0 / 0
35,78913/02/2015

كيف يرد على من اتهم ابن تيمية بخرق الإجماع في طلاق الثلاث ؟

السؤال: 225024

كيف نرد على من يقول : إن ابن تيمية عارض الإجماع بقوله إن ثلاث طلقات في مجلس واحد لا تحسب إلا طلقة واحدة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

من أمانة العلم أن تؤدى مسائله على وجهها ، وأن تصان عن الكتمان أو التبديل أو التحريف ، فليس لعالم أو طالب علم أن ينتصر لرأيٍ رآه ، بطمس الخلاف فيه ؛ لأن ادعاء الإجماع ليس بالأمر الهيّن ؛ فهو المصدر الثالث من مصادر التشريع ، وتحرم مخالفته لأنه مقطوع بصوابه ؛ إذِ الأمة لا تجتمع على ضلالة .
وقد وجد من ادعى الإجماع بدون بينة ، ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله : “من ادعى الإجماع فهو كاذب ، وما يدريه لعلهم اختلفوا” ، وأرشد الإمام أحمد من لم يتيقن من وجود الإجماع أن يقول : “لا نعلم الناس اختلفوا ، أو لم يبلغني ذلك”.
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن نقل هذا الكلام عن الإمام أحمد : ” ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث ، من أن يُقَدموا عليها توهُمَ إجماعٍ مضمونُه عدمُ العلمِ بالمخالف ، ولو ساغ لتعطلت النصوص ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفًا في حكم مسألة ، أن يُقَدِّمَ جهلَه بالمخالف على النصوص ؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع ، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده ” انتهى من ” إعلام الموقعين” (1/24) .
إذن فالإمام أحمد وكذلك الشافعي أنكرا التساهل في دعوى الإجماع ، فليست كل مسألة لم يعلم فيها الباحث أو العالم مخالفا تكون محل إجماع ، فقد يكون فيها خلاف بين العلماء ، غير أن هذا الخلاف لم يصل إلى ذلك الشخص .
وقد سبق تفصيل القول في الإجماع وأنواعه وشروطه في السؤال رقم : (201682) فليراجع.
ثانيا :
قد رَدَّ ابن القيم رحمه الله على من ادعى الإجماع الوارد في السؤال والمتعلق بالطلاق ثلاثا ، وسرد أعلام القائلين بما يخالف هذه الدعوى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
فقال بعد أن ساق الأدلة من الكتاب والسنة على خلاف هذه الدعوى : ” وكل صحابي من لدن خلافة الصديق ، إلى ثلاث سنين من خلافة عمر كان على أن الثلاث واحدة ، فتوى أو إقرارا أو سكوتا ، ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم ، ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه ، بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن ، وإلى يومنا هذا .
فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ، كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس : ” إذا قال : أنت طالق ثلاثا بفم واحد ، فهي واحدة ” وأفتى أيضا بالثلاث ، أفتى بهذا وهذا .
وأفتى بأنها واحدة : الزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، حكاه عنهما ابن وضاح ، وعن علي كرم الله وجهه وابن مسعود روايتان كما عن ابن عباس .
وأما التابعون : فأفتى به عكرمة ، رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عنه ، وأفتى به طاوس.
وأما تابعو التابعين : فأفتى به محمد بن إسحاق ، حكاه الإمام أحمد وغيره عنه ، وأفتى به خلاس بن عمرو والحارث العكلي .
وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه ، حكاه عنهم أبو المفلس وابن حزم وغيرهما ، وأفتى به بعض أصحاب مالك ، حكاه التلمساني في شرح تفريع ابن الجلاب قولا لبعض المالكية ، وأفتى به بعض الحنفية ، حكاه أبو بكر الرازي عن محمد بن مقاتل ، وأفتى به بعض أصحاب أحمد ، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه ، قال : وكان الجد يفتي به أحيانا [ يعني جده أبا البركات ابن تيمية صاحب المحرر ] .
والمقصود : أن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم ، ولم يأت بعده إجماع يبطله ، ولكن رأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق ، وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة ؛ فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم ؛ ليعلموا أن أحدهم إذا أوقعه جملة ، بانت منه المرأة ، وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، نكاح رغبة يراد للدوام ، لا نكاح تحليل ، فإنه كان من أشد الناس فيه ، فإذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق المحرم ، فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه .
ورأى أن ما كانوا عليه في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وعهد الصديق وصدرا من خلافته كان الأليق بهم ؛ لأنهم لم يتتابعوا فيه ، وكانوا يتقون الله في الطلاق ، وقد جعل الله لكل من اتقاه مخرجا ، فلما تركوا تقوى الله ، وتلاعبوا بكتاب الله ، وطلقوا على غير ما شرعه الله ، ألزمهم بما التزموه عقوبة لهم .
فإن الله تعالى إنما شرع الطلاق مرة بعد مرة ، ولم يشرعه كله مرة واحدة ، فمن جمع الثلاث في مرة واحدة ، فقد تعدى حدود الله ، وظلم نفسه ، ولعب بكتاب الله ، فهو حقيق أن يعاقب ، ويلزم بما التزمه ، ولا يقر على رخصة الله وسعته ، وقد صعبها على نفسه ، ولم يتق الله ولم يطلق كما أمره الله وشرعه له ، بل استعجل فيما جعل الله له الأناة فيه ، رحمة منه وإحسانا ، ولبس على نفسه ، واختار الأغلظ والأشد .
فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان ، وعلم الصحابة رضي الله عنهم حسن سياسة عمر ، وتأديبه لرعيته في ذلك ، فوافقوه على ما ألزم به ، وصرحوا لمن استفتاهم بذلك ؛ فقال عبد الله بن مسعود : من أتى الأمر على وجهه فقد بُيِّن له ، ومن لبس على نفسه ، جعلنا عليه لبسه ، والله لا تلبسون على أنفسكم ، ونتحمله عنكم ، هو كما تقولون .
فلو كان وقوع الثلاث ثلاثا في كتاب الله وسنة رسوله ، لكان المطلّق قد أتى الأمر على وجهه ، ولما كان قد لبس على نفسه ، ولَمَا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك : ( تلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ) ؟ ” انتهى من “إعلام الموقعين” (3/33-35) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (96194) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android