن الذي يخرق هذه الحجب ، ويقطع هذه العلائق ، ويخالف العوائد ، ولا يستجيب
لدواعي الطبع ويعصي سلطان الهوى لا يكون إلا الأقل” .
انتهى من ” شفاء العليل ” (265-266)
وأما قولك في آخر السؤال :
” الأمر الذي أذهلني ، كيف يحرم الزنا ثم يبيح للرجل معاشرة الإماء والسراري دون
زواج ، وبأي عدد ، ولو كن متزوجات “
فنطمئنك أن الإسلام لم يبح للسيد معاشرة إمائه المتزوجات ، هذا حرام باتفاق العلماء
، كما جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (11/298) – في شروط إباحة التسري – : ”
ألا تكون زوجة غيره “. ولم ينقلوا في ذلك أي اختلاف .
ثم اعلمي ، يا أمة الله :
” أن العقلاء قاطبة متفقون على : أن الفاعل إذا فعل أفعالا ، ظهرت فيها حكمته ،
ووقعت على أتم الوجوه وأوفقها للمصالح المقصودة بها ، ثم إذا رأوا أفعاله قد تكررت
كذلك ؛ ثم جاءهم من أفعاله ما لا يعلمون وجه حكمته فيه لم يسعهم غير التسليم ؛ لما
عرفوا من حكمته ، واستقر في عقولهم منها . وردوا منها ما جهلوه ، إلى محكم ما علموه
…
فهلا سلكوا هذا السبيل مع ربهم وخالقهم ، الذي بهرت حكمته العقول ، وكان نسبتها إلى
حكمته أولى من نسبة عين الخفاش ، إلى جِرم الشمس ؟!
ولو أن العالم الفاضل المبرِّز في علوم كثيرة ، اعترض على من لا يشاركه في صنعته ،
ولا هو من أهلها ، وقدح في أوضاعها لخرج عن موجب العقل والعلم ، وعُد ذلك نقصا
وسفها؛ فكيف بأحكم الحاكمين ، وأعلم العالمين ، وأقدر القادرين ” ؟! .
انتهى من “شفاء العليل” لابن القيم (218) .
نسأل الله أن يشرح صدرك ، ويهدي قلبك ، ويزيدك إيمانا ، ويقينا ، وهدى .
والله أعلم .
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟