تنزيل
0 / 0

الجمع بين كون الله تعالى مستوياً على العرش وأنه قِبَل وجه المصلي .

السؤال: 225031

أعلم أن الله تبارك وتعالى على العرش فوق خلقه ، لكنني قرأت في مكان ما على الانترنت أن الله قِبل وجه المصلي . فما شرح ذلك ؟ وهل هذا هو السبب في حرمة المرور بين يدي المصلي ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى البخاري (406) ، ومسلم (547) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : ” أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ
الْقِبْلَةِ ، فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : ( إِذَا كَانَ
أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ
وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى ) ” .

فهو سبحانه وتعالى مستوٍ على
عرشه حقيقة ، وهو قِبل وجه المصلي حقيقة ، على وجه يليق بجلاله .
قال ابن القيم رحمه الله :
” .. فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَأَيْنَمَا وَلَّى الْمُصَلِّي
فَهِيَ قِبْلَةُ اللَّهِ ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ وَجْهَ رَبِّهِ ; لِأَنَّهُ وَاسِعٌ
، وَالْعَبْدُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ
تَعَالَى ، وَاللَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ بِوَجْهِهِ ، كَمَا تَوَاتَرَتْ
بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ …. فَإِنَّهُ قَدْ دَلَّ الْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ وَجَمِيعُ كُتُبِ
اللَّهِ السَّمَاوِيَّةِ : عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالٍ عَلَى خَلْقِهِ
فَوْقَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ ، وَعَرْشُهُ
فَوْقَ السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِالْعَوَالِمِ
كُلِّهَا ، فَأَيْنَمَا وَلَّى الْعَبْدُ فَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَقْبِلُهُ ، بَلْ
هَذَا شَأْنُ مَخْلُوقِهِ الْمُحِيطِ بِمَا دُونَهُ ، فَإِنَّ كُلَّ خَطٍّ يَخْرُجُ
مِنَ الْمَرْكَزِ إِلَى الْمُحِيطِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَجْهَ الْمُحِيطِ
وَيُوَاجِهُهُ ، وَالْمَرْكَزُ يَسْتَقْبِلُ وَجْهَ الْمُحِيطِ ، وَإِذَا كَانَ
عَالِي الْمَخْلُوقَاتِ الْمُحِيطُ ، يَسْتَقْبِلُ سَافِلَهَا الْمُحَاطُ بِهِ
بِوَجْهِهِ ، مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَالْجَوَانِبِ ؛ فَكَيْفَ بِشَأْنِ مَنْ
هُوَ بكل شَيْءٍ مُحِيطٍ ، وَهُوَ مُحِيطٌ وَلَا يُحَاطُ بِهِ ، كَيْفَ يُمْتَنَعُ
أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْعَبْدُ وَجْهَهُ تَعَالَى حَيْثُ كَانَ ، وَأَيْنَ كَانَ ؟! ”
انتهى من ” مختصر الصواعق المرسلة ” (1/417) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
” يمكن الجمع بين ما ثبت من علو الله بذاته ، وكونه قِبَل المصلي من وجوه :
الأول: أن النصوص جمعت بينهما ، والنصوص لا تأتي بالمحال .
الثاني: أنه لا منافاة بين معنى العلو والمقابلة ، فقد يكون الشيء عالياً وهو مقابل
، لأن المقابلة لا تستلزم المحاذاة ، ألا ترى أن الرجل ينظر إلى الشمس حال بزوغها
فيقول : إنها قبل وجهي , مع أنها في السماء ، ولا يعد ذلك تناقضاً في اللفظ ولا في
المعنى ، فإذا جاز هذا في حق المخلوق ، ففي حق الخالق أولى .
الثالث : أنه لو فُرض أن بين معنى العلو والمقابلة تناقضاً وتعارضاً في حق المخلوق
؛ فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق ، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته ،
فلا يقتضي كونه قِبل وجه المصلي ، أن يكون في المكان أو الحائط الذي يصلي إليه ،
لوجوب علوه بذاته ، ولأنه لا يحيط به شيء من المخلوقات ، بل هو بكل شيء محيط ” .
انتهى من ” مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ” (4/ 51) .
وينظر جواب السؤال رقم : (40865) .

وقال الشيخ ابن عثيمين :
” أما كونه لا يبصق قِبَلَ وجهِهِ ، فلأن الله سبحانه وتعالى قِبَلَ وجهِهِ ، ما من
إنسان يستقبل بيتَ الله ليُصلِّي ، إلا استقبله الله بوجهه ، في أيِّ مكان ؛ لأن
الله تعالى بكلِّ شيء محيط ، كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ ) البقرة/115 ، وليس من الأدب أن تبصُق بين يديك ، والله تعالى قِبَلَ وجهك
” انتهى من ” الشرح الممتع ” (3/ 269) .

ثانياً :
روى البخاري (509) ، ومسلم (505) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ : سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ
يَدَيْهِ ، فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ
شَيْطَانٌ ) .
وروى أبو داود (695) عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ
فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعِ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ ) وصححه الألباني

فتبين بذلك أن المنع من المرور بين يدي المصلي لا علاقة له بما ذكر من كون الرحمن
قِبل وجه المصلي ، وإنما مقصوده : منع مرور الشيطان بين يدي المصلي ، وأن يجمع
المصلي قلبه على صلاته فلا ينصرف إلى شيء سوى صلاته .
قال في ” عون المعبود ” (2/275) :
” أي : لا يفوت عليه حضورها بالوسوسة والتمكن منها ، واستفيد منه أن السترة تمنع
استيلاء الشيطان على المصلي ، وتمكنه من قلبه بالوسوسة ، إما كُلًّا ، أو بعضاً ،
بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى ، وأنَّ عَدَمها يمكن الشيطان من
إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع ” انتهى .
وقال النووي رحمه الله :
” قال الْعُلَمَاءُ : وَالْحِكْمَةُ فِي السُّتْرَةِ كَفُّ الْبَصَرِ عَمَّا
وَرَاءَهُ ، وَمَنْعُ مَنْ يُجْتَازُ بِقُرْبِهِ ” .
انتهى من ” شرح مسلم ” (4/216) .
وقال الكمال ابن الهمام رحمه الله :
” الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ ”
انتهى من ” فتح القدير” (1/ 408) .

وينظر جواب السؤال رقم : (147415)
.

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android